كاميرات المراقبة على مدار الساعة، مع التنصت على جميع المكالمات الصوتية لمدينة جنين وضواحيها، مع قوات النخبة في جفعاتي واليمان في الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك عملاء الأرض، والتنسيق الأمني… كل ذلك لم يمنع أحمد جرار الذي استشهد اليوم في السادس من فبراير بعد 27 يوماً من العملية البطولية التي نفذها مع خلية جنين أن يكون صاحب أطول عملية مطاردة منذ عملية السور الواقي 2004، كما وصفته الصحيفة العبرية يديعوت أحرنوت.
للمرة الرابعة اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي بيتاً مهجوراً الساعة الرابعة فجراً في بلدة اليامون شمال غرب جنين، بعد ورود معلومات دقيقة عن تواجد أحمد في مكان خال، وحسب مصادر لـ”نون بوست” فإن هجوم قوات اليمان الإسرائيلية المفاجئ جاء بعد معلومات دقيقة عن تواجد أحمد في المكان، فتم قصف البيت بصاروخ، واطلاق النار مباشرة على أحمد فور خروجه مشتبكاً مع القوات الخاصة.
الشاب الوسيم يعود للواجهة الثورية
أحمد جرار 22 عاماً، الشاب الجميل، ذو العيون الزرقاء والابتسامة الجميلة، مواصفات النجوم والمشاهير تماماً، ونوع آخر من المقاتلين الجدد الذين يخشاهم الاحتلال الإسرائيلي، بعد المقاتلين الذين وصفتهم “إسرائيل” بـ”الذئاب المنفردة”، ليأتي أحمد جرار بطوره الثاني من البطولة، فيصبح أسطورة بعمر الورد.
يعود مصطلح “الأسطورة” من جنين لذاكرة الفلسطينيين بالمهندس الشهيد يحيى عياش والذي استشهد في السادس من يناير 1996، وسمته “إسرائيل” بـ”الأسطورة”، أو “النمر الأسود” كما يحلو للفلسطينيين ذكره، حيث تحسب “إسرائيل” لهذا المصطلح حساباً عسيراً، فقد قال الصحافي الإسرائيلي جال بيرغر: “يبدو أن أحمد جرار اختار المواجهة، فالبرق لا يضرب مرتين، ورويداً رويداً يتحول لأسطورة”.
والدة الشهيد أحمد جرار ودعته وهي لم تر جثته المحتجزة عند الاحتلال الإسرائيلي قائلة: “هذا ابن فلسطين كل فلسطين مش ابني بس”.
"مصحفه هدية من أبوه قبل استشهاده"..والدة الشهيد #أحمد_جرار "ابني برفع الراس وهز الكيان".. pic.twitter.com/3yxq451EHk
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) February 6, 2018
إلى ذلك، قال عدنان أبو عامر الخبير في الشأن الإسرائيلي إلى أن “حالة أحمد الجديدة في طول المدة التي قضاها دون أن يكشف أمره من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتنقله من بيت لآخر، ومن حي لآخر، يثبت أننا أمام بيئة شعبية حاضنة في الضفة الغربية؛ لم تنجح معها محاولات الترويض والتدجين”.
وقال أبو عامر لـ نون بوست لـ نون بوست: “لقد استنفر أحمد كل أجهزة إسرائيل الإعلامية والأمنية وجيش النخبة، قرابة الشهر، وقد بدا واضحاً حجم الشماتة في مقتله”.
أما مسؤول الملف السياسي في حركة حماس القيادي موسى أبو مرزوق قال معلقاً على استشهاد جرار “الحالة الشعبية الممتنعة عن تصديق خبر استشهاد البطل أحمد جرار هي استفتاء على رغبة الشعب في استمرار واحتضان نهج المقاومة ورفع رموزها، ورفض أي خيانة بتنسيق أمني مجرم، وللاحتلال نقول أن الحساب لن يغلق حتى تسترد الحقوق ويعود الشعب لوطنه، أحمد ونصر جرّار رمز للمقاومة، وعنوان البطولة”.
https://twitter.com/mosa_abumarzook/status/960832489408233472
الفصائل ترفض التنسيق الأمني.. والاحتلال في انتظار عمليات جديدة
جميع الفصائل الفلسطينية نعت الشهيد أحمد جرار، بما فيها كتائب القسام التي تبنته كأحد أعضائها رسمياً، وتبنت المسؤولية الكاملة عن عملية نابلس في 10-1-2018، قائلة في بيانها بأن ” أحمد دوّخ جيشاً بأكمله، وبات أنموذجاً يحتذى لكل الأحرار في مقارعة الاحتلال وتبديد أسطورته الكاذبة بأنه لا يهزم، الباب مفتوح على مصراعيه أمام أبطال شعبنا يسددوا للعدو المزيد من الضربات المؤلمة”، في رسالة مفتوحة تظهر نية حماس تصعيد العمل العسكري في الضفة الغربية بأي شكل من الأشكال.
أحمد أصبح أيقونة للثائرين الذين ما يزالون في شرانقهم قبل الطيران
من ناحية مشابهة قالت النائب في المجلس التشريعي عن حركة فتح والمعارضة لنهج التنسيق الأمني نجاة أبو بكر إن “أحمد جرار هو شهيد فلسطين وعلى الشرفاء في الأجهزة الأمنية أن ينضموا إلى شعبهم، وعلى المنظومة السياسة إما أن تتغير وتنضم لشعبها أو ترحل”.
وأضافت النائب أبو بكر: “السلطة مطالبة اليوم بفك الارتباط مع الاحتلال وإنهاء التنسيق الأمني، وتشكيل مجلس إنقاذ وطني من الداخل والخارج، وحل كل المسميات التي لم تجلب لشعبنا سوى الخسائر”.
وفي سياق متصل علق أحد ضباط جهاز الشاباك لإذاعة الجيش الإسرائيلي قائلاً: “صحيح أننا أغلقنا الحساب مع أحمد جرار، لكن هناك الكثير من الأفراد الذين يحملون فكرة من الخلايا النائمة، ستتواصل جهودنا لمنع القيام بعمليات في الضفة، ولولا المعلومات التي قدمها الجانب الفلسطيني لنا ما استطعنا مطلقاً الوصول لجرار”.
حقيقة الأمر الذي لا مفر منه أن أحمد قُتل برصاص الاحتلال بعد 27 يوماً من المطاردة استنفذ فيها كل قوى الكيان الإسرائيلي، لكن أحمد أصبح أيقونة للثائرين الذين ما يزالون في شرانقهم قبل الطيران.