منذ بداية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر، فشلت جميع المحاولات التي قادها الوسطاء للوصول إلى اتفاق جديد ينهي الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة للشهر التاسع على التوالي، فقد عمل الوسطاء القطريون والمصريون على صياغة مقترحات للوصول إلى صفقة جديدة تنهي الحرب، إلا أن جميع هذه الاتفاقيات كانت تصطدم بالواقع وتفشل في الوصول إلى صفقة تنهي معها الحرب.
لم ينجح سوى مقترح الصفقة الإنسانية الذي تمّ في نوفمبر/ تشرين ثاني 2023، والذي كان يعتقد أنه قد يكون مدخلًا لإنجاز صفقة تبادل جديدة شاملة تنهي الحرب على غزة، إلا أن هذا الأمر لم يتحقق على أرض الواقع.
وبموجب هذه الصفقة الجزئية، أطلق الاحتلال سراح 240 أسيرًا فلسطينيًا، 107 منهم أطفال، في المقابل أطلقت حماس سراح 105 مدنيين، من بينهم 81 شخصًا من الاحتلال و23 تايلانديًا وفلبيني واحد.
مقترحات فاشلة: محاولات لم ترَ النور
سعى الوسطاء منذ الأيام الأولى للوصول إلى اتفاق سريع لوقف إطلاق النار واستعادة الهدوء، إلا أن هذا الأمر لم يتحقق حيث تم توثيق عدة محاولات وتحركات، كانت أبرزها تحركات مصرية وقطرية متكررة. وفيما يلي أبرز هذه المقترحات:
-
مقترح مصري أوّلي (أكتوبر/ تشرين الأول 2023):
تفاصيل المقترح: مصر اقترحت وقف إطلاق نار مؤقت لمدة 48 ساعة للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
النتيجة: المقترح لم يحقق نجاحًا بسبب الخلافات الجوهرية بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية بشأن شروط التهدئة.
-
جهود الأمم المتحدة (نوفمبر/ تشرين الثاني 2023):
تفاصيل المقترح: الأمم المتحدة دعت إلى وقف إطلاق نار فوري وفتح ممرات إنسانية، مع التأكيد على ضرورة إجراء مفاوضات لاحقة للتوصّل إلى اتفاق طويل الأمد.
النتيجة: المقترح لم يتم قبوله بسبب عدم التوافق على تبادل الأسرى وشروط أخرى وحالة التعنّت الإسرائيلي.
-
مبادرة قطر وتركيا (ديسمبر/ كانون الأول 2023):
تفاصيل المقترح: قطر وتركيا قدمتا مبادرة تدعو إلى وقف إطلاق النار، تبادل الأسرى، والشروع في إعادة إعمار غزة.
النتيجة: المبادرة لم تحقق تقدمًا ملموسًا بسبب الخلافات حول آليات التنفيذ والشروط المسبقة.
-
مقترح جامعة الدول العربية (مارس/ آذار 2024):
تفاصيل المقترح: اقترحت جامعة الدول العربية وقف إطلاق نار لمدة 6 أشهر، وتشكيل لجنة تحقيق دولية في انتهاكات حقوق الإنسان.
النتيجة: المقترح لم يحقق إجماعًا كاملًا بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية.
-
مقترح من الاتحاد الأوروبي (أبريل/ نيسان 2024):
تفاصيل المقترح: الاتحاد الأوروبي اقترح وقف إطلاق النار مع إنشاء صندوق دولي لإعادة إعمار غزة، وضمانات دولية لحماية المدنيين.
النتيجة: لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأنه، بسبب تعقيدات الوضع على الأرض وعدم الاتفاق على الضمانات الدولية.
-
جهود وسطاء آخرين (من يناير/ كانون الثاني إلى مايو/ أيار 2024):
تفاصيل المقترحات: عدة محاولات من وسطاء دوليين وإقليميين آخرين مثل روسيا والصين وبعض الدول الأفريقية، لمحاولة التوصل إلى تهدئة.
النتيجة: جميع المحاولات لم تثمر عن اتفاق نهائي بسبب التعقيدات السياسية والعسكرية.
خلال هذه الفترة ظلت الظروف الإنسانية في غزة تتفاقم مع ارتفاع عدد الضحايا والمصابين، وتدمير واسع للبنية التحتية، ومع ذلك ظلت الجهود مستمرة من أجل التوصل إلى اتفاق تهدئة، لكن التحديات السياسية والعسكرية عرقلت التوصل إلى حلّ دائم.
مقترح 7 مايو/ أيار 2024
في 7 مايو/ أيار 2024 ظهرت تطورات هامة في جهود التوصل إلى تهدئة في قطاع غزة. قامت مجموعة دولية بتقديم مقترح شامل لوقف إطلاق النار، والذي تضمن عدة بنود تهدف إلى تخفيف حدّة التوتر وإعادة الاستقرار إلى المنطقة، حيث أعلنت حماس قبولها للمقترح، في المقابل رفضت حكومة الاحتلال الإسرائيلي المقترح، مشيرةً إلى أن بعض بنوده غير مقبولة من الناحية الأمنية والسياسية.
قراءة في موقف حماس والمقاومة
منذ انتهاء الهدنة الأولى مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2023، رفضت حركة حماس المقترحات الجزئية التي طُرحت عليها لإبرام صفقات مشابهة لما جرى في الصفقة الأولى، في أعقاب العملية العسكرية في مدينة خان يونس المدمرة.
وذهبت المقاومة بشكل واضح للحديث عن صفقة شاملة بمراحل تنهي الحرب الإسرائيلية، وتمكّنها من إنهاء الحرب بشكل كامل وتتضمن صفقة تبادل “مشرّفة”، بما يشمل فتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار.
وفي هذا الإطار، تحدث مصدر مسؤول من فصائل المقاومة الفلسطينية، طلب عدم ذكر هويته، لـ”نون بوست”، عن أن هذا الأمر يتم للمراوغة الإسرائيلية المتبعة في عملية التفاوض في كل جولة من جولات المفاوضات.
ويقول المصدر إن الاحتلال كان يراوغ عبر الصياغات المختلفة والتلاعب في التعبير لكل شيء، حيث يتم الاتفاق عليه في البداية ثم يعود للتراجع عنه، وهو ما يفسّر عدم رغبته الجادة في الوصول إلى صفقة شاملة تنهي الحرب.
ويوضح أن الاحتلال يريد استعادة أسراه فقط دون وقف الحرب أو الاتفاق على الانسحاب الشامل والكلّي من القطاع، وهو ما ترفضه قوى المقاومة الفلسطينية بشكل قاطع التي تتمسك بصفقة شاملة وواضحة.
قرار مجلس الأمن الأخير بدعم مقترح بايدن لوقف الحرب في غزة جاء متأخرًا، إلا أن الموقف الإسرائيلي بشأنه لا يزال غير واضح رغم انفتاح المقاومة على أي مقترح ينهي الحرب الإسرائيلية
ويشدد على أن الاحتلال سعى في بعض المرات للتواصل مع فصائل أخرى لإبرام صفقات منفصلة، وهو أمر لم يتحقق نتيجة التماسك الفصائلي الواضح فيما يتعلق بمفاوضات الصفقة والتبادل من أجل وقف الحرب.
ويوضح أن المشهد السياسي الإسرائيلي المعقّد والاستقالات الأخيرة التي أدّت إلى انسحاب بني غانتس وغادي إيزنكوت، تعكس جانبًا من حالة الخلاف السياسي الإسرائيلي فيما يتعلق بمفاوضات صفقة التبادل.
ويشير إلى أن نتنياهو غير معنيّ في الوصول إلى صفقة في المرحلة الراهنة، لاعتبارات من أبرزها المشهد السياسي المعقد واحتمالية انهيار الحكومة، في ظل تهديدات الوزيرَين بتسئليل سموتريتش وإيتمار بن غفير بالانسحاب من الحكومة حال وقف الحرب وإبرام صفقة.
وينوه المصدر إلى أن قرار مجلس الأمن الأخير بدعم مقترح بايدن لوقف الحرب في غزة جاء متأخرًا، إلا أن الموقف الإسرائيلي بشأنه لا يزال غير واضح رغم انفتاح المقاومة على أي مقترح ينهي الحرب الإسرائيلية.
خلافات على السياسات واتفاق في الأهداف
لا يمكن فصل المشهد السياسي في الاحتلال عمّا يجري حاليًا، إذ عكست استقالة غانتس الأخيرة ومسؤولين سياسيين وعسكريين حالة الفشل في التعامل مع الحرب وحركة حماس خلال العملية العسكرية.
ويتفق جميع قادة الأحزاب الإسرائيلية على ضرورة القضاء على حركة حماس، إلا أنهم يختلفون على الطريقة، ففي الوقت الذي يتمسك نتنياهو وأركان حكومته باستمرار الحرب، تتفق أحزاب الوسط واليسار العلماني على وقف الحرب وإبرام صفقة تبادل، مع إمكانية اتخاذ إجراءات لاحقة من أبرزها اغتيال السنوار لاحقًا، كما يتحدث قائد المعارضة الإسرائيلية يئير لابيد.
ورغم سعي نتنياهو الحثيث لإقناع غانتس البقاء في الحكومة، إلا أن استشعار الأخير فشل تحقيق هدف استعادة الأسرى دفعه إلى القفز من سفينة نتنياهو في الوقت الراهن، لا سيما مع وجود رغبة أمريكية في وقف الحرب.
هذا علاوة عن زيادة عزلة “إسرائيل” الدولية، حيث سيؤدي قرار الانسحاب إلى إعادة صورة نظام الحكم في “إسرائيل” إلى حكومة يمينية فاشية متطرفة تخوض حرب إبادة بحقّ الشعب الفلسطيني، لا يتوانى قادتها عن التصريح علانية عن رغبتهم في مسح هذا الشعب وإعادة احتلال قطاع غزة وإعادة الاستيطان إليه.
إذ كان يخلق وجود غانتس وحزبه في مجلس الحرب نوعًا من التوازن، ويعطي صورة حول توحُّد “إسرائيل” خلف الحرب، أما انسحابه الآن فيعيد الأضواء إلى حكومة المستوطنين التي لا تحظى بقبول دولي، وسط تصاعد الانتقادات والملاحقة لـ”إسرائيل” على خلفية جرائم الحرب واتهامات الإبادة واستدعاءات الجنائية الدولية.
وسيسهم ذلك في ارتفاع منسوب الضغط الأمريكي، حيث كان وجود غانتس وحزبه في حكومة الطوارئ يشكّل نوعًا من الضمانة الأمريكية بشأن أن الحرب تحمل أهدافًا منطقية مجمَعًا عليها إسرائيليًا، أما هذا الانسحاب فيُضعف من موقف مناصري “إسرائيل” في الإدارة الأمريكية لصالح منتقدي سياسة بنيامين نتنياهو، ويعزز من الطرح القائل إن الأخير يستخدم الحرب لأهداف سياسية ويرتهن لتوجهات ائتلافه الحكومي اليميني.