بدأت السلطة الفلسطينية في التوجه نحو الخيارات الاقتصادية القوية التي تملكها بين يديها للتعامل مع الجانب الإسرائيلي والتصدي لتصعيده القائم، بعد الفشل طوال السنوات الـ22 ماضية، في تحقيق أي مكسب من طريق المفاوضات السياسية الشائك.
السلطة أطلقت تهديدًا مباشرًا بتنفيذ قرارات وتوصيات المجلس المركزي، والبدء بخطوات فك الارتباط الاقتصادي مع “إسرائيل”، والاستغناء عن عملة “الشيكل” وإعلان عودة الجنيه الفلسطيني للعمل والتداول بعد غياب استمر أكثر من 70 عامًا.
عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد أشتية صرح أن لجنة فلسطينية تشكلت مؤخرًا تدرس الانفكاك الفلسطيني من العملة الإسرائيلية “الشيكل”، ضمن خطوات إنهاء العلاقة مع سلطات الاحتلال، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا وقانونيًا، وذلك في إطار الخطة الإستراتيجية الوطنية التي جرى وضعها مؤخرًا.
ويضيف أشتية “عمل هذه اللجنة ينضوي في إطار أهداف اللجنة الأوسع نطاقًا التي تصيغ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني ضمن خطة عمل تنفيذية، عن تعليق الاعتراف بالكيان الإسرائيلي ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وفك الارتباط معه”. ويتابع حديثه “اللجنة تبحث الانفكاك من اتفاق باريس الاقتصادي عام 1994، وذلك عبر مقاطعة منتجات الاحتلال وعدم استخدام عملته الاقتصادية وتغيير النظام الضريبي وترسيخ العمق العربي، لا سيما مع الأردن”.
اشتيه: “الاقتصاد الفلسطيني يخسر مئات ملايين الدولارات من استخدام عملة بديلة، حيث يبلغ حجم تداول الشيكل في الأراضي الفلسطينية المحتلة نحو 23 مليار شيكل”
وبحسب أشتية فيندرج في هذا الإطار إيجاد بدائل للعملة الإسرائيلية، إما قد يكون اليورو أو الدولار الأمريكي أو بديل العملة الرقمية، علمًا بأن الدينار الأردني يعد أحد أكثر العملات تداولاً في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويوضح عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، أن “الاقتصاد الفلسطيني يخسر مئات ملايين الدولارات من استخدام عملة بديلة، حيث يبلغ حجم تداول الشيكل في الأراضي الفلسطينية المحتلة نحو 23 مليار شيكل”، مؤكدًا أهمية تعزيز المنتج الوطني ومقاطعة البضائع الإسرائيلية ودراسة البدائل.
وبدأت سلطة النقد الفلسطينية، ووزارتا المالية والاقتصاد، في الوقت الحاليّ بدراسة إمكانية إلغاء التعامل بالشيكل الإسرائيلي، وفقًا لما أكده عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، مفوض العلاقات الدولية بالحركة، نبيل شعث.
وأكد شعث أن “السلطة الفلسطينية ستبدأ بخطوات رسمية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وستشمل وقف التعامل وبشكل رسمي مع عملة الشيكل”.
يلفت مسؤول العلاقات الدولية في حركة فتح إلى أن هناك خيارات مفتوحة لعملات بديلة عن الشيكل الإسرائيلي، ومنها الدولار الأمريكي والدينار الأردني، وسيكون بديلًا جيدًا ومتفقًا عليه، ويتماشى مع القانون الفلسطيني الداخلي والبروتوكولات الدولية”
وقال شعث: “هناك أوامر رسمية وجهت من رأس الهرم في السلطة الفلسطينية إلى وزارتي المالية والاقتصاد، وكذلك سلطة النقد، لفتح هذا الملف ودراسته بشكل جدي، لاتخاذ الخطوات المناسبة”.
“نبحث وبصورة جدية طرق قطع العلاقات مع الجانب الإسرائيلي بشكل تدريجي، ضمن توصيات المجلس المركزي الفلسطيني، من الناحية السياسية والأمنية والاقتصادية، بعد إعطاء الفرصة الكافية للاحتلال، ولكن دون أي جدوى وفائدة”، يضيف شعث.
ويوضح أن الخطوة المقبلة هي وقف التعامل بالشيكل الإسرائيلي، وستكون هناك دراسة شاملة وكاملة من الوزارات المختصة، خاصة المالية والاقتصاد، عن أبعاد تلك الخطوة الاقتصادية، ومدى نجاحها في حال التعامل بها.
ويلفت مسؤول العلاقات الدولية في حركة فتح إلى أن هناك خيارات مفتوحة لعملات بديلة عن الشيكل الإسرائيلي، ومنها الدولار الأمريكي والدينار الأردني، وسيكون بديلًا جيدًا ومتفقًا عليه، ويتماشى مع القانون الفلسطيني الداخلي والبروتوكولات الدولية”.
عودة الجنيه الفلسطيني
وبحسب مسؤول في سلطة النقد الفلسطينية فإن “السلطة ستسعى إلى وضع الجنيه الفلسطيني على سلم أولويات التعامل خلال الفترة المقبلة، رغم صعوبة الأمر في الوقت الراهن في ظل العقبات والخلافات السياسية القائمة”.
وأضاف أن عودة الجنيه الفلسطيني للتداول كورقة نقدية فلسطينية رسمية أمر وارد، مستدركًا: “لكن ذلك يحتاج إلى جهود كبيرة على المستويين السياسي والمالي، خاصة أن العقبة الكبيرة في ذلك ستكون الاحتلال الذي سيواجه تلك الخطوة بكل قوة”.
وذكر أن قرار السلطة بإلغاء التعامل بالشيكل واستبداله بعملة مؤقتة كالدولار أو الدينار، حتى يتم توفير العملة الفلسطينية الخاصة، سيكون ضربة قوية وموجعة جدًا للاقتصاد الإسرائيلي الذي تتم معظم معاملاته التجارية مع السلطة الفلسطينية بـ”الشيكل”.
وكانت القيادة الفلسطينية السياسية أنذرت مرات عدة بوقف التعامل بالاتفاق الاقتصادي الموقع مع “إسرائيل”، المسمى “اتفاق باريس”؛ بسبب عدم تطبيق الجانب الإسرائيلي لما عليه من التزامات وردت في هذا الاتفاق، الذي ينظم العلاقة الاقتصادية بين الطرفين.
العملة الفلسطينية البديلة
وبحسب خبراء اقتصاديين؛ ففي حال قررت السلطة التعامل بعملة بديلة عن “الشيكل” فمن المرجح أن تكون عملة الدينار بصورة مؤقتة، نظرًا للعمق العربي لهذه العملة، بحكم أنها تابعة لدولة مجاورة هي الأردن التي يتشابه اقتصادها مع الاقتصاد الفلسطيني في كثير من المجالات، مستبعدين في الوقت ذاته أن يوافق الأردن على دفع ريع ومردود للسلطة من جراء استخدام عملته في فلسطين.
بدوره أكد الخبير الاقتصادي الدكتور مفيد منصور، في الضفة الغربية، أن “السلطة الفلسطينية قادرة على إلغاء التعامل بالشيكل الإسرائيلي، ولكن ذلك يحتاج إلى قرار رسمي من رئيس السلطة محمود عباس، والبعد عن لغة التهديد فقط”.
وقال منصور: “تنفيذ تلك الخطوة على أرض الواقع هو تمرد حقيقي من السلطة على اتفاق باريس الاقتصادي، والبدء بها رسميًا سيكون له نتائج إيجابية ولمصلحة الفلسطينيين، وسيصيب الاقتصاد الإسرائيلي بضربة موجعة، وستكون هناك خطوات عقابية من الاحتلال؛ لأنه المتحكم بالعملات الثلاثة الشيكل والدولار والدينار”.
وأوضح أن “الظروف الاقتصادية الصعبة في قطاع غزة والضفة الغربية على وجه الخصوص، وتحكم الاحتلال في كل الموارد المالية التابعة للسلطة، ومنعه لدخول العملات لقطاع غزة، إضافة لعدم وجود توافق سياسي مع السلطة، سيكون عقبة كبيرة تعيق استبدال الشيكل بأي عملة بديلة، ولكن هذه الخطوة قد تنجح في حال توفر القرار والدعم المالي”.
كان الجنيه الفلسطيني العملة الرسمية الشرعية في مناطق الانتداب البريطاني على فلسطين وإمارة شرق الأردن، ما بين عامي 1927-1948
وتابع: “نحتاج بعد الحصول على كل الدعم اللازم وتوفر الاحتياطات المالية للحماية من الانهيارات المالية، إلى بنك مركزي رسمي يصدر العملة المحلية بديلًا عن العملات المتداولة الثلاثة، والبدء بطرحها في السوق الفلسطينية، والتعامل بها في عمليات البيع والشراء، والبحث عن بديل عن “إسرائيل”، وإنهاء التبعية الاقتصادية للاحتلال”.
وبحسب الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، يتعامل الاحتلال مع الجانب الفلسطيني بعملة الشيكل عند الشراء منهم، ويرفض التعامل بالدولار، وهذا يشجع أكثر على الاستغناء عن تلك العملة، والبحث عن بديل، وتعاني فلسطين في الفترة الأخيرة، خاصةً قطاع غزة، من شحّ في العملات، وخاصة الدولار؛ نتيجة عدم وجود بنك مركزي فلسطيني، وتحكم “إسرائيل: في توريد العملات.
والجنيه الفلسطيني كان عملة قد صدرت عن مجلس فلسطين للنقد (Palestine Currency Board) الذي كان تابعًا لوزارة المستعمرات البريطانية، وكان الجنيه الفلسطيني العملة الرسمية الشرعية في مناطق الانتداب البريطاني على فلسطين وإمارة شرق الأردن، ما بين عامي 1927-1948، وكان يقسم إلى 1000 مل.
وحل الجنيه الفلسطيني محل الجنيه المصري الذي تم التعامل به في منطقتي فلسطين وشرق الأردن منذ احتلهما الجيش البريطاني من الدولة العثمانية في 1917، وحتى قرار السلطات البريطانية بإصدار عملة خاصة بهاتين المنطقتين في 1927.
كان الجنيه الفلسطيني يساوي الجنيه الإسترليني البريطاني بالضبط، حتى أطلق بعض الناس اسم “شيلينغ” على القطعة النقدية بقيمة 50 مل، إذ ساوت قيمته قيمة الشيلينغ البريطاني (ألغي تقسيم الجنيه الإسترليني إلى 20 شيلينغًا في 1971).