ترجمة وتحرير: نون بوست
قبل 15 سنة من الآن وفي مثل هذا الأسبوع، ألقى كولن باول، الذي كان وقتها وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، خطابا أمام الأمم المتحدة محرضا على شن حرب استباقية ضد العراق. وبصفتي رئيس الأركان آنذاك، ساعدت وزير الخارجية كولن باول على رسم صورة واضحة للوضع تفيد بأن الحرب تعد الخيار الوحيد، كما أنه وعندما “نواجه نظاما يتسم بطموحات الهيمنة الإقليمية، ويخفي أسلحة دمار شامل، ويوفر ملاذا ودعما نشطا للإرهابيين، فإننا لا نواجه الماضي، بل الحاضر. وفي حال لم نتصرف، فسنواجه مستقبلا أكثر رعبا”.
عقب عرض السيد باول في ذلك اليوم البارد، أعدت النظر فيما قمنا به. اعتقدت للوهلة الأولى أن كل جهودنا ذهبت أدراج الرياح، فعلى الرغم من محاولات باول الحثيثة في الصدد، لم نحظى بتأييد دولي كبير. في المقابل، أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت في وقت لاحق من ذلك اليوم وفي الأسبوع الموالي، أن باول قد أقنع العديد من الأمريكيين. في الواقع، لقد كنت أدرك السبب الذي من أجله تم اختيار كولن باول من أجل تقديم هذا العرض المنادي بشن حرب ضد العراق في المقام الأول، حيث يرتبط ذلك بموقفه المساند للشعب الأمريكي، الذي كان الأكثر صلابة مقارنة ببقية أعضاء إدارة بوش.
عموما، كان الرئيس جورج بوش يعتزم شن الحرب ضد العراق، بغض النظر عن عرض باول في الأمم المتحدة، أو فشله في إقناع الآخرين به. بيد أن جاذبية الوزير كانت جزءا هاما ضمن الجهود التي بذلتها إدارة بوش لمدة سنتين للحصول على دعم الأمريكيين لشن هذه الحرب. في نهاية المطاف، أثمرت تلك المساعي، ووقع شن حرب ضد العراق، أسفرت عن سقوط خسائر فادحة في المنطقة وفي صفوف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، كما ساهمت في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط بأسره.
ستكون الحرب ضد إيران، الدولة التي يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة، والتي تتسم بعمق استراتيجي كبير وتضاريس صعبة تجعلها بمثابة تحدي أكبر بكثير من العراق
من هذا المنطلق، لا ينبغي تناسي هذه الوقائع، نظرا لأن إدارة ترامب توظف خدعا مماثلة لخلق انطباع خاطئ يحيل إلى أن الحرب تعد السبيل الوحيد للتصدي للتهديدات التي تشكلها إيران. وقبل أكثر من شهر من الآن، قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هالي، إن إدارة ترامب تمتلك “دليلا لا يمكن إنكاره” يثبت أن إيران لا تمتثل لقرارات مجلس الأمن بشأن برنامجها المتعلق بالصواريخ الباليستية، فضلا عن علاقتها باليمن. وتماما مثلما فعل السيد باول، أظهرت السيدة هالي صورا للأقمار الصناعية وغيرها من الأدلة المادية، المتاحة فقط لأجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة، لإثبات قضيتها، إلا أن الأدلة لم تكن مقنعة.
من المثير للدهشة مدى تماثل حجج هالي مع عرض السيد باول الذي قدمه في سنة 2003، حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، وكيف تتطابق أساليب إدارة ترامب بشكل عام مع أساليب الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني. عندما شاهدت السيدة هالي في وكالة استخبارات الدفاع، أردت أن أُشغل مقطع فيديو للسيد باول على الحائط خلفها، حتى يتسنى للأمريكيين أن يعرفوا بأنهم يساقون بالطريقة ذاتها التي دفعوا بها إلى الموافقة على الحرب في العراق في سنة 2003.
لكن، وفي هذه المرة، ستكون الحرب ضد إيران، الدولة التي يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة، والتي تتسم بعمق استراتيجي كبير وتضاريس صعبة تجعلها بمثابة تحدي أكبر بكثير من العراق. كما أن هذه الحرب ستكون أسوأ بمراحل من حرب العراق من حيث الخسائر والتكاليف، حتى أن ذلك قد يبلغ ضعف ما حدث في بلاد الرافدين بنحو 10 إلى 15 مرة.
في حال كنا نرغب في تصريح رسمي أكثر دعما، ولو قليلا، لخطط إدارة ترامب ضد إيران، فما علينا سوى التطلع إلى استراتيجية الأمن القومي التي تم إصدارها مؤخرا، والتي تحيل إلى أنه “كلما تجاهلنا التهديدات الصادرة من دول عازمة على صناعة وتطوير أسلحة الدمار الشامل، باتت تلك التهديدات أعمق، في حين أن خياراتنا الدفاعية ستكون محدودة”. ربما لم يكن فريق بوش- تشيني ليعبر بشكل أفضل عن أهدافه مقارنة بهذا الخطاب عندما فكر في غزو العراق. وتضع هذه الاستراتيجية إيران على اعتبارها واحدة من أكبر التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة، تماما مثلما وصف الرئيس بوش صدام حسين. وفي ظل وجود كل من الصين وروسيا وكوريا الشمالية، وهي دول تمثل تحديات هائلة للغاية بالنسبة لواشنطن وحلفائها أكثر من إيران، لا بد للمرء أن يتساءل من أين يستقي فريق ترامب أفكاره.
مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات قد أصبحت، وأكثر من أي وقت مضى، أشبه بمكتب الخطط الخاصة التابع للبنتاغون، الذي عزز الأكاذيب من أجل دعم عملية الدخول في حرب ضد العراق
على الرغم من أن عرض نيكي هالي لم يأتي أكله، في حين لم يبادر بالاطلاع على الاستراتيجية الآنف ذكرها أحد سوى نخبة الأمن القومي، إلا أن ذلك لا يعد مهما في حقيقة الأمر. لقد شاهدنا ذلك من قبل: حملة مبنية على تسييس الاستخبارات والقرارات السياسية العامة قصيرة النظر من أجل كسب الدعم لخوض الحرب. في الأثناء، يبدو أن الشعب الأميركي قد أصبح معتادا على الدعاية الحربية التي يقوم بها الذراع التنفيذي، والتي وافق عليها الكونغرس بالإجماع تقريبا، لدرجة أن مثل هذه القرارات لم تعد محل نزاع كبير.
حتى الآن فشلت المؤسسات الإخبارية إلى حد كبير في دحض الروايات الكاذبة الصادرة عن البيت الأبيض بشأن إيران. وفي مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر، تبنت إحدى المؤسسات الاخبارية ادعاءات صرح بها مسؤولون أمريكيون، لم تكشف عن هويتهم، يمتلكون وثائق صدرت حديثا تم الحصول عليها من مجمع أسامة بن لادن، تقدم “دليلا على دعم إيران للحرب التي شنتها القاعدة ضد الولايات المتحدة الأمريكية”.
تعيد هذه التصريحات للذاكرة محاولات نائب الرئيس تشيني اليائسة في سنة 2002 و2003 لاستحضار الأدلة حول علاقة صدام حسين بعناصر القاعدة المحتجزين في خليج غوانتانامو. كما أنها تعيد إلى الذاكرة موقف جورج تينيت، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية، الذي أكد لكولن باول، أن العلاقة بين صدام حسين وأسامة بن لادن كانت فعلية، وذلك في الفترة التي سبقت العرض الذي قدم أمام الأمم المتحدة. واليوم، نحن نعلم فداحة الخطأ الكبير الذي ارتكبه السيد تينيت.
في الوقت الراهن، ينتمي المحللون الذين يدعون وجود علاقات وثيقة بين القاعدة وإيران إلى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، التي تعارض بشدة الاتفاق النووي الإيراني وتدعو دون تحفظ إلى تغيير النظام في إيران. يبدو أنه ليس من المهم حقيقة أن 15 شخصا من المختطفين، الذين نفذوا عملية 11 من سبتمبر، من أصل 19 يعدون سعوديين، ولم يكن من بينهم أي إيراني، كما أنه من غير المهم إن لم يكن من بين الجماعات المدرجة في قائمة المعادين للولايات المتحدة إلا جماعة واحدة على صلة غير وثيقة بإيران، وأن حزب الله لم يكن في اللائحة. من الواضح أن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات قد أصبحت، وأكثر من أي وقت مضى، أشبه بمكتب الخطط الخاصة التابع للبنتاغون، الذي عزز الأكاذيب من أجل دعم عملية الدخول في حرب ضد العراق.
من السذاجة التفكير بأن الحرب ستؤدي إلى تحقيق الديمقراطية بدلا من الدفع بالمنطقة نحو حافة الانهيار السريع
عموما، لا تقتصر قضية دفع إدارة ترامب لشن حرب ضد إيران على عمل السيدة هالي، بل تشمل نطاقا أوسع بكثير. ففي الواقع، يجب أن نضيف إلى ذلك الإنذار النهائي للرئيس ترامب في كانون الثاني/ يناير، الذي قال فيه إنه ينبغي على الكونغرس “تعديل” الاتفاق النووي الإيراني، على الرغم من حقيقة امتثال إيران. في الأثناء، ما فتئ البيت الأبيض يضغط على أجهزة الاستخبارات لإعداد الأدلة التي تحيل إلى عدم امتثال إيران، في الوقت الذي تعتبر فيه الإدارة الأمريكية أن الاحتجاجات الأخيرة في البلاد تمثل بداية لتغيير النظام.
كما هو الحال مع إدارة بوش من قبل، تساهم هذه الأحداث، التي تبدو في الظاهر غير متصلة، على خلق رواية تكون فيها الحرب ضد إيران الخيار السياسي الوحيد. عندما ألقي نظرة إلى الخلف على مسيرتنا الدافعة نحو الحرب مع العراق، أدرك أنه لم يكن آنذاك توظيفنا لصناعة استخباراتية رديئة ومنتقاة أمرا ذا أهمية، كما أنه لم يكن من الواقعي القول إن الحرب “ستمكننا من الحصول على المال الكافي لتغطية نفقاتها”، عوضا عن أن تكلفتها قد تبلغ تريليونات الدولارات. فضلا عن ذلك، كان من السذاجة التفكير بأن الحرب ستؤدي إلى تحقيق الديمقراطية بدلا من الدفع بالمنطقة نحو حافة الانهيار السريع.
كان هدفنا الوحيد من الخطوات التي اتخذناها دفع الشعب الأمريكي لدعم مسألة الحرب ضد العراق، مع العلم أن استطلاعات الرأي تؤكد بأننا نجحنا في ذلك. واليوم، يحاول ترامب وفريقه فعل ذلك مرة أخرى. وفي حال لم نكن حذرين، فسينجحون من دون شك في تحقيق ذلك.
المصدر: نيويورك تايمز