ترجمة وتحرير: نون بوست
كان ابن فاطمة عبد الحميد يبلغ من العمر 11 شهرًا عندما أبلغتها البلدية أنه يجب تسجيله في الحضانة قبل عيد ميلاده الأول. ونظرًا لأنه وُلد قبل الأوان وكان جسمه لا يزال صغيرًا مقارنة بسنّه، أرادت فاطمة أن تبقي ابنها في المنزل حتى يبدأ المشي. وقد تخيلته في الحضانة وهو غير قادر على الوصول إلى لعبة أو التنقل دون مساعدة، ولم يعجبها ذلك.
كان زوجها مدير مطعم سوري بينما تدرس هي للحصول على درجة البكالوريوس، لذلك شعرت أنه لا داعي للعجلة في إرساله إلى الحضانة. لكن الدولة الدنماركية لم توافق على ذلك.
تعيش فاطمة، وهي مواطنة دنماركية المولد هاجر والداها الفلسطينيان إلى الدنمارك قبل ولادتها، مع عائلتها في فولسموز وهو أكبر “غيتو” في الدنمارك، وهي تسمية رسمية لأحياء الأقليات ذات الدخل المنخفض. وباعتبارها مقيمة في فولسموز، اعتبرت الحكومة أن ابنها معرّض لاحتمال عدم تعلم اللغة الدنماركية بشكل مناسب وبالتالي ضعف الأداء الدراسي.
ومنذ سنة 2019، طُلب من جميع العائلات في هذه الأحياء الفقيرة إرسال أطفالهم إلى الرعاية النهارية عندما يبلغون عامهم الأول أو المخاطرة بفقدان الإعانات العامة، وذلك في محاولة لتعليمهم “التقاليد والأعراف والقيم التي نؤكد عليها في هذا البلد”.
تدعي الحكومة الدنماركية أيضًا أن الأطفال الذين يتخطّون مرحلة الرعاية النهارية في هذه المناطق أكثر عرضةً لأن يبدأوا المدرسة متأخرّين من حيث المهارات اللغوية، مما يزيد من احتمال مواجهتهم ضعفًا في النتائج التعليمية والعملية.
وقبل دخول القانون حيّز التنفيذ، كان 69٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنة إلى سنتين من أبوين مهاجرين من دول غير غربيّة مسجّلين في الرعاية النهارية، مقارنة بـ93٪ من الأطفال ذوي الأصول الدنماركية. وفي الأحياء منخفضة الدخل، حيث يعيش مزيج من الدنماركيين البيض والمهاجرين وأحفادهم، تم تسجيل 75٪ من الأطفال في عمر سنة واحد في الرعاية النهارية.
وبالعودة إلى فولسموز – التي تقع في أودنسه، ثالث أكبر مدينة في الدنمارك – اكتشفت فاطمة “التقاليد والأعراف والقيم” التي يحتاج ابنها إلى تعلّمها عندما تقدمت بطلب للحصول على إعفاء من قانون الرعاية النهارية وجاءت أخصائية اجتماعية تابعة للبلدية لتفقد منزل الأسرة.
بدت الزائرة متعاطفة مع ابنها، وقامت بطرح قائمة من الأسئلة المطلوبة، بما في ذلك كيف ستضمن فاطمة المساواة بين الجنسين بين أطفالها (علمًا بأنه لم يكن لديها سوى طفل واحد فقط في ذلك الوقت)، وكيف ستعلّمه الديمقراطية وكيف ستعرّفه على عيد الميلاد، وهو سؤال لم تعرف فاطمة المسلمة كيف تجيب عليه.
تقول فاطمة، وهي أم لطفلين تبلغ من العمر الآن 26 سنة، “لم يكن الأمر مخيفًا للغاية، ولكن كنت أقول في نفسي: “من تظنين نفسك لتأتي إلى منزلي وتعلميني كيف أتعامل مع طفلي، فقط لأنني أعيش في فولسموز؟” أعتقد أن الأمر كان سخيفًا للغاية، لكنني كنت أقول، عليّ فقط إنهاء هذه المحادثة، يجب أن أصل إلى هدفي فقط”. كل ما أرادته هو أن يتجنب ابنها الذهاب إلى الرعاية النهارية، وألا تقوم الحكومة بإلغاء مخصصاتها النقدية.
أعربت الأخصائية الاجتماعية عن بعض المخاوف بشأن مهارات زوجها في اللغة الدنماركية، وهو لاجئ سياسي من سوريا يقيم في البلاد منذ حوالي ثماني سنوات. وبينما يقول عبد الحميد إن لغته الدنماركية ممتازة، فإنه لم يخضع بعد لامتحان اللغة المطلوب – لكنهم حصلوا على الإعفاء رغم عدم تمكنهم من تقديم طلب للحصول على أموال إضافية لرعاية طفلهم في المنزل، كما هو الحال بالنسبة للعائلات التي تعيش خارج مناطق الغيتو.
سُجّل ابن عبد الحميد في الرعاية النهارية بعد ستة أشهر بمجرد أن بدأ المشي. وهو اليوم يبلغ من العمر 5 سنوات تقريبًا ولغته الدنماركية أفضل من لغته العربية.
تعد سياسة الرعاية النهارية أحد قوانين الغيتو المثيرة للجدل في الدنمارك التي تم إقرارها سنة 2018 بدعم واسع من الأحزاب السياسية الرئيسية. وفي كل سنة، تقوم الحكومة بتقييم الأحياء التي يبلغ عدد سكانها ما لا يقل عن 1000 نسمة.
وحتى تتأهل المنطقة لتكون “منطقة سكنية منخفضة الدخل”، يجب أن تستوفي معيارين من أربعة معايير تغطي مستوى تعليم السكان والبطالة والدخل والإدانات الجنائية. ولكن إذا استوفت منطقة ما المعايير وكان أكثر من نصف سكانها من أصل غير غربي يتم اعتبارها “غيتو”، أو “مجتمعًا موازيًا”، وذلك حسب التسمية التي استحدثتها حكومة يسار الوسط للقانون في سنة 2021.
الأسر ذات الموارد الأفضل يمكنها الانتقال إلى خارج المنطقة للتهرب من القوانين، بينما يُترك السكان الضعفاء بسبب افتقارهم إلى الدعم المجتمعي من جيرانهم السابقين.
قد تكون تسمية الغيتو بمثابة ختم الموت لحيّ ما، ذلك أن هذا النوع من الأحياء يخضع لمجموعة من السياسات المستهدفة لتفكيك الجيوب العرقية من خلال هدم المساكن وإعادة تطويرها، وعمليات الإخلاء القسري وتشديد العقوبات على الجرائم المرتكبة في المنطقة.
ويجب على الآباء أيضًا، كما اكتشف عبد الحميد، إرسال أطفالهم إلى دور الرعاية النهارية. مع ذلك، فإن التسجيل السنوي في دور الرعاية النهارية في أحياء الغيتو محدّد بـ 30٪ فقط من أطفال نفس الحي، وهذا يعني أنه إذا كان 30٪ من الأطفال في الحضانة النهارية الأقرب إلى المنزل من الغيتو فيجب على الوالدين إرسال أطفالهم إلى منشأة تضم نسبةً أقل.
وقد خصّصت الدولة 1.45 مليار دولار حتى سنة 2026 لتنفيذ القانون، وذلك بهدف تغيير التركيبة العرقية والاقتصادية لأحياء الغيتو بحلول سنة 2030.
تقول الحكومة الدنماركية إن هذه التدابير ضرورية لمعالجة “التحديات الاجتماعية والاندماجية المتجذرة”. وهذا يعني القلق من عدم اعتناق غير الغربيين للثقافة الدنماركية أو تحدث اللغة بشكل جيد بما فيه الكفاية رغم استفادتهم من أنظمة الرعاية الاجتماعية السخية في البلاد.
ويجادل معارضو هذه القوانين بأنها تقوّض النسيج الاجتماعي للمهاجرين وأحياء الجيل الثاني من المهاجرين، وتمثل “استيعابًا قسريًا” حسب ما قالته مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في سنة 2018.
ذكرت سوشيلا ماث، كبيرة مسؤولي التقاضي الإداري في مبادرة عدالة المجتمع المفتوح: “على الرغم من وجود اتجاهات كهذه في جميع أنحاء أوروبا، إلا أنه يبدو لنا أنها واحدة من أكثر الأمثلة صراحةً وفظاعةً للتمييز العنصري، إن لم تكن أكثرها”، وهي تدعم الطعن القانوني في الحزمة المعروضة الآن على محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي.
وفي أحدث نسخة صادرة لإحصاء أحياء “الغيتو”، نُشرت في كانون الأول/ديسمبر 2023، صنفت 12 حيًا على أنها مجتمعات موازية، بعد أن كانت 29 حيًا في 2018 مع تغير البيانات الاجتماعية والاقتصادية أو انتقال الناس إلى خارجها أو انخفاض نسبة غير الغربيين إلى أقل من 50٪.
وتضم هذه الأحياء اليوم حوالي 28.600 شخص، وتتراوح نسبة السكان غير الغربيين فيها بين 53.1٪ و77.4٪، مقارنة بـ 10.1٪ في جميع أنحاء الدنمارك، ومعظم السكان من تركيا أو سوريا أو العراق أو لبنان أو باكستان أو إيران، وأوكرانيا (منذ سنة 2022)، لكن الأوكرانيين مستثنون من سياسات الغيتو. ويشمل تصنيف غير الغربيين الجميع بدءًا من المهاجرين الذين وصلوا مؤخرًا، وحتى الدنماركيين الذين يحملون جوازات سفر مع كون أحد الوالدين على الأقل من البلدان المحددة.
تقول ماكن فيل، وهي معلمة تعيش في غيتو في كوبنهاغن في ميولنيباركن وتنحدر من أصول دنماركية: “نحن ننحدر من خلفيات ثقافية متعددة، ولغتنا المشتركة هي اللغة الدنماركية. إذا استمعت إلى الأطفال عندما يلعبون مع بعضهم البعض، فإنهم يتحدثون دائمًا باللغة الدنماركية”.
تخضع سياسات الإسكان الخاصة بقوانين الغيتو لاحتجاجات منتظمة – بما في ذلك عريضة وقّع عليها 52.000 شخص – ودعاوى قضائية مستمرة لكن لم يُسلَط الضوء على قواعد الرعاية النهارية. بالمقارنة، منذ سنة 2019، تم تسجيل ما لا يقل عن 241 طفلًا في البرنامج الإلزامي المجاني، وتم حرمان عائلات ما لا يقل عن 53 طفلًا من الإعانات العامة لتحديهم القواعد، وذلك وفقًا لبيانات البلدية التي جمعتها “نيو لاينز”، ولا تشمل هذه الأرقام العائلات التي سجلت في الرعاية النهارية بمبادرة منها بسبب التهديد الوشيك بالإكراه القانوني.
ترى أماني حساني، باحثة ما بعد الدكتوراه في جامعة برونيل لندن التي تدرس تأثير قوانين الغيتو، أن هذه السياسة هي شكل من أشكال “ضغط التهجير”، مما يعني أن الأسر ذات الموارد الأفضل يمكنها الانتقال إلى خارج المنطقة للتهرب من القوانين بينما يُترك السكان الضعفاء بسبب افتقارهم إلى الدعم المجتمعي من جيرانهم السابقين.
نظرًا لأنه يتعين على الآباء إرسال أطفالهم الذين يبلغون من العمر سنة واحدة إلى الحضانة، فإن الأشخاص المدرجين في قائمة الانتظار يسافرون عبر المدينة لإيداع أطفالهم في مراكز أخرى
قدمّ المشرّعون المحافظون اقتراح الرعاية النهارية في سنة 2018، متسلحين بدراسة أوليّة تظهر أن الأطفال ثنائيي اللغة ذوي الخلفية غير الغربية سجلوا نتائج سيئة في اختبارات اللغة في سن الثالثة. وبينما يميل هؤلاء الأطفال إلى التحسن مع بلوغهم السادسة، فإن أداءهم بشكل عام كان أسوأ من العائلات أحادية اللغة.
وشملت الدراسة بضع مئات من الأطفال – أولئك الذين آباءهم من الدنمارك والدول الغربية وغير الغربية على حد سواء – واستندت إلى تقييمات لغوية موحدة أقر الباحثون بأنها قد تكون معيبة، لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار كيفية تعلم الأطفال ثنائيي اللغة أو المحرومين اجتماعيًا للغات.
أما بالنسبة للدراسة، فقد قام الموظفون التعليميون بتقييم نطق الأطفال وطلبوا منهم تسمية الأشياء والألوان بناءً على الصور، من بين اختبارات أخرى، وقام الآباء بملء تقارير عن مفردات أطفالهم ثم قام الباحثون بمنحهم درجة لغوية شاملة.
قال باحثون آخرون إنه لا ينبغي لصانعي السياسات استخدام هذه الأنواع من اختبارات اللغة لتبرير الرعاية النهارية الإلزامية لأنها لا تستوعب الطرق المختلفة التي يتواصل بها الأطفال مع بعضهم البعض. وجادلوا بأن الأطفال الصغار لا يحتاجون إلى التقدم في اللغة الدنماركية بنفس الوتيرة من أجل إتقان اللغة.
كما واجهت الخطة معارضة سياسية من المجموعات المهنية مثل نقابة معلمي الطفولة المبكرة والأحزاب اليسارية التي أرادت تشجيع الإقبال على الرعاية النهارية بطرق أخرى، مثل جعل العاملين الصحيين في البلدية يناقشون الرعاية النهارية عندما يجتمعون مع الآباء الجدد. لكن البرلمان الدنماركي أقر التشريع في نهاية المطاف بنسبة تأييد بلغت 78٪.
قالت آني هالسبو-جورجنسن، العضوة في الحزب الاشتراكي الديمقراطي من يسار الوسط الذي وسّع نطاق تشريع الغيتو منذ توليه السيطرة على الحكومة في سنة 2019 خلال مناقشة مشروع القانون في 2018: “لست قلقة للغاية بشأن العنصر الإلزامي، سأختار دائمًا مصلحة الطفل الفضلى إذا كان هذا هو ما هو على المحك”.
في الواقع، يمكن لبرامج الطفولة المبكرة عالية الجودة أن تؤثر بشكل إيجابي على التطور المعرفي والاجتماعي والسلوكي للأطفال، خاصة بالنسبة لأطفال العائلات ذوي الدخل المنخفض والأطفال ثنائيي اللغة. وعلى المدى الطويل، ترتبط هذه البرامج بارتفاع مستويات التعليم ومشاركة الأمهات في القوى العاملة.
ينظر الدنماركيون إلى الرعاية النهارية كأداة لتحقيق تكافؤ الفرص خلال فترة حرجة لنمو الطفل، وقد ضمنت الدولة رعاية الأطفال الشاملة منذ سنة 2004، وهو استثمار اجتماعي يعود إليه الفضل في تعزيز المساواة في الدولة الإسكندنافية التي يبلغ عدد سكانها حوالي 6 ملايين نسمة.
يقول كريستيان ساندبييرج هانسن، الأستاذ المشارك في علم الاجتماع التربوي في جامعة آرهوس والمعارض لقوانين الغيتو: “منذ اختراع الرعاية النهارية في الدنمارك، أصبحت أداةً سياسية، وبالأخص أداة مهنية، لصياغة دولة الرفاهية. لقد أصبح من المتعارف عليه أن الأطفال الذين يبلغون من العمر سنة واحدة يذهبون إلى الرعاية النهارية بطريقة ما”.
تكمن مشكلة سياسة الرعاية النهارية في العنصر الإجباري، فوفقًا للعاملين في مجال رعاية الأطفال والآباء والباحثين إذا كانت الحكومة تريد حقًا زيادة الالتحاق بالرعاية النهارية يجب أن تركز على التوعية والتحفيز لأسر معينة تعاني من مشاكل، وليس التهديد بفرض عقوبات مالية على الأحياء التي تقطنها الأقليات ذات الدخل المنخفض في الغالب.
وقالت ليزا برون، العاملة في مجال رعاية الأطفال في غيتو في آرهوس، ثاني أكبر مدينة في الدنمارك إن “السنوات الثلاث الأولى من حياتك مهمة للغاية”. ولمساعدة الآباء المتشككين على الشعور براحة أكبر عند إرسال أطفالهم إلى الحضانة، تقوم بزيارات منزلية قبل تسجيلهم وتدعوهم إلى البقاء في المركز طالما يريدون.
قواعد الحضانة بمثابة التذكير الأول للآباء غير البيض، وخاصة المسلمين، بالآخر الاجتماعي الذي قد يواجهه أطفالهم عندما يكبرون في الدنمارك
ويبدو أن القاعدة التي تقضي بعدم إمكانية أن يأتي أكثر من 30٪ من الملتحقين الجدد بالحضانة من المناطق السكنية الضعيفة، بغض النظر عن سعة المركز أو ما إذا كان لدى الأسرة طفل مسجل هناك بالفعل، قد تؤدي إلى آثار عكسية. وفي أحد أحياء الغيتو في مدينة إيسبيرغ الساحلية، كانت حضانة “بيديلينز بورنيهوس” نصف فارغة على الرغم من وجود قائمة انتظار طويلة من أطفال الحي، وفقًا لمديرها مايكل فريدريكسن.
ونظرًا لأنه يتعين على الآباء إرسال أطفالهم الذين يبلغون من العمر سنة واحدة إلى الحضانة، فإن الأشخاص المدرجين في قائمة الانتظار يسافرون عبر المدينة لإيداع أطفالهم في مراكز أخرى – عادة ما تكون على بعد ميل واحد إلى ثلاثة أميال، وذلك على حد تعبير فريدريكسن، ولكن في حالة واحدة أكثر من 8 أميال – في انتظار أن يجدوا مكانا في بيديلينز بورنيهوس. لكن الأسر من غير أحياء الغيتو لا تواجه نفس قواعد إعادة التوزيع، ولأنهم عادة ما يرسلون أطفالهم إلى الحضانة في أحيائهم، فإن معدل الالتحاق الإجمالي يظل منخفضًا في بيديلينز بورنيهوس. وقال فريدريكسن إن هذا يعني أن الفرص المتاحة لأطفال الحي قليلة ومتباعدة.
يضيف فريدريكسن، وهو يقف في منطقة لعب هادئة في بيديلينس بورنيهوس: “لقد تلقينا جميعًا تعليمات وتدريبًا على مقابلة الأطفال في مستواهم الأساسي وتنشئتهم. لقد تم إنفاق الكثير من الأموال على التدريب الإضافي، لكن الأراجيح تظل فارغة لأننا لا نستطيع العمل إلا بنصف طاقتنا”.
بعد أن أنجبت مروة مولودها السنة الماضية، كان إدراج ابنتها على قائمة انتظار بيديلينس بورنيهوس من أول الأمور التي قامت بها. يذهب أطفال أختها إلى هناك، وكانت مروة، ذات الأصول التركية والفلسطينية، تحب الأجواء متعددة الثقافات. ولكن عندما حان وقت التسجيل، كانت الحصة البالغة 30٪ تعني التسجيل في مكان آخر حتى تجد مكانا في بيديلينس بورنيهوس بعد عدة أشهر، وهو ما شعرت أنه غير عادل.
قالت مروة، وهي طالبة تبلغ من العمر 22 سنة طلبت استخدام اسمها الأول فقط: “أريد أن أعلم ابنتي أن الجميع جيدون بما فيه الكفاية، وأن تكبر دون القلق بشأن لون البشرة. من الصعب تعليمها مجموعة من القيم، ثم عدم رؤية تطبيقها في جميع أنحاء المجتمع”.
تعكس قواعد الغيتو استراتيجية طويلة المدى لاستخدام الرعاية النهارية التي تفرضها الدولة لاستيعاب الثقافة الدنماركية. منذ سنة 2011، يُطلب من الأطفال الصغار ثنائيي اللغة الذين تبلغ أعمارهم 3 سنوات فما فوق التسجيل في الحضانة إذا اعتُبرت لغتهم الدنماركية غير كافية، وهي قاعدة تم توسيعها لتشمل الأطفال بعمر السنتين في سنة 2016. لكن الأطفال الناطقين باللغة الإنجليزية والألمانية معفون من هذه القاعدة. لهذا السبب، يصف هانسن عبارة “العائلات ثنائية اللغة” بأنها “تعبير ملطف للمهاجرين المسلمين”.
عندما تغطي الصحف الدنماركية هذه المناطق، فإنها تركز على العنف والمخدرات وأنشطة العصابات وإجراءات الشرطة، وتشير إلى الأطفال هناك باسم “أطفال الغيتو”.
بعبارة أخرى، إن قواعد الحضانة بمثابة التذكير الأول للآباء غير البيض، وخاصة المسلمين، بالآخر الاجتماعي الذي قد يواجهه أطفالهم عندما يكبرون في الدنمارك. وقالت حساني إن القوانين “تشير إلى حقيقة أن المجتمع الذي يتم بناؤه هنا، داخل هذه المنطقة السكنية، ليس جيدًا بما فيه الكفاية. ومن هنا تأتي فكرة المجتمع الموازي”.
تم تطبيق قوانين الغيتو بالتزامن مع تحول الدنمارك نحو اليمين فيما يتعلق بالهجرة، التي زادت في السنوات الأخيرة. وفي سنة 2016، أصدر البرلمان قانونًا يلزم طالبي اللجوء بتسليم المجوهرات والأشياء الثمينة الأخرى للمساعدة في تمويل إقامتهم في الدنمارك.
وفي سنة 2018، أصدرت حظرًا على البرقع. وفي سنة 2019، اعتبرت الحكومة أجزاء من سوريا آمنة للعودة إليها وبدأت إلغاء تصاريح إقامة اللاجئين. وفي سنة 2022، أعلنت عن خطط لإرسال طالبي اللجوء إلى رواندا. وفي سنة 2023، قالت رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن، وهي ديمقراطية اشتراكية، إنها تريد سحب الإعانات العامة من النساء غير الغربيات اللاتي لا يعملن بدوام كامل.
وفي سنة 2020، قال ماتياس تيسفاي، وهو ديمقراطي اشتراكي شغل سابقًا منصب وزير الهجرة والاندماج وهو يرأس حاليا منصب وزير التعليم والطفولة، لصحيفة “كوبنهاغن” إن الناس من بعض البلدان “يندمجون في المجتمع الدنماركي دون أي مشاكل، بينما يتخلف البعض الآخر عن الركب” عدة أجيال. لذلك، فإن أهم شيء يمكننا القيام به هو إبقاء التدفق منخفضا من البلدان التي يعاني مهاجروها أكثر من غيرهم مشاكل في الاندماج.
من خلال المتحدث الرسمي، رفض تسفاي طلب إجراء مقابلة. كما رفض الديمقراطيون الاشتراكيون، وتحالف الأحمر والأخضر – وهو حزب يساري عارض قوانين الغيتو – والعديد من السياسيين المحليين، إما الطلبات أو لم يستجبوا لها.
وفي حين يميل الدنماركيون إلى تبني وجهات نظر إيجابية بشأن الهجرة، تسرب الخطاب السياسي المتشدد إلى الجمهور. من المرجح أن تختار الأسر ذات الأصول الدنماركية الانسحاب من مدارسها العامة المحلية إذا تجاوزت نسبة الطلاب غير الغربيين 35 ٪، وذلك وفقا لدراسة نُشرت سنة 2010 في كوبنهاغن. وفي الآونة الأخيرة، وجد المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان أن الأسر البيضاء والميسورة هي الأكثر احتمالا لاختيار عدم الالتحاق بالمدارس العامة المحلية إذا كانت منطقتهم تضم غيتو.
وعندما تغطي الصحف الدنماركية هذه المناطق، فإنها تركز على العنف والمخدرات وأنشطة العصابات وإجراءات الشرطة، وتشير إلى الأطفال هناك باسم “أطفال الغيتو”. وقال هانسن إنه إلى جانب سياسة الغيتو نفسها، تعمل التغطية الإعلامية على ترسيخ فكرة أن جميع المشاكل الاجتماعية في البلاد تتركز في هذه الأحياء.
في المقابل، لدى السكان رؤية مختلفة لمجتمعاتهم. ترعرعت بنات إبراهيم الخطيب (57 سنة) الثلاث في غيتو في هوجي تاستروب، بعد انتقاله من لبنان إلى الدنمارك في سنة 1990. قال مدير مشروع تكنولوجيا المعلومات إن صورة حيّه كمجتمع موازٍ منغلق لا صدى لها، لكنه اضطر في السنة الماضية إلى مغادرة المنطقة لأنه كان من المقرر هدم المبنى الذي يسكنه كجزء من خطة تطوير الإسكان. وأوضح الخطيب: “كان المكان آمنًا جدًا لأطفالي والأطفال الآخرين – كانوا هناك يلعبون ولم يكن هناك أي شيء خطير. أنا أسميه الغيتو الأكثر روعة في الدنمارك. كان من الصعب جدًا بالنسبة لي ولعائلتي الانتقال من هناك”.
بمرور الوقت، يستوعب الأطفال رسائل الوصم التي يسمعونها أثناء نشأتهم. ووفقا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لسنة 2015، شعر 63٪ من الأطفال الدنماركيين الذين ينحدر آباءهم من العراق أو الصومال بالانتماء في المدرسة، أي أقل بنحو 20 نقطة مئوية مقارنة بفنلندا، وهي أيضا دولة اسكندنافية مثل الدنمارك.
قالت كريستينا باكير سيمونسن، عالمة السياسة في جامعة آرهوس: “في كثير من الأحيان، عندما يكبر الأطفال بما يكفي لفهم كيف لا يُنظر إليهم دون أدنى شك على أنهم دنماركيون، على سبيل المثال، يبدأون الشعور بالأذى والإحباط”.
تستعد فريدة، التي ولدت في سوريا وتربي أطفالها الثلاثة في نفس الغيتو في كوبنهاغن حيث نشأت، بالفعل لهذه المحادثات. فعندما أرادت ابنتها البالغة من العمر 9 سنوات تجربة ارتداء الحجاب لبضعة أيام، حاولت فريدة منعها خوفًا مما قد تواجهه بمجرد مغادرة الحي الذي تعيش فيه، حيث يعتبر حوالي ثلاثة أرباع الناس من غير الغربيين.
قالت فريدة، وهي قابلة تبلغ من العمر 37 سنة طلبت استخدام اسمها الأول فقط: “لا أريد لأطفالي أن يكبروا ويعيشوا هذه التجربة في مثل هذه السن المبكرة. عندما يحين وقت مناقشة وصمة العار في الحي، أود أن أسمح لهم بالتوصل إلى استنتاج حول ما إذا كانت تلك الوصمة مبنية على العنصرية أو أي شيء آخر، لكنني أعتقد أن الأطفال أذكياء. سوف يكتشفون الأمور”.
رفع العديد من سكان الغيتو – البيض وغير الغربيين على حد سواء – دعاوى قضائية للطعن في القوانين المطبقة عليهم. وفي القضية الأكثر شهرة، ستقرر محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي ما إذا كانت تسمية “غير غربي” تميز الأشخاص على أساس عرقهم. وإذا كان الأمر كذلك، فإن خطط التنمية الدنماركية لمناطق “الغيتو” يمكن أن تشكل تمييزًا عنصريًا بموجب قانون الاتحاد الأوروبي. وتزعم الحكومة الدنماركية أن كلمة “غير غربي” هي علامة تشير إلى الجنسية أو البلد الأصلي، وليس العرق أو الإثنية.
ومن المقرر أن تنظر محكمة الاتحاد الأوروبي في القضية في شهر تموز/ يوليو، ويصدر القرار في وقت مبكر من السنة المقبلة، وذلك حسب ما تقوله ماث من مبادرة عدالة المجتمع المفتوح. إن النصر القانوني للمقيمين من شأنه أن يرسل إشارة إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى بأن قوانين مكافحة التمييز في الكتلة سيتم دعمها، “وأنه لا يمكنك التهرّب منها باستخدام صياغة بديلة للأصل العنصري أو الإثني، أو من خلال معاملة المجموعات العنصرية على أنها “مواطنون من الدرجة الثانية باسم شيء مثل الإدماج”، وذلك على حد تعبير ماث.
وقال فيلي، أحد سكان ميولنرباركن، وهو أحد المدعين في الدعوى القضائية، إن العديد من العائلات قبلت إعادة الإسكان الدائم في مكان آخر بعد أن سئمت من حالة عدم اليقين التي أحدثتها الدعاوى القضائية المختلفة والنزوح من المساكن.
وعندما صدرت النسخة الأخيرة من قائمة الغيتو في كانون الأول/ ديسمبر 2023، لم تكن ميولنرباركن، مدرجة فيها للمرة الأولى. لم تتغير إحصاءاتها المتعلقة بالتعليم والدخل والتوظيف والإحصاءات الجنائية إلا بصعوبة، ولكنها لم تعد مؤهلة ليتم احتسابها. وانخفض عدد السكان إلى 966، حيث غادر عدد كافٍ من الناس.
وأضاف فيلي: “لقد عاش الكثير من الناس في ميولنرباركن لمدة 30 أو 20 سنة تقريبًا، وأصبحوا قريبين من جيرانهم لأنهم أصبحوا مثل عائلاتهم في بلد بعيد عن عائلاتهم. لذلك فقد تم اقتلاع شبكة الدعم القوية للغاية هذه للعديد من الأشخاص”.
لم يكن هناك سوى القليل من التأجيل أثناء سير الدعاوى القضائية. واليوم، تستمر عمليات هدم المساكن والإخلاء، وتبتعد الأسر التي لديها الوسائل اللازمة للقيام بذلك عن “الغيتوات”. ويتعيّن على الآباء أن يطلبوا من الدولة الإذن لإبقاء أطفالهم في المنزل، بينما يتم إرسال الأطفال الدنماركيين الصغار إلى الحضانة ليتعلموا كيف يصبحوا دنماركيين. وبالنسبة للآباء الدنماركيين من ذوي الخلفيات غير الغربية، فإن سياسات الغيتو تعكس إحجام الدنمارك عن قبول مجتمع متعدد الثقافات. وفي الوقت الراهن، ينتقل هذا الصراع إلى أطفالهم. وحيال هذا الشأن، قال عبد الحميد: “لا أستطيع الاختيار بين الاثنين. أنا أحلم باللغة الدنماركية، وأفكر باللغة الدنماركية، وأتحدث باللغة الدنماركية. لكن في الوقت نفسه، جزء من هويتي فلسطيني”.
المصدر: نيولاينز