مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الجزائر المزمع إجراؤها ربيع العام القادم، بدأت عدد من الشخصيات والأحزاب المعارضة في هذا البلد العربي التحضير والتنسيق فيما بينها لاختيار مرشح واحد عنها وتقديمه لخوض هذه الانتخابات ومواجهة مرشح أحزاب الموالاة (السلطة) الذي لم يتأكد بعد اسمه رسميًا، فهل تترك هذه الأحزاب خلافاتها وتصل لاتفاق جدي فيما بينها؟
مبادرة جديدة
مؤخرًا، بدأ حزب “جيل جديد” المعارض (علماني) الذي يترأسه سفيان جيلالي، في القيام باتصالات ومشاورات مع مجموعة من الشخصيات والأحزاب في المعارضة لدراسة إمكانية الدفع بمرشح توافقي يمثل المعارضة في الانتخابات الرئاسية القادمة، على أن تظهر ثمارها في غضون شهر يناير الحاليّ.
وتتمثل مبادرة الحزب في طرح تقديم مرشح توافقي للمعارضة على أساس أن يكون دعمه مشروطًا بقيادة مرحلة انتقالية تتكون من ولاية رئاسية واحدة، تُكلَف خلالها حكومة وحدة وطنية تشمل طيفًا واسعًا من المكونات السياسية، بحيث تعمل هذه الحكومة على إنشاء لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات تُشرف على انتخابات تشريعية تزيل شبهة التزوير عن البرلمان، إضافة إلى تعديل الدستور.
لا يمكن لأي مرشح يترشح باسم حزبه أن ينجح ويفوز على مرشح المولاة
وتسعى أحزاب المعارضة إلى استثمار الانقسام الحاصل في صفوف أحزاب السلطة، وتعرف الساحة السياسية الجزائرية هذه الأيام احتدام الجدال بين أذرع الحكم المختلفة، وصل حد تبادل الاتهامات بين قيادات الأحزاب الموالية (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي)، وذلك مع اقتراب نهاية الولاية الرابعة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة التي تنتهي السنة المقبلة.
وترى عديد من الأحزاب الجزائرية المعارضة ضرورة تقديم مرشح واحد لهم يقع الاتفاق بينهم على دعمه كليًا لمنحه فرص أكثر للفوز في هذه المحطة الانتخابية المهمة في تاريخ الجزائر، فلا يمكن لأي مرشح يترشح باسم حزبه أن ينجح ويفوز على مرشح المولاة.
أسماء مقترحة
بالتوازي مع هذه المشاورات برزت بعض الأسماء التي من الممكن أن تقود المعارضة في انتخابات الرئاسة، من بينها رئيس الحكومة السابق مولود حمروش، حيث أطلق ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عريضة لدعم ترشحه باعتباره “رجل المرحلة” كما وصفوه.
يوصف حمروش الذي يبلغ 74 سنة بأنه “مهندس مرحلة الانفتاح السياسي في الجزائر من خلال دستور العام 1989 الذي أنهى مرحلة حكم الحزب الواحد خلال قيادته للحكومة من (1989 إلى 1991) لكن اسمه يعود مع كل انتخابات رئاسة إلى الواجهة منذ تلك الفترة.
وعام 1999 ترشح حمروش لمنافسة الرئيس الحاليّ عبد العزيز بوتفليقة لكنه انسحب رفقة مرشحين آخرين بدعوى “وجود انحياز من النظام لبوتفليقة” ومنذ ذلك الوقت يرفض دخول سباق الرئاسة “لعدم وجود ضمانات لنزاهته” كما يقول في كل مرة.
إلى جانب حمروش، برز اسم رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، ومؤخرًا قال بيتور إن الوضع الحاليّ الذي تعيشه البلاد صعب، مؤكدًا أنه لا وجود لعمل سياسي في الجزائر، لأن النظام لا يعترف بشيء اسمه المعارضة.
أحمد بن بيتور رئيس الحكومة الأسبق
شغل بيتور العديد من المناصب الوزارية وترأس عديد من اللجان الاقتصادية والمالية في البلاد، كما شغل منصب رئيس للحكومة غير أنه لم يبق في هذا المنصب سوى نحو تسعة أشهر، من 23 من ديسمبر/كانون الأول 1999 إلى 27 من أغسطس/آب 2000، قبل أن يقدم استقالته إثر خلافات مع الرئيس بوتفليقة، وتمحور الخلاف حول فهم الدستور فيما يخص مهام الرئيس ومهام رئيس الحكومة، والعلاقة بين الطرفين، وذلك كما صرح بن بيتور بنفسه.
ضرورة التوافق بين الجميع
في الوقت الذي طرح فيه حزب “جيل جديد” هذه المبادرة لتقديم مرشح واحد للانتخابات الرئاسية القادمة، قلل زعيم أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر (حركة مجتمع السلم) من أهمية المشاركة في هذه الانتخابات أصلاً وجدوى القيام بها.
مقري شدد على ضرورة إنقاذ البلاد عوض الاهتمام بالرئاسة
وقال عبد الرزاق مقر في هذا الشأن: “انتخابات الرئاسة المرتقبة في 2019 عديمة الجدوى”، مبرزًا أن “مرشح التوافق” الذي تبحث عنه المعارضة تحسبًا للموعد نفسه “عديم الجدوى” أيضًا، على اعتبار أنه أيًا كان الرئيس الذي سيحكم البلاد بعد عام، فإنه لن يتمكن من مواجهة الأزمة المالية التي تتخبط فيها البلاد، حسب رأيه.
مقري شدد على ضرورة إنقاذ البلاد عوض الاهتمام بالرئاسة، حيث ذكر، في تدوينة له على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أنه “في الوقت الذي يهتم فيه ناشطون بالساحة السياسية بالانتخابات الرئاسية، وبمن يكون رئيسًا للجمهورية، يتجه اهتمامنا نحن في حركة مجتمع السلم إلى هذه الآفاق الخطيرة، آفاق اقتصادنا الوطني، وبدل أن نهتم بمن يكون رئيسًا ومن نصارع، ومن نحالف وكيف ننافس ومن ننافس، يتركز اهتمامنا عن البحث عن السبل لإنقاذ البلد وفتح آفاق مستقبلية واعدة، وعوضًا عن البحث عمن سيحكم البلد، يسيطر على تفكيرنا كيف سيحكم البلد”.
ويرى زعيم حركة مجتمع السلم الإسلامية ضرورة التوافق بين جميع المكونات على تجاوز الأوضاع الحاليّة للجزائر، وقال في هذا الشأن: “لم يبق للجزائر بعد ضياع الفرص والأوقات والموارد، إلا التوافق بين جميع الفاعلين في الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لإنقاذ الموقف، ولنسم ذلك ما نشاء: انتقالاً ديمقراطيًا أو تحولاً ديمقراطيًا أو انتقالاً سياسيًا أو انتقالاً اقتصاديًا أو إجماعًا أو تفاوضًا أو توافقًا أو تفاهمًا أو تآلفًا أو تحالفًا، لا تهم الأسماء، المهم أن ينتبه الجزائريون إلى أنهم يوشكون على الغرق”.
صعوبة الاتفاق
هذه الدعوات تقابلها صعوبات عديدة، ذلك أن المعارضة الجزائرية تعيش حالة انشقاق كبيرة حتى في صفوف الحزب الواحد، مما يجعل إمكانية الاتفاق على دعم مرشح واحد مسألة صعبة ولا يمكن الوصول إليها في الوقت الحاليّ، خاصة أن الجميع يذكر فشل مبادرات تجميع المعارضة سابقًا.
وعام 2013 دخلت عدة أحزاب وشخصيات جزائرية معارضة من مختلف التيارات في تكتل موحد سمي “تنسيقية الانتقال الديمقراطي” ثم بعدها تحول إلى “هيئة التشاور والمتابعة للمعارضة” ورفع مطلبًا رئيسًا هو التغيير السلمي لنظام الحكم، لكن هذا التحالف تلاشى بعد انتخابات الرئاسة عام 2014، على إثر اختلاف مكوناته بشأن طريقة التعامل مع الاقتراع الذي ترشح فيه الرئيس بوتفليقة بين مقاطع ومشارك.
إعادة الأمل إلى الشارع
إلى جانب تقديم مرشح واحد، يفترض على أحزاب المعارضة حسب عدد من الخبراء، أن تعمل على إعادة الأمل إلى الشارع الجزائري، حيث فقد الجزائريون الأمل في التغيير، ويفسر ذلك انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة في البلاد التي أجريت في مايو الماضي، حيث لم تتجاوز 38.25%، وهي أقل من تلك المسجلة في 2012 حيث بلغت 43.14%، في حين لم تتعد نسبة المشاركة في 2007 نسبة 35.65%.
ورغم أن المجتمع الجزائري مجتمع شاب، إذ تشير بعض الإحصاءات إلى أن هذه الفئة تمثل أكثر من 70% من المجتمع، وعدد كبير من هؤلاء الشباب من خريجي الجامعات، فإن أغلبهم يعزف عن السياسة، ولا يثقون في رجالها سواء المعارضة أو السلطة، ويعدونهم السبب في أزمات عديدة تعيشها بلادهم حاليًّا.
لا يرى الجزائريون أن مشاركتهم في الحياة السياسية سيكون له تأثير كبير
ويؤكد متابعون للشأن العام في البلاد، ضرورة التوجه إلى الشباب لإقناعه بضرورة العمل السياسي والمساهمة في التغيير الذي يطمح له، خاصة أن المعطيات تشير إلى أن الوضع سيبقى على حاله وأن الأحزاب الحاكمة ستبقى في السلطة لفترة أخرى يجهل الجميع موعد نهايتها، في حال استمر عزوفهم عن العمل السياسي.
ولا يرى الجزائريون أن مشاركتهم في الحياة السياسية سيكون له تأثير كبير، ذلك أن الواقع السياسي الحاليّ الذي يتسم بالتدهور والتدني، مقارنة بالطموحات والآمال التي ينشدها الغالبية في سكن وعمل وترفيه، تسيطر عليه وجوه تأبى أن تستقيل، وتقف عائقًا كبيرًا أمام الشباب خاصة والشارع الجزائري عامة في التطوع لخدمة البلد من بوابة السياسة.