لم يتبق أكثر من 3 أشهر على الانتخابات النيابية في لبنان، ولا تزال علاقة حزب الله بالجماعة الإسلامية – صوت الإخوان في لبنان – تخضع لقوانين الضرورة وفقه الواقع الذي يحتم تجميد العلاقات بين أكبر تيارين سياسيين في هذا البلد.
فالشعار المرفوع حاليًّا “لا صراع ولا صداقة”، بعدما ارتضى الطرفان البقاء في المربع صفر وعدم التفاعل بإيجابية، حتى لو كانت المرحلة الحاليّة الأكثر نضجًا وتقدمًا، ورغبة في دفع سبل تقدم العلاقة بين حزب الله وايران من خلفه، والإخوان المسلمين بمختلف فروعها وأوزانها في المنطقة من جانب آخر.
ابحث عن بشار الأسد
كانت الأزمة السورية والتدخلات الإيرانية التي عقدت المشهد السوري منذ أربع سنوات، ومحاولة تغليف الأزمة السورية وإنهائها لصالح بشار الأسد، السبب في ضرب أسس العلاقة بين الجماعة الإسلامية وحزب الله، فالأولى أعلنت وقوفها إلى جانب مطالب الشعب السوري، بغض النظر عن مساراتها المتعرجة في الأزمة حتى الآن، في حين لم يخف حزب الله دعمه ودفاعه حتى الموت، خلف نظام بشار؛ الأمر الذي انتهى بإعلان الطرفين صعوبة التنسيق بينهما، بل واستحالته في التوقيت الحاليّ.
فالعلاقة بالأساس فاترة للغاية ولا تتطور، بل ولا توجد رغبة لذلك، حسب أغلب التحليلات الواردة من شواهد الأحداث، وخصوصًا منذ انتخاب الدكتور بسام الأيوبي أمينًا عامًا للجماعة الإسلامية، وهو رجل لديه ميراث من التصريحات المناهضة لسياسة حزب الله، بما يجعل وجوده على رأس السلطة في الجماعة، أحد الأسباب القوية لإبعاد أي تقارب محتمل بينهما في الوقت الحاليّ.
قبل 4 سنوات، هاجم الأيوبي الذي كان مسؤولاً سياسيًا للجماعة، حزب الله، دون أن يسميه، وقال إن لبنان يعيش منذ عدة سنوات، عملية استقواء من قبل فئة من اللبنانيين على فئات أخرى، تعتمد على القوة في فرض رؤيتها على كل أبناء الوطن، مردفًا: “أنتم تأخذوننا وفق خياراتكم الخاطئة معتمدين على قوة سلاحكم”، ولم يكتف الأيوبي بذلك، بل تمادى في مهاجمة الحزب، قائلاً: “من خرج بسواده مؤيّدًا لأنظمة القمع والاستبداد، عليه مراجعة حساباته قبل فوات الأوان”.
كان الرجل القوي داخل الجماعة، يريد إسماع صوت الإخوان إلى قادة الحزب، بعدما بدا لهم أن الحوار في الملف السوري مع داعمي بشار اللبنانين، بات أقرب إلى حوار طرشان، فكان الحل على الطريقة الإخوانية الشهيرة، عبر التصعيد إعلاميًا، خصوصًا عندما لا تترجم مضامين اللقاءات الداخلية، إلى نتائج على أرض الواقع.
تبقى الأزمة الخليجية المشتعلة بين قطر ومحور المقاطعة، أكثر ما يجبر الإخوان على مصادرة أي رغبة في تشاور انتخابي
ربما راجع الأيوبي نفسه أو فرضت الأحداث لهجة مختلفة، في النهاية حديث الرجل بات مختلفًا الآن وبشكل جذري عن حديثه منذ أربع سنوات، كما اختلفت رسائله الموجهة إلى الحزب، بعدما اختار أن يضع حدودًا واضحة للعلاقة مع حزب الله، وقال إنها في حاجة إلى مزيد من الترميم، خصوصًا في ظل حرص الإخوان على التعاطي مع هذا الموضوع، بعيدًا عن أي تأثيرات عاطفية أو شعبوية، لذلك كان قرارها حاسمًا، بالإبقاء على مسار غير رسمي مع الحزب، لإعادة تقييم مواقفهما لاحقًا، وعمل قراءة جديدة، سواء في العلاقة أو في القواسم المشتركة، وهو ما قد يعيد العلاقة ويوثقها في الوقت المناسب.
ما وراء الدبلوماسية والتصريحات المهذبة
رغم حرص كل طرف على إيجاد طريق بينهما يمكن تهذيبه والسير فيه لاحقًا، فإن ملامح التحالفات على الأرض تشير إلى صعوبة إحداث حالة من التقارب الانتخابي بين الطرفين، لا سيما في ظل تركيز الإخوان على التحالف مع التيار الوطني الحر في بعض مناطق إقليم الخروب وصيدا، بجانب التنسيق مع تيار المستقبل في بيروت وطرابلس، وهي التحالفات التي تعمل على توثيقها جماعة الإخوان منذ فترة، بينما خرج حزب الله من حساباتها تمامًا في أي عمل سياسي أو انتخابي محتمل.
بجانب الخريطة الانتخابية، تبقى الأزمة الخليجية المشتعلة بين قطر ومحور المقاطعة، أكثر ما يجبر الإخوان على مصادرة أي رغبة في تشاور انتخابي، بسبب حالة التربص بتصرفات الجماعة (حليف قطر الرئيسي في المنطقة)، فأي تنسيق يعني الارتماء في حضن المشروع الإيراني وتصدير هذه الصورة للشارع العربي عبر وسائل إعلام تصوب مدافعها على الإخوان بلا رحمة، مما يعني استنزاف مزيد من شعبية الجماعة المتداعية بالأساس، بسبب التخبط والهزائم المتتالية منذ انتكاسة الربيع العربي.
ملفات مشتركة تمنح الطرفين مخرجًا للعودة
رغم الخصومة السابقة التي تؤثر على إعادة مسار العلاقات بين حزب الله والإخوان، هناك ملفات مشتركة تجعل التحالف بينهما من ضروريات الواقع، أهمها الصراع مع “إسرائيل” وقضية الوحدة الإسلامية والاحترام المتبادل تاريخيًا بين الجماعة والحزب.
رغم ثبات كل طرف في لبنان على موقفه في القضية السورية، لكن تطورات الأحداث ستجبرهما على تغيير مسارات التفكير
لم تضبط الجماعة يومًا، وهي تعي ثقلها وحجم تأثيرها السياسي والاجتماعي على الحزب، بل كانت تسلم له دائمًا عن طيب خاطر، أنه الأكبر في لبنان، واحتفظت لنفسها بتفوقها على صعيد الطائفة السنية، مما جعل دائمًا فرضية الحوار والثقة قائمة بينهما، خصوصًا أن مثل هذه التصريحات المقترنة بالأفعال على أرض الواقع، الطريق إلى إزالة الكثير من المخاوف التي انتشرت على صعيد العلاقة السنية الشيعية في لبنان، بغض النظر عن مناوشة الإخوان أحيانًا، واتهامهم للحزب بتوريط لبنان في معارك لا داعي لها، بأكثر من بلد عربي.
كما يحفظ حزب الله للإخوان، عدم منازلته أو المزايدة عليه في الدفاع عن القضية الفلسطينية، بل كانت الجماعة دائمًا من أول المدافعين عن الحزب، في مواجهة أي عدوان إسرائيلي على لبنان، لذا عارضت بشدة قانون العقوبات الأمريكي ضد الحزب.
ويدرك الطرفان، المتغيرات المتسارعة بشدة في المنطقة، على رأسها قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المناصر لـ”إسرائيل” بتهويد القدس؛ الأمر الذي من شأنه أن يعيد جمع المؤمنين بهذا المسار المقاوم، في ظل تسارع الخطوات باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني، من بعض الأنظمة صاحبة التأثير في الوطن العربي، مما يدعو إلى تكاتف وتعاون كل القوى الإسلامية الرافضة لهذا التطبيع؛ فلسطين هي البوصلة، وتحرير القدس والأقصى عقيدة مشتركة للقوى التي لا تزال تؤمن بثقافة المقاومة.
رغم حرص كل طرف على إيجاد طريق بينهما يمكن تهذيبه والسير فيه لاحقًا، فإن ملامح التحالفات على الأرض تشير إلى صعوبة إحداث حالة من التقارب الانتخابي بين الطرفين
ورغم ثبات كل طرف في لبنان على موقفه في القضية السورية، لكن تطورات الأحداث ستجبرهما على تغيير مسارات التفكير؛ فالأخذ بالعبر مما جرى في سوريا والمنطقة، يجعل كل الأطراف وليس الإخوان حرصيين على رفع شعار أمن واستقرار لبنان أولاً، وعدم الانجرار إلى النيران المحيطة بهم من كل جانب، وهو ما يحسب للحزب والإخوان اللذين رغم كل أزماتهما ومواقفهما المتباينة من قضايا لا يمكن فيها إمساك العصا من المنتصف، إلا أنهما أصرا من البداية أن يكون الخلاف سياسي، بما لا يعيق مد جسور التواصل بين الجماعة والحزب لاحقًا، ففتح الطرفان قناة لإبقاء التواصل بينهما، ولم ينقل أي منهما الخلاف عن التعاطي مع الأزمة السورية من سوريا إلى لبنان.
كان للمواقف السابقة والأساس الإستراتيجي الراسخ في التعامل بين الجماعة والحزب، أبلغ الأثر في موقف الإخوان من معركة حزب الله مع المسلحين في جرود عرسان، فجماعة الإخوان أعلنت معارضتها لهجوم قوات الحزب على جرود عرسال، ورغم ذلك لم تلجأ إلى تشويهه أو انتهاز الفرصة لتحصيل مزيد من الشعبية على حسابه، هي طبقت سياسة النأي بالنفس عن الأحداث السورية، خصوصًا أن مشاركة حزب الله في الأزمة جعله يتوغل داخل الأراضي السورية المتنازع عليها مع لبنان، بما يعرض البلاد لاستهداف محتمل من قوات بشار، مما يعني أن هناك أرضية جاهزة لإعادة العلاقة بما يتجاوز الخصومة السياسية التي خلفها الملف السوري.