ترجمة وتحرير: نون بوست
أصبحت هولندا بمثابة “نوع من السوبر ماركت بالنسبة للبلدان التي ترغب في تطوير وصنع أسلحة الدمار الشامل”. كانت هذه عبارات التحذير الواضحة، التي لا تحمل أي لبس في طياتها، والتي أدلى بها رئيس الاستخبارات العسكرية في هولندا، أونو إيشلشيم، في مقابلة أجريت معه مؤخرا. وعلى هذا النحو، تبين أن بلدانا مثل إيران، وكوريا الشمالية، وباكستان، وليبيا قد استخدموا خلال السنوات الأخيرة التكنولوجيا، والمواد (المعادن والمواد الكيميائية)، والخبرات الهولندية في هذا المجال، من أجل تطوير أسلحة دمار شامل وصواريخ بعيدة المدى.
في واقع الأمر، تبدو السلطات الهولندية على بينة بما يحدث، إلا أن الشركات والمؤسسات الهولندية المتورطة في هذه القضية ليست “واعية تماما” بهذه المعطيات. فعلى الأرجح، لا تعي هذه الجهات أن منتجاتها وخبراتها تساهم في صناعة الأسلحة المحظورة، التي يتمثل هدفها الوحيد في الإطاحة بعدد مهول من الضحايا وبشكل فوري، فضلا عن إلحاق أضرار مادية أخرى لا يمكن تفاديها.
في هذا السياق، أورد إيشلشيم أن “هذه الجهات لا تبحث عن المنتجات الأغلى أو ذات الجودة الأعلى على الإطلاق. ونتيجة لذلك، تفطنت السلطات الهولندية إلى ما يحدث. في حقيقة الأمر، تشتري هذه البلدان منتجات تبدو في ظاهرها منخفضة الثمن، ودون أهمية، إلا أنها تعد مقاومة للحرارة، على غرار الدحرجة الميكانيكية. وقد تم التأكد من أن هذه المنتجات استعملت بالفعل في صنع إحدى الصواريخ الباليستية الإيرانية”.
أجهزة الاستخبارات الهولندية خلال السنوات الأخيرة، العديد من المحاولات لجمع معلومات وشراء معدات مخصصة لأغراض مشبوهة
من جهة أخرى، اكتشفت أجهزة الاستخبارات الهولندية خلال السنوات الأخيرة، العديد من المحاولات لجمع معلومات وشراء معدات مخصصة لأغراض مشبوهة. وتجدر الإشارة إلى أن هولندا تملك “وزنا وقيمة تكنولوجية” لا نظير لها، لا تتسم بها أي دولة أخرى. أما المنتجات التي قامت هذه الدول بتجميعها، فيمكن العثور عليها حتى في المصانع والشركات الصغيرة في هذه البلاد. ووقع الحصول على الخبرات والمعطيات اللازمة بفضل الجامعات أو مؤسسات على غرار “المنظمة المختصة في البحث العلمي التطبيقي”، الموجودة في لاهاي.
في هذا الصدد، أورد سيكو فان دير مير، الخبير في انتشار الأسلحة النووية وبرامجها، أن “هولندا ليست “حالة خاصة” لأن أي بلد صناعي يملك تكنولوجيا عالية الجودة، يمكن أن يكون ضحية لهذه البلدان دون أن يتفطن إلى ذلك”. ويتمثل هدف جهاز الاستخبارات العسكرية في هولندا في “تحذير وتوعية” المؤسسات الهولندية من “هذه الممارسات” التي تتعرض لها بلادهم. وأضاف الخبير، في حواره مع صحيفة الكونفدنسيال، أن “على المؤسسات مراقبة هذه المسألة والحذر منها، لأنه لا يجب أن نكون مشاركين في صنع الأسلحة المحظورة. وفي جميع الأحوال، تراقب أجهزة استخباراتنا عن كثب تحركات هذه البلدان المذكورة، كما تعلم أن وجود هذه الجهات أخذ يتزايد على الأراضي الهولندية، وبأشكال مختلفة”.
في الأثناء، أفاد الخبير سيكو فان دير مير أن “إيشلشيم اعترف بشكل علني بهذه المشكلة لأنها خطيرة وحقيقة بالفعل”. ووفقا لفان دير مير، فإنه وعلى الرغم من مجهودات هذه البلدان من أجل إخفاء تحركاتها، إلا أنه توجد مؤشرات من شأنها أن تكشف حقيقة المجال النهائي الذي استخدمت في إطاره هذه المنتجات التي تم اقتناؤها من هولندا، وهو الحال بالنسبة للمنتجات المقاومة للحرارة، أو القطع الصغيرة، وغيرها من الأدوات.
وأضاف الخبير أنه “في حال لاحظنا أن أحد الزبائن يرغب في دفع مليون يورو مقابل مواد كيميائية يمكن الحصول عليها بنصف المبلغ من السوق الأوروبية، فمن المؤكد أن هناك أمرا غريبا في القصة”. وبالنسبة لرئيس جهاز الاستخبارات العسكرية في هولندا، يعتبر خطر انتشار الأسلحة في هذه البلدان في “نمو” بسبب العولمة، وانفتاح الحدود، والرقمنة. كما فسر ذلك على أن “بعض البلدان ترغب” في الظفر بأسلحة الدمار الشامل، وصواريخ باليستية، وستحاول الحصول عليها مهما كلف الثمن.
أكد جهاز الاستخبارات العسكرية في هولندا أن “الشركات الصغيرة والمتوسطة، تعد الأكثر هشاشة في هذا السياق، نظرا لأنها أقل وعيا بالمشكلة في حين أنها تراقب بشكل أقل وجهة ومصير منتجاتها”. ومن جهته، أشار سيكو فان دير مير إلى أنه “في غالبية الأحيان، تكون هذه المنتجات عبارة عن قطع بسيطة للغاية، ومنخفضة الثمن، لكن، ذات جودة عالية، حيث يصعب العثور عليها في تلك البلدان. علاوة على ذلك، تهتم هذه البلدان بتطوير طائرات من دون طيار، في ظل الحرص على اقتناء هذه الوسائل”.
بناء على ذلك، طلب أونو إيشلشيم من الشركات الهولندية أن تلتزم الحذر، وأن تتواصل مع السلطات في حال تفطنت إلى عمليات مشبوه فيها، على غرار عنوان تسليم أو رقم هاتف غريب، ما يمكن أن يحيل إلى وصول منتجاتهم إلى أيدي جهات إرهابية. وفي هذه الحالة، يمكن الحديث عن المواد الكيميائية المخصصة لصنع الأسلحة النووية، والغازات السامة، والأسلحة البيولوجية (على غرار السموم وبكتيريا الجمرة الخبيثة).
حسب جهاز الاستخبارات العسكرية في هولندا، غالبا ما تتوارى هذه الدول، وخاصة كل من إيران وكوريا الشمالية، فضلا عن الجماعات الإرهابية وراء وسيط أو وكيل”
غالبا ما تستخدم البلدان والمنظمات التي تقوم باقتناء هذه المواد من هولندا أو أي بلد أوروبي آخر، طرق نقل معقدة مع توظيف العديد من الوسطاء، وأسماء شركات مزيفة إلى جانب اختراع أسماء المستفيدين النهائيين من هذه السلع، فضلا عن تزوير مستندات النقل. ووفقا لما ذكرته أجهزة الاستخبارات الهولندية، تلجأ هذه الجهات إلى هذه الطرق بهدف إخفاء هويتها الحقيقية.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل هذه المنظمات والبلدان من خلال شبكة الإنترنت، وذلك سواء لشراء أو طلب وسائل النقل من الوكالات المتخصصة. وفي هذا السياق، صرح الخبير فان دير مير قائلا:” أود أن تتبنى معظم هذه الشركات استراتيجيات إيجابية وألا تقوم ببيع بضائعها لمثل هذه الجهات وأن تأخذ أيضا بعين الاعتبار أنه سيتم استخدامها لأغراض خطيرة جدا. في المقابل، وفي ظل العروض المالية المغرية، تعجز بعض الشركات عن المقاومة في حين توافق على بيع هذه المواد. في الواقع، تعتبر مثل هذه الشركات الهولندية، ببساطة، أن استخدامها سيكون من مسؤولية الطرف الآخر. وعلى هذا النحو، ستكون السيطرة على الوضع أمرا صعبا”.
صاروخ من طراز شاهين – 3 خلال موكب استعراضي في العيد الوطني الباكستاني في إسلام آباد
كل سنة، تطلب الأجهزة السرية من وزارة الأمن وقف عشرات تراخيص التصدير لفائدة الأفراد والشركات، وذلك للاشتباه في وجهة البضائع التي يحصلون عليها من هولندا. وحسب جهاز الاستخبارات العسكرية في هولندا، غالبا ما تتوارى هذه الدول، وخاصة كل من إيران وكوريا الشمالية، فضلا عن الجماعات الإرهابية وراء وسيط أو وكيل”.
بالنسبة لسرقة الخبرات والبحوث في هذا المجال، فيزور العلماء والطلاب من الدول المهتمة بهذه المسألة بانتظام الجامعات ومعاهد البحوث الهولندية، علما وأن هذه الممارسة تتكرر باستمرار ولا تحمل في طياتها أي ضرر في الظاهر
في الأثناء، يمكن أن يكون هذا الوسيط عبارة على شركة صيدلة تحاول الحصول على منتجات كيميائية أو وسيطا يسعى إلى شراء طائرات من دون طيار للإمارات، التي هي موجهة في الحقيقة نحو تنظيم الدولة الإرهابي في العراق أو سوريا. وفي هذا الصدد، أكد الخبير، سيكو فان دير مير أن “الجهود الرامية إلى السيطرة على هذه التجارة يجب أن تركز على ضمان عدم تحول هذه المواد إلى أسلحة دمار شامل ويكون ذلك عن طريق تسليط رقابة أكبر على الصادرات، إلى جانب فرض غرامات مالية على الشركات التي تبيع هذه المواد إلى مستفيدين مشبوهين”. وعلى الرغم من أن 90 بالمائة من التجارة مع هذه الدول لها أهداف سلمية، لكن ذلك لا ينفي ضرورة الحفاظ على قائمة مرجعية.
أما بالنسبة لسرقة الخبرات والبحوث في هذا المجال، فيزور العلماء والطلاب من الدول المهتمة بهذه المسألة بانتظام الجامعات ومعاهد البحوث الهولندية، علما وأن هذه الممارسة تتكرر باستمرار ولا تحمل في طياتها أي ضرر في الظاهر. في المقابل، تمكن هذه الزيارات بعض الأشخاص في العديد من الحالات من تعلم أحدث التقنيات التي طورها العلماء الهولنديون للمساعدة في تصنيع أسلحة محظورة في بلدانهم الأصلية.
على ضوء هذه المعطيات، حذر فان دير مير من أن “الاطلاع على البحوث وآخر المستجدات يعد قطعة أخرى من اللغز. وفي حين لا يمكن شراء المعرفة، يمكن التسلل إليها عبر الجامعات وشركات التكنولوجيا المتطورة. إلى جانب ذلك، سيكون من غير الممكن منع الطلاب الوافدين من هذه البلدان من القدوم على خلفية التشكيك في نواياهم. وبالتالي، يكمن الحل الوحيد في مثل هذا الوضع في التسلح باليقظة تجاه الطلبة والموظفين الذين يظهرون اهتمامهم الخاص ببحوث وتقنيات معينة”.
اعترفت هولندا بأن إيران والعراق وليبيا وباكستان على وجه الخصوص، الأكثر نشاطا على الأراضي الهولندية بحثا عن المواد والخبرات
عموما، وقعت هولندا على جميع المعاهدات الدولية لمنع انتشار هذا النوع من الأسلحة، الأمر الذي أجبرها على تركيز جهودها على منع البلدان الأخرى من تصنيعها. ومنذ منذ بضعة أشهر، أوضحت أجهزة الاستخبارات الهولندية أنها بصدد إجراء العديد من الأبحاث للكشف عن محاولات الحصول على مواد هولندية، لأغراض تحظرها السلطات في البلاد. وذلك بهدف الدفاع عن الأمن الدولي، وحماية سمعة مجتمع الأعمال الهولندي ومؤسساته العلمية.
علاوة على ذلك، اعترفت هولندا بأن إيران والعراق وليبيا وباكستان على وجه الخصوص، الأكثر نشاطا على الأراضي الهولندية بحثا عن المواد والخبرات. لكن ذلك لا ينفي أن هذه البلدان نشطة أيضا في بلدان صناعية أخرى. وفي نهاية المطاف، شدد سيكو فان دير مير على أن “هذه القضية تكتسي أهمية قصوى بالنسبة للكثير من دول العالم التي تتمتع بتكنولوجيا عالية. وبالتالي، يتعين عليها التزام الحذر حتى تنأى بنفسها عن المحاولات غير المشروعة لصنع أسلحة الدمار الشامل. حقيقة، إنها تعتبر مسؤولية الجميع”.
المصدر: الكونفدنسيال