ترجمة وتحرير: نون بوست
في خريف عام 2023، وعندما كنتُ لا أزال أعاني من وفاة عمتي الحبيبة أنعام وأبناء عمي هاني ووفاء وهدى في غارة جوية إسرائيلية على حيهم في مدينة غزة، اتخذتُ قرارًا بمقاضاة إدارة بايدن بسبب تواطئها في الحملة العسكرية الإسرائيلية الوحشية على غزة.
وفي 26 كانون الثاني/يناير، وهو نفس اليوم الذي قضت فيه محكمة العدل الدولية بأن “إسرائيل” قد تكون مذنبة بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، أدليت بشهادتي في المحكمة [محكمة فيدرالية أمريكية] إلى جانب العديد من المدعين الأمريكيين والفلسطينيين الآخرين في غزة. وكان من بين المدعين المشاركين معي من منظمات حقوق الإنسان: الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين، ومؤسسة الحق، بالإضافة إلى أحمد أبو أرتيمة، والدكتور عمر النجار، وآخرين، وقد مثلنا مركز الحقوق الدستورية.
وبعد خمسة أيام من شهادتي، وجد رئيس المحكمة القاضي جيفري وايت، الذي عُيّن في عهد جورج دبليو بوش، أنه من المعقول أن “إسرائيل” ترتكب إبادة جماعية؛ ولكنه قرر في النهاية أنه لا يملك سلطة مراجعة قرارات السياسة الخارجية، واصفًا ذلك بأنه أصعب قرار قضائي اتخذه على الإطلاق.
وكتب في قراره: “من واجب كل فرد مواجهة الحصار الحالي في غزة، ولكن من واجب هذه المحكمة أيضًا أن تبقى ضمن حدود نطاق اختصاصها القضائي. هناك قضايا نادرة تكون المحكمة فيها فير قادرة على الوصول إلى النتيجة المفضلة، وهذه واحدة من تلك القضايا”.
ورغم علمي بأن القضية ستكون معركة شاقة، إلا أنني أدليتُ بشهادتي لتسجيل المذبحة المروعة التي ارتكبتها “إسرائيل” بحق عائلتي، وتشريد وتجريد من بقي من أفرادها وتجويعهم، وتدمير بلدتي وكل ما يديم الحياة فيها بشكل متعمد، والتطهير العرقي الذي يستهدف شعبي.
تواصل إدارة بايدن القول بأنها ليست مسؤولة عن أي ضرر يلحق بالمدنيين الأبرياء في غزة وأن “إسرائيل” لا ترتكب إبادة جماعية في غزة.
لقد أدليتُ بشهادتي لأنني وعدتُ أفراد عائلتي الباقين على قيد الحياة في غزة – وجميعهم يعانون من ظروف لا توصف – بأنني سأبذل كل ما في وسعي للدفاع عنهم، ولأن هذا من حقي بل من واجبي الأخلاقي، كإنسانة، وكأمريكية، وكفلسطينية مقيمة في بلد يساعد ويحرض على الإبادة الجماعية.
وخلال جلسة الاستماع؛ منحني القاضي وايت أنا وغيري فرصة الإدلاء بشهادتنا بشكل متواصل دون انقطاع؛ وأبطل كل اعتراض من قبل الدفاع على شهادة الخبير الشهير في الإبادة الجماعية والهولوكوست باري تراختنبرغ، مؤكدًا أن أفعال “إسرائيل” في غزة ترقى إلى جريمة الإبادة الجماعية.
وبينما كان يختتم المحاكمة، نظر في وجه كل واحد منا وقال لنا إننا رأينا وسمعنا؛ وهو تأكيد حاسم من قبل شخصية حكومية في وقت كان الرئيس بايدن ينكر موتنا ومعاناتنا، ويساعد في خلق الموافقة على ما يحدث من خلال ترديد معلومات إسرائيلية مضللة وتحريضية ومفضوحة ومكشوفة، ويعطي الضوء الأخضر للإبادة الجماعية.
وبينما تتجه القضية إلى الاستئناف؛ فإنها تظل مهمة وتاريخية لعدة أسباب، أولًا وقبل كل شيء، هذه هي المرة الأولى التي يُكتشف فيها أن رئيسًا أمريكيًا في منصبه يقدم الدعم لما أسماه القاضي وايت “قضية إبادة جماعية معقولة” وحصارًا عسكريًا “يهدف إلى القضاء على شعب بأكمله”. وفي حكمه؛ ناشد القاضي وايت المتهمين – الرئيس بايدن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن – فحص نتائج “دعمهم الثابت” وتداعياته على حقوق الإنسان.
وتمثل هذه القضية أيضًا المرة الأولى التي تستمع فيها محكمة أمريكية إلى شهادة مستفيضة ”غير مطعون فيها“ (على حد تعبير المحكمة) من قبل الفلسطينيين حول النكبة؛ المصطلح الذي يستخدمه الفلسطينيون لوصف تهجيرهم القسري من وطنهم إبان قيام “إسرائيل” سنة 1948، وحول ما نشير إليه بالنكبة المستمرة في غزة.
من جانبها؛ تواصل إدارة بايدن القول بأن المحاكم الفيدرالية ليس لديها سلطة قضائية لمراجعة مسائل السياسة الخارجية، كما تواصل الإصرار على أنها ليست مسؤولة عن أي ضرر يلحق بالمدنيين الأبرياء في غزة وأن “إسرائيل” لا ترتكب إبادة جماعية في غزة.
محكمة الاستئناف ملزمة دستوريًا بالاستماع إلى ادعائي بأن كبار المسؤولين الأمريكيين فشلوا في منع – بل وتواطؤوا في – الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة في غزة
وبدلًا من ذلك؛ استمرت الإدارة الأمريكية في تسليح وتمويل الجيش الإسرائيلي (تجاوزت كمية القنابل التي ألقيت على غزة الآن الكمية التي ألقيت على دريسدن ولندن ومدن أخرى خلال الحرب العالمية الثانية، حسب بعض التقديرات)، وأصرت على تقديم الدعم الدبلوماسي والسياسي الثابت من خلال استخدام حق النقض ضد قرارات الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار، ووصفت طلبات المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرة اعتقال بحق القادة الإسرائيليين بأنها “مشينة”، من بين أمور أخرى، كل ذلك في الوقت الذي ارتكبت فيه “إسرائيل” جرائم حرب خطيرة.
وقد استمرت في ذلك حتى عندما انتهكت “إسرائيل” بشكل صارخ الشروط النادرة التي حاولت الإدارة الأمريكية فرضها على العدوان الإسرائيلي، ففي منتصف أيار/مايو، مضى بايدن قدمًا في صفقة بيع أسلحة بقيمة مليار دولار لـ”إسرائيل” حتى بعد أن قال هو نفسه إن “إسرائيل” متورطة في “القصف العشوائي” وأن الأسلحة الأمريكية استخدمت لقتل المدنيين في غزة، وهو اعتراف دامغ بالذنب إن كان هناك اعتراف بالذنب.
وبصفتنا مواطنين عاديين، نتساءل كيف يمكننا محاسبة الأنظمة التي سمحت بحدوث ذلك إذا كانت خارج نطاق الرقابة القضائية؟
وبصفتي فلسطينية، فإني أكافح للموازنة بين الاشمئزاز والعجز الذي أشعر به وأنا أعلم أن أموال الضرائب التي أدفعها تُستخدم لقتل أفراد عائلتي في غزة، وبين إصراري على بذل كل ما في وسعي للمطالبة بوضع حد لتواطؤ هذه الإدارة في الإبادة الجماعية.
إن محكمة الاستئناف ملزمة دستوريًا بالاستماع إلى ادعائي بأن كبار المسؤولين الأمريكيين فشلوا في منع – بل وتواطؤوا في – الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة في غزة والتدمير المتعمد الأكثر توثيقًا لمجتمع ما في التاريخ الحديث.
إنني أحثهم على أن يدركوا أن خرق القانون – والمساعدة والتحريض على الإبادة الجماعية – لا يمكن، ولا ينبغي أبدًا، أن يكون مجرد مسألة سياسية.
المصدر: ذا نيشن