“إيه يعني 70 سنة في عمر مصر”..
كنا جلوسًا مع أحد المهزومين الذين كفروا ببلدهم، وأصبح كل همه إجراء المقارنات بين مصر وغيرها، مبررين موقفهم بتلك الفترة الكبيرة التي حكم العسكر فيها مصر وتأخرها في كل نواحي الحياة، فكان من السهل عليهم سبها ونكران فضلها، حتى انفجر حسن في وجهه قائلاً: “وإيه يعني 70 سنة في عمر بلد زي مصر، مصر هتفضل مصر، وأنت هتفضل إنسان لا يوجد لك قيمة من غيرها”، كنت دائمًا أذكر تلك الكلمة في حضوره وحتى بعد عودته.
حسن الذي عرفته لم يتحمل الحياة خارج مصر، لم يتحمل الحياة دون أصحابه ورفاقه. لا أذكر يومًا واحدًا من أيام الله لم نتقابل فيه طيلة فترة وجوده في إسطنبول، الساعة الرابعة مساءً وقبل أن أنهي عملي، استقبل يوميًا مكالمة من حسن يقول فيها: “أنت فين؟ هتخلص أمتى؟ طب يلا نتقابل”.
كل الجالية المصرية تذكر لنا تلك الليلة التي تعاركنا فيها حتى هددنا بعض الأهالي بالشرطة، حتى تلك اللحظة لا أذكر كيف احتدمت الأمور بيننا لنصيح – وأنا خصيصًا – بهذا الشكل في طرقات إسطنبول، كل ما أذكره أن الخلاف كان سببه “دور شطرنج”، والغريب أننا تقابلنا في اليوم التالي لنكمل اللعب وتعاركنا في آخر اليوم مرة أخرى، عندما يراني محتدًا غاضبًا بسببه، يقول ضاحكًا: “والله لهجيبلك الضغط قبل ما أرجع”.
في أول مكالمة بيني وبينه حين عاد للقاهرة قال لي: “طبعا مش لاقي حد يرازي فيك من يوم ما سافرت”، ضحكت وقلت في نفسي: “مين زيك يا حسن”.
أذكر أواخر كل شهر وكيف كنا نتقاسم ما تبقى معنا من ليرات معدودة كل ليلة، أذكر نبرة صوتك المبتهج: “يلا يا زميلي نسهر النهاردة أنا معايا فلوس”، خلعت قلادتي لك يوم عودتك للقاهرة وقلت: “ذكرى يا حسن”، لم أنس تلك الليلة قط يا صديقي، لم نتعارك، لم أصح كالعادة، كانت ليلة باردة، حتى بعد سفرك، كنت أنظر لهاتفي كل يوم الساعة الرابعة منتظرًا تلك المكالمة: أنت فين؟ هتخلص أمتى؟ طب يلا نتقابل.
أنظر لكلامي الآن وأبكيك يا صديقي، كم كنت أتمنى لو أنني لم أسطر حرفًا واحدًا من كلامي هذا وبقيت معي هنا نتراشق ونتعارك طيلة الليل ونعود فنكمل في اليوم التالي.
يا صديقي كل كلمات الحب لا تكفيك، نادم أنني لم أخبرك بكل هذا قبل اليوم. يا حسن، غدًا ستكون بيننا لنكمل هذا الصراع الذي بدأ كي لا ينتهي، ولا تنسى أن لآخر دور شطرنج بيننا كنت أنا الفائز، أسامة ومحمود شهود على هذا.