سوريا .. أشواك الورد

131124121336_syria_war_640x360_bbc_nocredit

ماذا يدور في ذهنك عند سماع كلمة سوريا ؟

هل تتذكر الفيديوهات البشعة المنتشرة على مواقع الشبكة العنكبوتية ؟ هتاف الشباب في درعا، “جنة جنة جنة، جنة يا وطنا”، صراخ أم على أطفالها، “حسبنا الله و نعم الوكيل فيك يا بشار”، “ليش عم يصير إلنا هيك” !!

كل تلك المشاهد و الأصوات تدور في عقلك الباطن منذ بداية الثورة السورية أليس كذلك ؟! هل رأيتها رأي العين في سوريا ؟ هل شهدت القصف بالبراميل و التكبير و التهليل ؟ هل تفقدت جثث تم إنتشالها من تحت الأنقاض ؟ هل وضعت يدك وسط الدماء كما تضعها في المياه كل صباح ؟ 

إن كانت الإجابة “نعم” فأنت من “مُدمّري النفس” و إن كنت صلباً ذا بأس فالمشهد فوق طاقة المُشاهد، و الضغط جعل الصبر داخلك كالكرة الزجاجية التي مرت عليها حافلة حتى لو أنكرت أنت هذا، أمّا إن كانت إجابتُك “لا” فأنت قطعاً من “مُدمّري العقل” حتى و إن رأيت الحق أمامك رأي العين، فالحدث فوق طاقة الفِكر، و النتائج لا علاقة له بمنطق إنساني أو حيواني حتى.

الإجابة بنعم نتيجتها دمار للنفس و الإجابة بلا نتيجتها دمار للعقل، أما إن كانت الإجابة من ثغر لم يتجاوز عمر الأطفال فاعلم أنه مُدَمّر النفس و العقل كليهما سواء كانت إجابته بالإيجاب أو بالسلب.

طفلٌ لم يري في حياته القصيرة سوى القتل و الخراب و الدمار، و طفلٌ آخر يسمع كل يوم أخباراً عن بلدته التي تركها مع أهله، بيتهم المُدمر، دُميتها التي تركتها و هي تهرب بحياتها تحت القصف،بارودتُه التي يحملها و من في سنه لا يقوي على رفعها شبراً واحداً عن الأرض. كلها أحداث كفيلة أن تصنع منه مشوه الروح ناهيكم عن التشويه الجسدي و القتل و التنكيل.

على مدار ثلاثة أعوام من الثورة السورية كان الأطفال هم الخاسر الأكبر، فطفل كل ثلاثة أطفال مُصاب، سبعة آلاف طفل – على الأقل – لقوا حتفهم،أكثر من مليون طفل يعانون في الملاجئ و ما يقارب الخمسة ملايين طفل بحاجه إلى إغاثة عاجلة. 

هذا حديث الأعداد الموثقة، لكن هناك أعداد أخرى غير مُرقّمة و ليست قابلة للتوثيق، إنها درجات الألم في نفوسهم، أعداد الكوابيس التى تزورهم كل يوم، الجثث التى يعرفون أصحابها بشكل شخصي، فوراء كل شهيد بالغ في سوريا طفلٌ يفتقده. الدموع و قطرات الدم التي تقطُر منهم عند سماع صوت الرصاص، صراخ أمهاتهم أما أعينهم و هن لا حول لهن ولا قوة،برد المخيمات و إفتراس الجوع لأمعائهم الخاوية، الذغر و الخوف في نفوسهم.

في سوريا الآن جيل مشوه، مفقودٌ بين جيل الماضي و ليس له الإختيار في أن يكمل حياته ليأتي بأجيال أخرى، القصف المستمر ضرب قلوبهم قلب بيوتهم، جيل الأطفال السوريين لا يملك الآن إلا خيارين لا ثالث لهما، إما موت الجسد و راحة أبدية، إما موت الروح و معاناة لا نهاية لها. 

ما يحدث لأطفال سوريا هو أنهم يدفعون ثمن فعلتهم في درعا منذ ثلاث سنوات عندما كتبوا على جُدران مدرستهم مطالبين بما يُسمى الربيع العربي لكي يصل لسوريتهم. هل أخطأ الأطفال عندما طلبوا ورد الربيع دون التفكير في أشواكه ؟ هل هذا جزاؤهم لأنهم لم يحسبوا حساباً للخوف ؟!