“عند آخر كلمة من فصول الكتاب، تبدأ أول كلمات المهمة، وهي رحلة تحرير الأمة لذاتها ثم تحررها من ظلم خصومها”.
بهذا الاقتباس يتبين لنا الهدف الأكبر للمؤلف الذي سعى من خلاله لتجميع خيوط المغزل المتناثرة حتى يصنع نسيجًا صَالِحًا، بوضع بصمته في هذا الطريق الشائك لعلها تكون بادرة مضيئة تأتلف مع بادرات من سبق ومن سيلحق للخروج من السؤال المستمر عن كيفية النهوض بأمة الإسلام لتأخذ مكانها المُستحق في ركب الحضارة.
جاء كتاب “زمن اليقظة” مُمهدًا من الممهدات لطريق التصحيح قبل البناء، وذلك بجمع الخلاصات المعرفية وإعادة تنظيمها فكريًا مع النظر في الأزمة الداخلية، وأيضًا التقييم المستمر لما وصلت إليه البشرية في العالم الجديد وهل تحقق المستوى المُرضي من الرشاد والنقاء، معتمدًا في مرجعيته على نقد التجارب المعاصرة وتشخيص الخلل فيها لرسم خريطة طريق لوعي الشباب الناهض، لا لملاعنة المجتهدين أو المسرفين في خطايا اجتهادهم.
فالدخول إلى زمن اليقظة يعني وقف الخسائر والمساهمة في صناعة المعادلة المعرفية (تأسيس الفرد) كشريك فاعل في النهضة لا طرف صراع، ولا يعني هذا خلق جو يوتوبي وإنما تصحيح مسيرة الذات لتنوير العقل المسلم المعاصر ومساعدته في تأسيس بنيوي حقيقي مُرتكز على مقاصد شريعته الكبرى.
الكتاب ثمانية فصول تتابعت بعناوين شاملة لتفاصيل وجزئيات، من عرض واقع الفكر الإسلامي اليوم
جُل المادة الفكرية للكتاب اعتنت بتفكيك ودراسة تجربة تيارات الحركات الإسلامية، ولا يعني هذا توجيه الرسالة المعرفية بل تشمل الكل، فهذه التيارات عملت من خلال نفسها ومن خلال اصطدامها بمحيطها مما جعلها جزءًا من معادلة الأزمة وعليها أن تكون جزءًا من معادلة الوعي والحل.
الفصل الأول.. أسئلة مشروعة
يبدأ الكاتب بمقدمة تطرح أسئلة مركزية، ويقول إنه لم يطرحها لأنه يملك إجابات عنها، وإنما أوردها لتشرح ما يدور في الكتاب وليتدارس مع القارئ كيفية الخروج بإجابات ومقاربة للحلول.
الكتاب ثمانية فصول تتابعت بعناوين شاملة لتفاصيل وجزئيات، من عرض واقع الفكر الإسلامي اليوم؛ في الفصل الأول وحجم الصدمة التي يُفاجأ بها الساعي للبناء المعرفي من فقر المكتبة الفكرية بالإضافة للتباعد عن نهج المؤسسين في الإحياء الإسلامي قديمًا وذلك بالانغلاق في صورة التحزب الدعوي الضيق وعدم السعي لفك الاشتباك بين الصورة الدعوية والتقدمية الفكرية التي أفرز تداخلها بعض الإشكالات.
وليس المقصود هنا فرض المداولة الفكرية للتربويين أو إجحاف دورهم، وإنما الدعوة إلى التخصصية فلكل بابٍ أهله، كل هذا جاء مع القمع السلطوي للإصلاحيين الذي مُورس على مر العهود وكان الخوف من الوعي هدفه المُشترك.
الفصل الثاني عن فقدان الفكر الإصلاحي والأسباب التي أدت لهذا الواقع
بدايةً هل وعت مسالك التربية الدعوية المنهج النبوي في تأصيل مفاهيم الإصلاح واحترام الحريات الفردية وميولها الثقافية وما تأثير استنساخ نمط محدد بديل للتنوع الفطري؟
كما تناول الصحوة باعتبار أثرها في اختراق الفكر التربوي بصورة نقدية لم تُجحفها حقها في مسيرة عطائها الكبير وإنما أراد تنقيتها مما شابها من عوالق نتيجة تقاطعها مع الأنظمة الرسمية، أو الرجوع إلى التأريخ بوصفه المُخلّص الفكري للمستجدات، دون التمييز بين كنوزه وكوارثه، في مساحة كبيرة أفردها للسلفية شملت النقد والإنصاف والتمييز بين طوائفها، فهي ليست على ذات النسق.
وأورد مصطلح السلفية الطائفية لتلك التي استأثرت بمنهج انفصالي ما زاد انفصالًا جديدًا على عناصر الأمة المنقسمة وكيف يخدم التوظيف السياسي هذا التباعد والشتات، وننبه هنا إلى أن التوظيف ليس حكرًا على السلفية الطائفية وإنما يشمل الكل (مؤتمر الشيشان)، مستعرضًا تاريخية الصراع المذهبي وكيف للتوظيف السياسي من زيادة الصدع الكائن.
في ذات السياق عرض نماذج من مصر وسوريا بعد أحداث الربيع العربي وكيف للمشاعر المتصاعدة وتجييشها المساهمة في صعود السلفية الجهادية.
الكاتب السعودي “مهنا الحبيل” مؤلف كتاب “زمن اليقظة”
الفصل الثالث: حصاد الغياب الفكري
جاء الفصل الثالث بعنوان حصاد الغياب الفكري، وفيه تصوير لمشهد الشرق المسلم وكيف ساعد الخلاف المُقصي بين المكونات الثقافية والفكرية، الغرب الاستعماري العائد بثوب جديد لنفس مآربه القديمة ومكّنه من إدارة وصناعة حاضره والتخطيط لمستقبله، متسائلًا بعد كل هذا الحصاد المُر أما آن لهذه المتفرقات أن تجد لها منصة مشتركة لحلف فضول إنساني، لا يذهب بحقها في رؤاها وانتماءاتها الحزبية وإنما يطفئ الحريق المشتعل كمرحلة انتقالية لمرحلة تدافع فكري وسياسي صحي قادم؟
الفصل الرابع: الغرب
ثم عرّج في الفصل الرابع لطرح القضايا الجدلية مع الغرب وكيفية التوازن، منتقلًا إلى ما يشبه دراسات نقد المستشرقين الجدد لقراءة التطرف وكيف استخدمت الأجندة الغربية مسالك الغلو لتفجير الوضع الداخلي مع عدم البراءة من الإشكالات المتعلقة بمسائل الحريات والعسف السياسي والاجتماعي من تجييش المشاعر، ولكن للغرب الاستعماري إرثه الكبير من استبداد الكنيسة لنصرة الرجل الأبيض على حساب شركائه وكيف تمت المقاومة وانتصرت، ويبقى السؤال عن فرصة عودة داعش المسيحية بعد صعود ترامب، وعليه فالمهمة الإطفائية مشتركة.
في هذا الفصل أيضًا فتح الباب على وقائع سابقة ذات طابع استفزازي للمشاعر المسلمة الموجودة في الغرب والشرق وكيف نقرأ عدم الرد بل عدم تفعيل الردع القانوني الممكن، هل هو عجز أم تواطؤ؟ مما يكون له الأثر في الرد العنيف من المسلم المُستفز، متسائلًا عن الحق الإنساني في الدفاع عن إرثه المشترك من معادلة الفطرة والأخلاق (شارلي أبيدو – حادثة البكيني في فرنسا).
في الفصول الثلاث الأخيرة انتقل بنا المؤلف بروح فلسفية في رحلة البحث عن الجسور بين الإنسانية المبعثرة لإطفاء لهيب الحروب
الفصل الخامس: شباب الحركات الإسلامية والعودة إلى التوازن الفكري
أولًا كيف تم العمل على تغييب الوعي بفرض الحصار الثقافي السلطوي المُمنهج بإبعاد التداول الفكري المهم للنمو الفردي السليم في معرفة الطريق الصحيح وتمهيد طريق أوحد يناسب المستبدين وكيف ساهم غياب الحرية في ضعف الإثراء المعرفي وبالتالي ليس رفض الآخر المختلف، بل العمل على إقصائه، لذا من الأولويات تجديد المهمة الدعوية والتربوية للعقل المسلم المعاصر للخروج من دوائر الانغلاق والانفتاح نحو المفاهيم العصرية التي لا تناقض مقاصد شريعته.
بل قد يكون الطريق الأسهل للوصول بعد أن يعي أين تتفق وأين تختلف معها وكيفية استخدامها للوصول لغاياته الكبرى، فعلى سبيل المثال السعي الحثيث للوصول للخلافة المزعومة في غايته الكبرى هو سبيل إلى الأمة الإسلامية الواحدة، وبمفاهيم العصر نجد أن الطريق الذي يحفظ الأرض وإنسانها هو تحرر الأوطان القطرية وتأصيل مناهج الديمقراطية والحريات التي كفلها الإسلام وعندها تأتلف عناصر الأمة بوعي حقوقها وليس بصراع الطوائف والقوميات.
الفصول الأخيرة.. الإنسانية المبعثرة
في الفصول الثلاث الأخيرة انتقل بنا المؤلف بروح فلسفية في رحلة البحث عن الجسور بين الإنسانية المبعثرة لإطفاء لهيب الحروب. جاءت البداية من العمل على الإصلاح الداخلي وذلك بتقديم نماذج لما طرحه سابقًا من حلف الفضول الإنساني بين التيارات الفكرية، موضحًا المشتركات بين الفكرة الفلسفية الإسلامية واليسارية من خلال بوابة العدالة وليس بوابة الاشتراكية.
وعن إمكانية الحوار المشترك بين المنهج الإسلامي والآخر العلماني، يرى بداية لا بد من المفيد تفنيد المصطلح من حيث الجزئية والشمولية العلمانية للوصول إلى ميثاق انتقالي يعمل على إيجاد وفهم المشتركات داخل العهدة الثقافية المشتركة.
بهدوء انتقل الكاتب إلى معادلة الفكرة الإسلامية للخلل الأخلاقي مستعرضًا قصة إسلام روجيه جارودي ونجاح الفيلسوف علي عزت بيجوفيتش
بعد الإصلاح الداخلي ينتقل إلى العلاقة مع العالم الغربي ومحاولة إيجاد طريق ثالث، وهنا بعض المقتطفات من رحلته البحثية التي ما زالت مستمرة، لإيجاد طريق ثالث بين الشرق والغرب بعيدًا عن الهيمنة الاستعمارية وحروب العنف على إنسان الشرق وبعيدًا عن الانهزام وخلق الحوارات ذات القاعدة الرسمية التي ترعى مصالح الغرب والاستبداد، وذلك البحث عن كل علاقة مصلحة وتفاهم ممكنة بين المجتمع المسلم والمجتمع الغربي، وأيضًا الاستفادة مما وصلوا إليه من معادلة وتوازن داخلي في صناعة الحياة المدنية والدستورية وحقوق الحريات، ذلك مع الأخذ في الاعتبار تاريخهم وتاريخنا وحاضرهم وحاضرنا وأن القيم المفعّلة لديهم من أساسيات مقاصد شريعتنا.
ختام الكتاب جاء مُفككًا للفلسفات الغربية التي قامت عليها تجربة النهضة للعالم الجديد وهل بعد إرثها من الصراعات والضحايا استوت على جودي منظومة عدالة شاملة لكل من خلق الله على أرضه؟ وقبلها هل في داخلها وصلت إلى مستوى مُرضي من السلامة والطمأنينة الروحية، ولماذا الأرقام المناهضة للفطرة والقوانين في حالة تصاعد مُستمر؟
وبهدوء انتقل إلى معادلة الفكرة الإسلامية للخلل الأخلاقي مستعرضًا قصة إسلام روجيه جارودي ونجاح الفيلسوف علي عزت بيجوفيتش، قائلًا إن مهمة العهد الفكري الجديد تتجاوز حدوده وأرضه لتشمل العالم، ولكي ينطلق لا بد من فهم أصول الأزمة عن التخلف عن مقاصد الوعي والإدراك لحقيقة الرسالة الإنسانية وكيف يمكن دمجها في معالم الآلة الدستورية اليوم. نختم بالدعاء للكاتب ولكل من كان همه العمل على التبصير بالوعي لنهضة الأمة.