من جديد، تواصل مسلسل محاولة انتقال اللاعب الدولي الجزائري رياض محرز من ناديه الحاليّ ليستر سيتي الإنجليزي إلى فرق أخرى ذات صيت عالمي، رغم تمتعه بمهارات عالية لا يختلف عليها خبراء الكرة المستديرة، إلا أن هذا الفشل المتكرر جعل الجميع يتساءل عن أسباب تعثر كل صفقات انتقاله التي كانت ستعود بالإيجاب عليه وحتى على ناديه، فهل يعود ذلك إلى أن محرز لاعب سيء الحظ أم أنه ضحية ظاهرة “استعباد اللاعبين” التي تحدث عنها كتاب “النظام السحري” الصادر مؤخرًا.
قد تكون من الصدف أن يتزامن فشل انتقال محرز إلى نادي مانشيستر سيتي متصدر الدوري الإنجليزي مع خروج كتاب “Magique Système” أو “النظام السحري” إلى الأكشاك عن دار النشر الفرنسية “مارابو” في 31 من يناير/كانون الثاني المنقضي الذي يتطرق حسب مؤلفيه برتيليمي غايار وكريستوف غليز إلى فضيحة استعباد اللاعبين الشبان الأفارقة في أوروبا.
فحوى الكتاب
وفق ما ينقله المؤلفون، فإن اللاعبين الأفارقة الشبان أصبحوا غنيمة في أيدي “تجار” كرة القدم أو الذين نصبوا أنفسهم “وكلاء أعمال” اللاعبين، وكل الذين يدورون في فلك كرة القدم من رؤساء أندية ومدربين، حسب ما نقلت إذاعة مونتي كارلو الدولية.
ويقول الكتاب إن بعض وكلاء اللاعبين استغلوا سذاجة هؤلاء الشبان الذين يحلمون بأن يكونوا يومًا ما نجومًا تسطع في عالم كرة القدم على غرار ديديه دروغبا وصامويل إيتو ومايكل إيسيان وغيرهم من النجوم، ليقوموا بانتدابهم مقابل مبالغ مالية ثم يتركونهم في مدن أوروبا دون الالتحاق بالأندية التي وعدوا بها، بل يصبح كثير من هؤلاء الشبان متسكعين وغير قادرين حتى على شراء رغيف.
هجر الكثير من اللاعبين الفرنسيين وغيرهم بطولات بلدانهم لينتقلوا إلى بطولة تعتبر أقوى وأهم مثل الدوري الإنجليزي الممتاز والإسباني والألماني
ويذكر الكتاب أن كل شيء تغير تقريبًا في كرة القدم الأوروبية عام 1995 بعد صدور ما يعرف بـ”حُكم بوسمان” من القضاء الأوروبي الذي سمح بالتنقل الحر لجميع اللاعبين الذين يحملون جنسية بلد أوروبي والتعاقد مع أي ناد في أوروبا، علمًا أنه كان لا يحق قبل هذا الحكم للأندية الأوروبية التعاقد إلا مع ثلاثة لاعبين غير محليين فقط.
وقد استغل البعض صدور “حُكم بوسمان” لجلب لاعبين واعدين أفارقة بهدف سد الفراغ الذي أحدثه هذا الحُكم خاصة في أندية أوروبية تُعتبر من الدرجة الثانية أو الثالثة.
وهجر الكثير من اللاعبين الفرنسيين وغيرهم بطولات بلدانهم لينتقلوا إلى بطولة تعتبر أقوى وأهم مثل الدوري الإنجليزي الممتاز والإسباني والألماني.
أين محرز من هذا؟
الأكيد أن محرز لاعب إفريقي، غير أن حالته قد لا تنطبق على الحالات التي تحدث عنها الكتاب، فهو لم يأت من القارة السمراء لأنه ولد بفرنسا من عائلة جزائرية مهاجرة، أي أن المقارنة تبدو في البداية غير مقبولة، لكن العارفين بكرة القدم يؤكدون أن سبب فشل صفقات محرز في مغادرة ليستر سيتي هو ضعف مستوى وكيل أعماله أو تواطؤه مع النادي الإنجليزي، لأنه سمح له أو ربما شجعه في 2016 على التجديد مع ليستر بعد فوزه بالدوري الإنجليزي وبلقب أحسن لاعب في إنجلترا على عقد يمتد لـ4 سنوات وبشرط جزائي، إضافة إلى أن العقد لم يتضمن بندًا يسمح له بمغادرة الفريق في حال وصله عرضًا يرغب في خوض مغامرته.
كما أن مستقبل محرز صار اليوم ليس في ملكه، وفي مرات ليس في قبضة ناديه ليستر، إنما ذهب مشواره الكروي ضحية المصالح الشخصية لمدربي الفريق، فالجميع يعلم أن تجديد محرز للفريق في 2015 كان من بين أسبابه مدربه السابق الإيطالي كلاوديو رانييري الذي كانت تجمعه علاقة قوية بالدولي الجزائري الذي كان يكن له احترامًا شبيهًا باحترام الابن لوالده.
بعد مغادرة رانييري جاء المدرب الإنجليزي كريج شيكسبير الذي حال الصيف الماضي دون انتقال محرز إلى أندية روما وتشيلسي وحتى أرسنال التي كانت ترغب في الاستفادة من خدماته وفق تقارير إعلامية إنجليزية متخصصة، حيث حسم المدير الفني أمره منذ البداية بالإبقاء على نجم المنتخب لجزائري حتى و لو كان على حساب مشواره الكروي لضمان تحقيق الفريق نتائج تجعله على الأقل يضمن خلال الموسم الحاليّ بقاءه في الدوري الإنجليزي.
مشكلة جديدة مع الفرنسيين
رغم استعادة رياض محرز مستواه منذ مجيء المدرب الفرنسي الحاليّ لليستر كلود بويل، فإن اعتراض الأخير على رحيله فتح ربما تجربة جديدة سيئة للدولي الجزائري مع الفرنسيين حتى ولو كان من خريجي المدارس الفرنسية، فقد ذكرت صحيفة “فرانس فوتبول” في ديسمبر 2015 أن رئيس نادي أولمبيك مارسيليا فانسون لابرون رفض في 2014 استقدام محرز من ليستر سيتي خلال فترة الانتقالات الشتوية.
وقال لابرون لمن عرض السيرة الذاتية لمحرز عليه: “هل تعتقد حقًا أن لاعبًا من ليستر له مكان في أولمبيك مارسيليا وفي مشروع النادي؟ من أجل اختصار الوقت، واسمحوا لي أن أقول لكم إننا نحاول أن نضمن الاحترافية والنوعية في استقداماتنا، وبالتالي فإن احتمال أن نستقدم لاعبين بهذه النوعية تساوي صفر”. وكان كلام رئيس مرسيليا قبل أن يسطع نجم محرز الذي توج في 2016 بلقب أحسن لاعب في إنجلترا.
نقل مقربون من محرز أن الأخير يعيش وضعية نفسية سيئة بسبب فشل كل صفقات تغييره الأجواء جراء تعنت إدارة ليستر
والأكيد أن رفض مدربه الحاليّ كود بويل انتقاله إلى مانشيستر سيتي الذي عرض مبلغا ماليًا قارب 70 مليون جنيه إسترليني أعاد للأذهان ما حدث لمحرز مع فريق مرسيليا، وما وقع للاعبين جزائريين سابقين في الدوري الفرنسي الذين اشتكوا من العنصرية الموجودة هناك، منهم قائد المنتخب الجزائري السابق مجيد بوقرة الذي أكد في أكثر من مرة أن المعاملة التي تلقاها من بعض المدربين هناك كانت السبب في تغييره الأجواء إلى إنجلترا وإسكتلندا رغم أنه من مواليد بلاد الجن والملائكة.
ومنذ وقوف مدربه الفرنسي وإدارة الفريق ضد انتقاله إلى مانشيستر سيتي متصدر الدوري الإنجليزي يقاطع اللاعب ذو الـ26 عامًا التدريبات احتجاجًا على الجزاء الذي تلقاه من فريق أعطاه كل شيء.
ونقل مقربون من محرز أن الأخير يعيش وضعية نفسية سيئة بسبب فشل كل صفقات تغييره الأجواء جراء تعنت إدارة ليستر، الأمر الذي جعل رابطة اللاعبين المحترفين في إنجلترا تعرض الوساطة للتدخل من أجل حل مشكلة أحسن لاعب في أفضل دوري في العالم عام 2016، لعلها وعسى تحل عقدة من عقد “استعباد اللاعبين” في أوروبا.