يتواصل انهيار العملة المحلية الجزائرية (الدينار الجزائري) أمام العملات الأجنبية في السوق الرسمية، بشكل حاد، بلغ مستويات قياسية في الفترة الأخيرة، مما خلّف هلعًا كبيرًا لدى الجزائريين نتيجة خشيتهم من أن يؤثر ذلك سلبًا على مقدرتهم الشرائية التي تعاني هي الأخرى.
الانهيار الأول من نوعه تاريخيًا
في تعاملات بنك الجزائر المركزي، بلغت العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) 141.41 دينار لليورو الواحد، في حين وصلت قيمة الدولار الأمريكي 113.32 دينار، ويعتبر هذا التراجع في قيمة الدينار الجزائري أمام العملات الأجنبية الأول من نوعه منذ استقلال الجزائر، فخلال سنتين فقط تراجع الدينار بقرابة 35% من قيمته. ينتظر أن يحل وفد من الصندوق في الأسبوع الأول من مارس/آذار القادم بالجزائر تنفيذًا لما يُعرف بـ”الفصل الرابع”.
هذا الانهيار جاء نتيجة رفع بنك الجزائر أسعار صرف العملات الأجنبية مطلع 2018 بنحو 20%، حيث حدد سعر صرف اليورو عند البيع بـ146.27 دينار جزائري مقابل 137.8 دينار عند الشراء، فيما قدر سعر صرف الدولار الأمريكي عند البيع بـ119 دينارًا جزائريًا والشراء مقابل 112 دينارًا.
ومع دخول الاقتصاد الجزائري في دوامة “الأزمة المالية” التي خلفها تهاوي أسعار النفط في البورصات العالمية، لم يتوقف صندوق النقد الدولي في إرسال توصياته للجزائر، التي تدعوها صراحة إلى ضرورة إدخال إصلاحات عاجلة على الاقتصاد، من خلال استكمال مخطط رفع الدعم عن السلع والخدمات، وتعويم قيمة الدينار بطريقة سلسة، وينتظر أن يحل وفد من الصندوق في الأسبوع الأول من مارس/آذار القادم بالجزائر تنفيذًا لما يُعرف بـ”الفصل الرابع” الذي سيُتوج بصياغة تقرير شامل عن حال الاقتصاد الجزائري.
الرفع من قيمة عائدات صادرات المحروقات
تأمل السلطات الجزائرية من خلال هذا الإجراء إلى تغطية جزء من عجز الموازنة للسنة الحاليّة وتقليصها من خلال الرفع من قيمة عائدات صادرات المحروقات باعتبار أن المداخيل تُحتسب بالدولار الأمريكي، فضلاً عن رفع قيمة الجباية البترولية.
وتعرف أسعار نفط برنت في السوق العالمية ارتفاعًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، حيث تخطى سعره عتبة الـ70 دولارًا منذ أيام لتعرف تراجعًا طفيفًا تراوح بين 68 و69.40 دولار للبرميل الواحد، خاصة بعد إجماع كبار منتجي النفط في اجتماع اللجنة الوزارية المشتركة لدول أوبك وخارجها بعمان على مواصلة تطبيق خفض الإنتاج ومشاورات عن تمديد الاتفاق إلى ما بعد 2018.
يشار إلى أن البنك المركزي يراجع سعر الصرف الأسمي للدينار، ليكون سعر الصرف الفعلي عند مستوى توازنه الذي تحدده أساسيات الاقتصاد الوطني، أي سعر النفط وفارق التضخم وفارق الإنتاجية بين الجزائر وشركائها الأجانب، ولكن يحدد أيضًا من عوامل أخرى تحتفظ بها السلطة النقدية.
وتسعى الحكومة الجزائرية إلى حماية احتياطي البلاد من العملة الصعبة من التآكل السريع عبر إجراءات قاسية منها التخفيض من قيمة العملة المحلية، حيث هوى الاحتياطي إلى 102 مليار دولار نهاية سبتمبر/أيلول الماضي بعدما كان 115 مليار دولار عند بداية السنة الماضية. تشير تقارير وأرقام حكومية رسمية أن أسعار بعض السلع ارتفعت بنسب تتراوح بين 50 إلى 70%
تتوقع الحكومة الجزائرية، حسب تصريحات وزير المالية الحاليّ عبد الرحمن راوية، أن ينخفض الاحتياطي إلى 85.2 مليار دولار في العام 2018، أي ما يعادل 18.8 شهر من الواردات، ليصل إلى 79.7 مليار دولار نهاية 2019، ثم 76.2 مليار دولار في 2020.
تراجع المقدرة الشرائية للمواطنين
لئن برّرت السلطات الجزائرية قرارها بخفض قيمة الدينار الجزائري برغبتها في رفع قيمة عائدات النفط، فقد كانت نتائجه وخيمة على الجزائريين، خاصة أن هذا التقهقر أفقد الجزائريين 30% من قدرتهم الشرائية في أقل من سنة، ومن المنتظر أن تتدهور أكثر السنة الحاليّة علاوة على زيادة الأسعار الذي تعرفه مختلف أنواع المواد الاستهلاكية في السوق الوطنية.
وعبر عديد من المراقبين، عن قلقهم الشديد من تزايد ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية التي لها علاقة حيوية بالحياة اليومية للجزائريين، ويؤكد الجزائريون أن ما أقرته حكومة بلادهم مؤخرًا لا يتناسب مع قدراتهم الشرائية في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يمرون بها، وتشير تقارير وأرقام حكومية رسمية أن أسعار بعض السلع ارتفعت بنسب تتراوح بين 50 إلى 70%، في حين أن رواتب العمال بقيت مستقرة.
فضلاً عن ارتفاع الأسعار، سيُؤثر القرار سلبًا على معدلات التضخم التي بلغت 6% في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو رقم أكبر من توقعات الحكومة التي وضعتها عند بداية السنة الماضية التي لم تتعد 3.8%، والمنتظر أن تشهد مستويات قياسية لم تعرفها البلاد من قبل إذا استمر تداول أسعار العملات الصعبة في حدود المستوى نفسه، حسب آراء المختصين وخبراء الاقتصاد.
هذا الإجراء الحكومي والإجراءات التي سبقته، من شأنها أن تزيد من أزمة الجزائريين، خاصة أنه كان سببًا في تدهور القدرة الشرائية لهم وصعود مؤشرات التضخم وارتفاع أسعار بعض المواد الاستهلاكية والخدمات، بشكل لافت قد يؤدي إلى انفجار الوضع في البلاد ويزيد من الاحتقان الاجتماعي الذي تعرفه منذ سنوات.