ترجمة وتحرير: نون بوست
يوم السبت الماضي، أحيى الروس عيد الوحدة الشعبية. ووفقا للسلطات الروسية، شارك أكثر من نصف مليون روسي في الاحتفالات، التي نظمت بمناسبة هذا العيد الوطني في كامل أنحاء روسيا. ومن بين أهم التظاهرات التي نظمت على هامش هذا العيد الوطني، التظاهرة التي نظمتها مجموعة من النساء المتقاعدات في مدينة بودولسك. في الأثناء، ارتدت هؤلاء النسوة سترات مبطنة في حين وضعن حول رقابهن أوشحة بألوان علم روسيا مرددات أناشيد وطنية سوفياتية معروضة على شاشة عملاقة.
في الأثناء، تراوح برنامج الاحتفالات بعيد الوحدة الوطنية الشعبية الروسية بين التراث السوفيتي والروسي، على غرار الاحتفالات بذكرى ثورة تشرين الأول/أكتوبر الكبرى. في هذا اليوم، خرج مختلف أطياف الشعب الروسي من موظفين ومدرسين إلى الشوارع. وعند منتصف النهار، اجتمع المتظاهرون في الميدان الأحمر بمدينة موسكو، في حين كانت الثلوج تغطي المكان على مشارف نهر موسكفا.
آلاف المتظاهرين ينادون بمقاطعة الانتخابات الرئاسية
قبل أسبوع، برهن السياسي المعارض الروسي، أليكسي نافالني، على مدى قدرته على حشد أنصار له، حيث شارك الآلاف من المواطنين في الاحتجاجات الداعية إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستنعقد في غضون ستة أسابيع. في المقابل، كشف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أنه يحظى بدعم الشارع الروسي حتى يبقى في الحكم.
من خلال الانتخابات التي ستعقد بتاريخ 18 من آذار/مارس، يسعى بوتين إلى الفوز بولاية رابعة. ومن اللافت للنظر أن بوتين قضى، باحتساب الفترة التي تقلد فيها منصب رئيس الوزراء، أطول فترة في الحكم، متفوقا بذلك على رئيس الاتحاد السوفياتي الأسبق، ليونيد بريجنيف.
في الواقع، لا يعتبر السياسي المعارض، أليكسي نافالني، أكبر عائق في وجه طموحات بوتين السياسية، خاصة وأن القضاء الروسي تكفل بإزاحة هذا المعارض من السباق الرئاسي. علاوة على ذلك، لن يتمكن بقية المترشحين للاستحقاق الرئاسي من حصد أكثر من 9 بالمائة من الأصوات. وفي الأثناء، لا يعرف الناخب الروسي سوى بعض الوجوه السياسية على غرار رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، فلاديمير جيرينوفسكي، الذي ليس لديه أي ثقل انتخابي، على الرغم من أنه ما فتئ يردد شعارات شعبوية طيلة عقدين. بالإضافة إلى جيرينوفسكي، نجد كسينيا سوبتشاك، الإعلامية الروسية الشهيرة وابنة عمدة مدينة سان بطرسبورغ الراحل، أناتولي سوبتشاك.
من جهته، عمد الحزب الشيوعي إلى ترشيح وجه مستقل للمنافسة على منصب رئيس للبلاد، ألا وهو مدير مزرعة “سفوخوز لينين” بافيل غرودينين، الذي يدير هذه المزرعة وفق القوانين الرأسمالية. أما رئيس حزب “يابلوكا” الليبرالي، غريغوري يافلينسكي، فلا يملك أي حظوظ للظفر بكرسي الرئاسة.
من هذا المنطلق، يبدو أن أكبر مشاكل بوتين هو بوتين نفسه نظرا لأنه لم يحقق أي إنجازات تذكر، حيث يشهد الاقتصاد الروسي حالة ركود، أما الأجور الحقيقية فتشهد تراجعا منذ سنوات. من جهة أخرى، تشير الاحصائيات الرسمية إلى أن عددا كبيرا من المواطنين الروس يعانون من الفقر. فضلا عن ذلك، يفتقر الرئيس الروسي لنظرة مستقبلية، في حين أن أغلب وعوده الانتخابية تعد بالية.
خلال حملاته الانتخابية السابقة، تضمنت البرامج الانتخابية لبوتين جملة من الوعود على غرار توفير أجور ومعاشات تقاعدية جيدة وتحسين خدمات الرعاية الصحية، إلى جانب التخلص من التبعية في قطاع النفط والغاز. في هذا السياق، علينا أن نطرح التساؤل التالي، لماذا يقدم الرئيس الروسي الوعود الانتخابية ذاتها، التي فشل في تحقيقها طيلة 18 سنة؟
بوتين، لا يزال يتمتع بشعبية
يحظى بوتين بشعبية واسعة نظرا لنجاحه في ضم القرم للاتحاد الروسي وانتصاره على الولايات المتحدة الأمريكية. خلال الاستحقاق الانتخابي القادم، تبلغ إمكانية فوز بوتين بولاية جديدة نسبة 80 بالمائة. ولسائل أن يسأل، ما جدوى التوجه إلى صناديق الاقتراع إذا كانت نتائج الانتخابات الرئاسية محسومة لفائدة بوتين؟
في الحقيقة، يخشى معظم المراقبين عزوف الناخب الروسي عن الإدلاء بصوته. وبالتالي، عمل هؤلاء الخبراء طيلة أشهر على البحث عن السبل الكفيلة بتحفيز المواطنين الروس على الذهاب إلى مكاتب الاقتراع. في نهاية المطاف، اتفق الخبراء على بعث تظاهرات على غرار التي نظمت في أواخر الأسبوع الماضي تحت شعار “روسيا في قلبي”.
روسيا لن تستسلم
تضمن برنامج تظاهرة “روسيا في قلبي”، التي استمرت لساعة كاملة، العديد من المحاور على غرار الوحدة والوقوف في وجه الأعداء. في الأثناء، تطرق منظمو التظاهرة إلى أبرز الأحداث في التاريخ الروسي انطلاقا من الانتصار في معركة ستالينغراد منذ 75 سنة وصولا إلى الاستبعاد من الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغ يانغ. حيال هذا الشأن، صرح أحد القائمين على التظاهرة أنه “تم استبعاد الرياضيين الروس من المشاركة في الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغ يانغ نظرا لما يتمتعون به من مواهب تؤهلهم للفوز بالعديد من الميداليات. لكننا لن نستسلم”. وأردف المصدر ذاته أن “الجماهير الروسية تصطف خلف الرياضيين الروس. في الأثناء، قررنا ترديد نشيدنا الوطني بشكل جماعي نظرا لأن علم روسيا لن يرفع في سماء بيونغ يانغ”.
من جانب آخر، تطرقت هذه التظاهرة إلى مسائل أخرى على غرار العقوبات والظلم ووقوف كل الدول في وجه روسيا. في هذا الصدد، أخبرنا صاحب شركة لصنع الأجبان، عما حققه من نجاح في مجال صناعة الأجبان بعد أن قرر بوتين حظر جبن البارميزان الإيطالي في الأسواق الروسية. وأردف المصدر ذاته، قائلا: “تمكنا من تجاوز العقوبات وعداء كل دول العالم لنا بعد أن وحدنا جهودنا من أجل وطننا“. في الوقت نفسه، تطرق منظمو التظاهرة إلى مسألة الحرب السورية. وقد مثل هذا الأمر محور اهتمام الإعلامي الروسي في التلفزيون الحكومي، إيفيغيني بودوبني، الذي تبجح في العديد من المناسبات بنجاح روسيا في تخليص العالم من الإرهاب.
على ضوء هذه المعطيات، يبدو أن هذه التظاهرة لم تخرج عن دائرة القضايا التي يهتم بها الإعلام الروسي. في المقابل، لم تثر هذه المواضيع اهتمام العديد من المشاركين في التظاهرة. وقد تجلى ذلك من خلال موقف أحد الشبان الحاضرين، الذي تساءل بعد 20 دقيقة من انطلاق التظاهرة عن وقت قدوم الحافلة. من جهتها، قالت قائدة إحدى المجموعات: “نريد الاستماع إلى غاسمانوف”. في نهاية التظاهرة، ظهر مغني البوب الروسي، أليغ غاسمانوف، ليردد أغاني تدعو إلى انتخاب بوتين.
المصدر: زود دويتشه تسايتونغ