هل تسببت “غصن الزيتون” بخسارة المعارضة مناطق بإدلب؟

8471025

مضت عدة أسابيع على هجمة قوات النظام الشرسة على قرى وبلدات ريفي حلب وإدلب الجنوبيين وريف حماة الشمالي، سيطرت فيها قوات النظام المدعومة من الطيران الروسي والميليشيات المساندة له، على مئات القرى كانت قد خسرتها قوات المعارضة السورية، الأمر الذي كشف هشاشة دفاعات قوات المعارضة وخاصة هيئة تحرير الشام للهجمة.

في حين كان لتلك التقسيمات التي يتبعها الروس والأتراك الحليفين الدوليين أحدهم لقوات النظام والآخر لقوات المعارضة التي أصبحت تلك الدول تتخذ قراراتهما خارج البلاد، دون مبرر عسكري للشارع السوري من قبل قوات المعارضة وهيئة تحرير الشام التي تبسط سيطرتها على إدلب.

كان لهجمة قوات النظام السوري وحلفائه على المنطقة التي تتلاقى فيها أرياف المحافظات الثلاثة، الرمق الأخير لروسيا قبل انطلاق مؤتمر سوتشي الذي عقد في مدينة سوتشي الروسية وباء بالفشل كأنما الأسد يصافح ذاته.

في الوقت ذاته كانت تدور مباحثات سياسية بين أنقر وموسكو اللتين اقتسمتا البقعة السورية، في حين لا تزال تلك المباحثات تجري على خلفية مؤتمر أستانة الذي يقضي بنشر قوات تركية للمراقبة على جبهات قوات النظام السوري في ريف حلب الجنوبي، وقبيل تنفيذ البنود كانت قد سيطرت قوات النظام على مطار أبو ظهور العسكري ومناطق شاسعة.

وعندما شنت قوات النظام الحملة العسكرية، أين كانت قوات المراقبة التركية؟ سؤال يطرح نفسه ولماذا لم تنتشر قبيل تقدم قوات النظام؟ هكذا بدأت الأسئلة تجول في عقول السوريين الذين خسروا مناطقهم، على حساب التجاذبات السياسية بين أنقرة وموسكو، ونحن كسوريين لا نعول على موسكو التي دخلت عامها الثالث وهي تستهدف المدنيين في المناطق المحررة، لكن الضامن التركي تعهد بحماية أمن المنطقة.

أفادت مصادر عسكرية من قوات المعارضة بريف إدلب أن عملية “غصن الزيتون” ليس لها أي تأثير على مجريات المعارك في إدلب، حيث إن القوات المشاركة في المعركة توجد بالأساس في مناطق “درع الفرات” بريف حلب الشمالي وخارج إدلب

ومن جانب آخر كشفت معركة غصن الزيتون ما يجري تحت الطاولة، فيما برز الشارع السوري قوله: “الباب للأتراك مقابل حلب للروس، والآن عفرين للأتراك مقابل إدلب للروس”، تلاعبات سياسية وقودها الشعب السوري وأرضه العربية في حين تفنى المطامع الأمريكية في منطقة الجزيرة شرق سوريا بين التجاذبات التركية الروسية.

وعلى خلفية التجاذبات انسحبت القوات الروسية من عفرين، إبان إعلان تركيا معركة “غصن الزيتون” في حين كانت الطائرات الروسية تدك مناطق المدنيين بريف إدلب وحلب، والأتراك بغصن الزيتون مشغولين، تتنافى التبريرات عن ذلك الاعتقاد لكن التاريخ يعيد نفسه، الآن إدلب ربما الآخر ما بقي من اللون الأخضر كما يقال.

لا يمكننا القول إن المعركة انتهت، لا بل ابتدأت، فقبل عدة أيام شنت قوات النظام حملة عسكرية استكملت فيها السيطرة على عدة قرى متجهة نحو الغرب إلى سراقب ثم كفريا والفوعة، وكانت المسافة التي تفصل سراقب عن قوات النظام 30 كيلومترًا، في حين كانت تشهد المدينة قصفًا جويًا مكثفًا بشكل يومي تتناوب عليها عدة طائرات أودت بحياة العشرات من المدنيين، في الوقت ذاته كان مؤتمر سوتشي قيد التنفيذ، فيما رجح محللون أن الحملة الجوية كانت للضغط على قوات المعارضة وهيئتها لحضور المؤتمر.

وبعد سلسلة انكسارات متتالية أمام قوات النظام والميليشيات المساندة له التي نجحت في السيطرة على مساحات واسعة ومناطق إستراتيجية في أرياف إدلب وحلب وحماة في الجهة الشرقية لخط سكة الحديد الشهير “خط الحجاز” لا سيما ناحية سنجار ومطار أبو الظهور العسكري.

فيما أحرزت قوات النظام تقدمًا سريعًا كان تحت غطاء ناري كثيف من الطيران الحربي والمروحي والطيران الروسي، بالإضافة إلى المدفعية والصواريخ واستخدام غاز الكلور السام عدة مرات لا سيما في الخوين والسلومية والجدوعية، وهو ما أجبر الفصائل المقاتلة على الانسحاب والتراجع في ظل عدم وجود خطوط دفاعية كافية، ولم تخف المليشيات رغبتها في الوصول إلى قريتي كفريا والفوعة “قرى ذات أغلبية شيعية”، وهنا تجدر الإشارة إلى أن معظم تلك المناطق كانت تخضع لسيطرة هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” في وقت سابق.

كان الهدف من الحملة الروسية الأخيرة، ردًا من روسيا على إسقاط طائرتها التي كانت تقصف مدينة سراقب، التي استهدفت عشرات المشافي والنقاط الطبية، بالإضافة إلى استخدام غاز الكلور السام الذي تسبب بالعديد من حالات الاختناق والإغماء بين المدنيين

وعلى خلفية وصول التهديدات إلى مدينة سراقب ذات الأهمية الإستراتيجية والواقعة على طريق حلب دمشق الدولي، استجمعت قوات المعارضة قوامها مشكلة غرفة عمليات “دحر الغزاة” ونجحت باستعادة عدد من المناطق في ريف إدلب الشرقي ووقف زحف قوات النظام.

في حين لا تتلقى غرفة عمليات “دحر الغزاة” دعم من أي جهة أو دولة، والفصائل تعتمد على مقدراتها الذاتية والغنائم التي يتم الحصول عليها من خلال الإغارة على مواقع العدو، وهذه الغرفة تشكلت أساسًا من غرفتي عمليات “رد الطغيان” و”إن الله على نصرهم لقدير”، وهذا الأمر الذي يمكنه الدفاع عن مناطق المعارضة في حال لم توقفه القوات التركية من جهتها لتنفيذ بنود اتفاق نشر قوات المراقبة.

فيما أفادت مصادر عسكرية من قوات المعارضة بريف إدلب أن عملية “غصن الزيتون” ليس لها أي تأثير على مجريات المعارك في إدلب، حيث إن القوات المشاركة في المعركة توجد بالأساس في مناطق “درع الفرات” بريف حلب الشمالي وخارج إدلب، وأكدت المصادر أن الحديث عن توجه أرتال قوات المعارضة من إدلب إلى عفرين غير دقيق، وأن هناك بالفعل أفراد توجهوا للمشاركة في المعركة لكنهم من أبناء تلك المناطق ولم يشكل خروجهم أي تأثير على ميزان القوى في الشمال السوري.

 الجانب السياسي يبقى بين خفايا الدول التي تفرض قواتها في المنطقة، وما يدور داخلها من تقارب مصالح

واعتبرت المصادر أن دخول تركيا لتثبيت نقاط مراقبة جديدة يصب في مصلحتهم ومن شأنه تخفيف القصف على الأهالي والمشافي والمنشآت الحيوية في إدلب من روسيا وقوات النظام، وأن هناك عرقلة إيرانية واضحة تجلت باستهداف القوات التركية عدة مرات لمنع تثبيت نقاط المراقبة التي من شأنها إفشال الخطط الإيرانية التوسعية في المنطقة.

وكان الهدف من الحملة الروسية الأخيرة ردًا من روسيا على إسقاط طائرتها التي كانت تقصف مدينة سراقب، التي استهدفت عشرات المشافي والنقاط الطبية، بالإضافة إلى استخدام غاز الكلور السام الذي تسبب بالعديد من حالات الاختناق والإغماء بين المدنيين، وهو ما ينفي ادعاءات قوات النظام وروسيا بالتخلص من مخزون الأسلحة الكيماوية، وعلى هذا شهد ريف إدلب حملة جوية شرسة أخرجت عدد كبير من المشافي والمراكز الحيوية عن العمل.

يتضح الأمر أكثر أن لا علاقة لغصن الزيتون بمعارك قوات المعارضة في إدلب ضد قوات النظام هذا من الجانب العسكري لا يمكن إخفائه، لكن الجانب السياسي يبقى بين خفايا الدول التي تفرض قواتها في المنطقة، وما يدور داخلها من تقارب مصالح.