تتواصل حالة السخط الشعبي غير المسبوق في الأردن، متمثلة بالنقد والانزعاج الشديدين على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب احتجاجات ليلية ونهارية تخللها إحراق إطارات مطاطية وإغلاق شوارع عامة، تنديدًا بقرارات رفع الأسعار على مجموعة من السلع الأساسية كالخبز والمحروقات والكهرباء.
وإذا ما أردنا تسليط الضوء على الاحتجاجات وطبيعتها في الأردن، فإن تظاهرات مدينة السلط (شمال العاصمة) ستأخذ الحيز الأكبر، لأنها الأكثر خشونة وقوة، إضافة إلى أنها بدأت وما زالت قائمة رغم زيارة الملك عبد الله الثاني للمدينة مؤخرًا.
الأمر الذي رأى فيه مراقبون أن صراخ المواطنين وأنينهم المرتفع لا يسكته حتى زيارة ملكية، لأن الأجواء ملتهبة ومحتقنة ولا تحتاج إلا إلى عود ثقاب للاشتعال والتدهور. وكانت فعاليات شعبية وشبابية وحزبية في مدينة السلط، دعت إلى الدخول في اعتصام مفتوح أمام مبنى البلدية، للتعبير عن الغضب على الرفع المستمر والجنوني للأسعار والضرائب، كما لوحوا بمزيد من التصعيد في حال لم تعدل الحكومة عن قراراتها الأخيرة.
صراخ المواطنين وأنينهم المرتفع لا يسكته حتى زيارة ملكية، لأن الأجواء ملتهبة ومحتقنة ولا تحتاج إلا إلى عود ثقاب للاشتعال والتدهور
وقد رفع المحتجون في مدينة السلط التي تعبر عن قلق الرأي العام الشعبي، شعارات ولافتات كتب عليها “إحنا والأمن والجيش تجمعنا لقمة العيش” و”الخبز خط أحمر” و”يا ملقي يا غدار الكباريتي قبلك طار”، في إشارة إلى رئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم الكباريتي الذي رفع أسعار الخبز في تسعينيات القرن الماضي.
“خبز الشعب الخط الأحمر”
هتافات ومطالب مختلفة.. غضباً من رفع الأسعار pic.twitter.com/uUFo1w4eBc— AJ+ عربي (@ajplusarabi) February 2, 2018
المحتجون في السلط: ما في عنا ولا خط أحمر، خبز الشعب الخط الأحمر
في هذا الصدد، لم يجد نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق الدكتور محمد الحلايقة، تفسيرًا لما يحدث في الأردن من احتجاجات وغضب شعبي، إلا أنه “نتيجة فشل حكومي في إدارة الملف الاقتصادي ومواجهة التحديات الاقتصادية، الأمر الذي دفع الشعب إلى الزاوية الحرجة الصعبة، فخرج إلى الشوارع والميادين العامة”.
وفي حديث لـ”نون بوست”، أعرب عضو مجلس الأعيان عن خيبة أمله من “الحلول الاقتصادية التي قدمتها حكومة الدكتور هاني الملقي المتمثلة برفع الأسعار وزيادة نسبة الضرائب وإلغاء الإعفاءات عن كثير من السلع والبضائع والخدمات”، معتبرًا أن “الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في شوارع المملكة تعبير طبيعي عن الغضب والاحتقان الكامن في نفوس المواطنين”.
الحلايقة: الاحتجاجات نتيجة فشل حكومي في إدارة الملف الاقتصادي
ورأى وزير الصناعة الأسبق أن “أكثر ما يقلق المراقب هو مجازفة الحكومة بالأمن والسلم المجتمعي من خلال قراراتها الأخيرة”، متوقعًا في الوقت ذاته “مزيد من التصعيد في الاحتجاجات والاعتصامات الشعبية، إلى جانب انتشار الجرائم والحوادث وارتفاع معدلاتها الذي سيرتبط كثير منها بالقرارات الحكومية الأخيرة”.
وفي استشراف للمستقبل والتطورات المتوقعة التي ستترتب على القرارات الحكومية، حاول الحلايقة الخبير الاقتصادي تهدئة الخواطر والتقليل من التوتر الحاصل، متوقعًا تدخل ملكي كالعادة إذا ما وصلنا إلى الدرجة الحرجة.
شهدت 6 محافظات في الفترة الأخيرة، بدعوة من ائتلاف الأحزاب اليسارية والقومية والقوى والشخصيات والفعاليات الوطنية، انطلاق احتجاجات ومسيرات رفضًا لسياسة الجباية الحكومية
وعن التخوفات من التعامل الخشن مع الاحتجاجات الشعبية على غرار النموذج السوداني والتونسي في الفترة الأخيرة، استبعد الحلايقة القريب من دوائر صنع القرار “سلوك هذا النهج الأمني في الأردن”، منوهًا إلى أن “وجود قيادة حكيمة مقابل شعب متفهم وواعي، كفيل بإخراجنا من عنق الزجاجة إلى حالة من الديمقراطية ترضي الجميع”.
بعبارة أخرى، تسببت القرارات الحكومية بعودة الحراك الشعبي بقوة إلى الشارع المطالب برحيل الحكومة ومجلس النواب، في ظل اتخاذ الحالة الأردنية الداخلية منحنيات حرجة وفوضوية تدعو إلى قرع جسر الإنذار قبل وقوع المحظور.
وتزامنًا مع مغادرة رئيس الحكومة الدكتور هاني الملقي البلاد من أجل العلاج في أمريكا، تشهد المملكة نموًا ملموًسا في الاحتجاجات التي تطالب بإسقاط حكومته وحل مجلس النواب المتهم من الشعب بالتواطؤ مع الحكومة في رفع الأسعار.
فقد شهدت 6 محافظات في الفترة الأخيرة، بدعوة من ائتلاف الأحزاب اليسارية والقومية والقوى والشخصيات والفعاليات الوطنية، انطلاق احتجاجات ومسيرات رفضًا لسياسة الجباية الحكومية. إذ تظاهر الأردنيون الغاضبون على المفاجآت الرقمية الصادمة، أمام رئاسة الوزراء ومجلس النواب ووسط العاصمة عمان وفي شمال المملكة وجنوبها، رافعين لافتات وشعارات تقول “لا لسياسة التجويع” و”يسقط مجلس النواب” و”تسقط حكومة الجباية”.
وفي احتجاج نادر من نوعه وغريب، أقدم مواطن على حرق سيارته، احتجاجًا على منظر أم لبنات أيتام كان قد زارها لتفقد أحوالها، فوجدها ترتجف هي وبناتها من شدة البرد، لعدم وجود مدفأة في منزلهم.
https://www.youtube.com/watch?v=ETu5Ryyt9sQ
وفي تعبير عن ألمه لمنظر الأم وبناتها، أحرق سيارته المسجلة باسم أحد أفراد عائلته، لجلب أنظار الرأي العام لما وصل إليه الغالبية العظمى من المواطنين من الفقر والحاجة.
يواصل المزارعون اعتصامهم المفتوح أمام مجلس النواب للمطالبة بإلغاء الضرائب التي فرضتها الحكومة على مدخلات ومخرجات الإنتاج
وفي معرض الاحتجاجات المتصاعدة، أعلن حزب “أردن أقوى” الذي تتزعمه النائبة السابقة الدكتورة رولا الحروب، إقامة “اليوم الوطني للمسخمين” في 17 من الشهر الحاليّ، في إشارة إلى تصريح رئيس الوزراء هاني الملقي الذي نفى فيه وجود أردنيين مسخمين. وتتضمن الاحتفالية رسومات وقصائد وأغاني وكلمات ساخرة، ومعرضًا للكاريكاتير ولوحات مسرحية في مواجهة سياسات الملقي ورفع الضرائب وغلاء الأسعار. وتشير كلمة “مسخمين” إلى الفقراء المعدمين الذين يجدون صعوبة في الحصول على مصاريف حياتهم وتوفير تكاليف معيشتهم.
وفي أجواء الصدمة والتساؤل والحيرة، يواصل المزارعون اعتصامهم المفتوح أمام مجلس النواب للمطالبة بإلغاء الضرائب التي فرضتها الحكومة على مدخلات ومخرجات الإنتاج، في حين أعلنوا عزمهم مواصلة الاعتصام حتى التراجع عن الضريبة التي يقولون إنها “المسمار الأخير في نعش الزراعة”.
وفي نوع آخر من الاحتجاج على قرارات رفع الأسعار، لكن بعيدًا عن المسيرات والتظاهرات، آثر مواطنون التعبير عن غضبهم بالسطو المسلح على بنوك ومنشآت تجارية.
فقد شهدت منطقة عبدون في عمان -والمعروفة بسكانها أصحاب الطبقة الثرية- سطوًا على بنك الاتحاد، أسفر عن سرقة نحو 98 ألف دينار أردني أو ما يعادل 70 ألف دولار، في حين تكرر حادث السطو على بنك سوستيه جنرال في مخيم الوحدات، نتج عنه سرقة 75 ألف دينار أردني أو ما يعادل 75 ألف دولار.
كان تقرير لمنظمة العدل والتنمية لدراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حذر من اندلاع اضطرابات في الأردن بسبب موجات الغلاء، التي قد تؤدي لثورات جديدة محورها الاقتصاد
هذه التداعيات يمكن اعتبارها نموذجًا مصغرًا لما يمكن أن ينتج عن موجة رفع الأسعار والضرائب البشعة، حيث تصر الحكومة على تصلبها في الوقت الذي دخل فيه الجميع في حالة قلق عامة، عبر عنها النائب خليل عطية، وهو يعلن تحت قبة مجلس النواب أن على الحكومة التراجع فورًا لأن الشارع يغلي وقد ينفجر.
وبلهجتها الحادة، هاجمت الناشطة السياسية هند الفايز، النهج الحكومي الاقتصادي المتمثل بالتضييق على الشعب والتغول عليه، معتبرة أن الحكومة غير آبهة بالفقراء والمعدمين والمسخمين من أبناء الشعب الأردني.
الفايز: الشعب الأردني يمر بمرحلة الهدوء التي تسبق العاصفة
وفي حديث لـ”نون بوست”، قالت الفايز صاحبة اقتراح اقتحام مبنى مجلس النواب تنديدًا بتواطئهم مع الحكومة ضد الشعب الذي انتخبهم: “الحكومة تقتطع من جيوب الأردنيين لتمول جيوب الفاسدين”، مشيرة إلى أن “الشعب الأردني يمر بمرحلة الهدوء التي تسبق العاصفة”.
ورأت ابنة المناضل البعثي حاكم الفايز الذي قضى 22 عامًا في سجون الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، أن “البطانة التي تدور حول الملك فاسدة ولا تصلح أن تكون مؤتمنة على المشورة والاستشارة”، داعية الملك إلى “استبدال بطانته الفاسدة بأخرى نظيفة وأمينة، والتدخل لوضع حد لفساد الحكومات فضلا عن الوقوف إلى جانب شعبه لمنع تغول الفاسدين عليه”.
وعن توقعاتها المستقبلية بشأن الأوضاع في المملكة، أبدت النائب السابق عدم ارتياحها للأوضاع الراهنة، في الوقت الذي أبدت فيه عدم تمنيها انفجار الأوضاع في وجه النظام وخروجها عن السيطرة، داعية إلى “مشاركة الحكماء والخبراء في إدارة المرحلة وعدم تركها للفاسدين”.
كانت الحكومة قد قررت رفع سعر الخبز المدعوم وفرض ضرائب جديدة على العديد من السلع والمواد الأساسية، بهدف خفض الدين العام للمملكة الذي تجاوز 35 مليار دولار
إلى ذلك، كان تقرير لمنظمة العدل والتنمية لدراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حذر من اندلاع اضطرابات في الأردن بسبب موجات الغلاء التي قد تؤدي لثورات جديدة محورها الاقتصاد، محذرًا في الوقت نفسه من فوضى واسعة تشمل عمليات سرقة. وذكر التقرير أن “الاقتصاد سيكون المحور الرئيس للتحركات الاجتماعية المقبلة، بالإضافة إلى رفض شعوب بعض الدول للفساد والبطالة والتهميش الواضح لقطاعات شعبية واسعة”.
وأشار التقرير إلى أنه “لا يمكن لأي حكومة أن توقف التحركات الاجتماعية للفقراء والعاطلين التي ربما تتحول لثورات عنيفة، مما ينذر باندلاع موجة كبرى من الثورات الاجتماعية في دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط”.
إلى ذلك، وفي مقال له تحت عنوان “أبعد من مجرد سعر الرغيف“، قال المحلل السياسي عريب الرنتاوي: “يستطيع من شاء ألا يرى في سورة الغضب التي اجتاحت مدنًا أردنية مختلفة، سوى تعبير عن الاحتجاج على ارتفاع الأسعار وتآكل الأجور وتراجع مستويات الدخل والعيش لشرائح متزايدة من الأردنيين، لكأن كل ما في السياسات الحكومية أمر صائب ومقبول، وأن المشكلة تنحصر فقط في الجانب المالي والاقتصادي، وأنها بالأساس عائدة لشح الموارد”.
وجاء في المقال الذي نشر في صحيفة الدستور الأردنية أن “مثل هذه القراءات، قد تنفع في تخدير حس المسؤول في الحكومة أيًا كان موقعه أو طبيعة عمله، بالمسؤولية عن قراراته وسياساته وأفعاله، بل وقد تقنعه بأنه أدى قسطه للعلا وأقدم على فعل ما أحجم نظراؤه الأوائل عن فعله، وربما ظن لبرهة من الوقت بأنه يستحق التكريم والشكر والتقدير، بدل الاتهامات والشتائم التي زخرت بها الاحتجاجات واشتعلت بالكثير منها، وسائل التواصل الاجتماعي”.
https://twitter.com/jn_news/status/959399361183707136
وأردف الرنتاوي بقوله “بيد أن تجاربنا وتجارب غيرنا، أثبتت أن مثل هذه القراءات مخادعة تمامًا، وأنها إن أظهرت قدرًا من الصحة في بعض الأحيان، إلا أنها ليست صالحة في جميع الظروف والحالات، بل وتعاند ديالكتيك الحياة والمجتمع الذي يحذر من لحظة انقلاب الكم إلى نوع بعد سلسلة من التراكمات، فتتغير الحسابات والتوقعات لكن بعد فوات الأوان”.
وكانت الحكومة قد قررت رفع سعر الخبز المدعوم وفرض ضرائب جديدة على العديد من السلع والمواد الأساسية، بهدف خفض الدين العام للمملكة الذي تجاوز 35 مليار دولار. كما أعلنت الحكومة رفع سعر تعريفة الكهرباء وأجور النقل العام، في حين أخضعت نحو 165 صنفًا وسلعة وخدمة لزيادة الأسعار.