ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب بيثاني آلين إيبراهيميان، وريس دوبين
في خضم الأزمة الإقليمية الجارية، التي أشعلتها كل من المملكة العربية السعودية ومعظم دول الخليج الأخرى ضد دولة قطر الصغيرة، باتت مختلف الأطراف تتهافت من أجل تحسين سجل العلاقات العامة في واشنطن، علما وأن الأمر أشبه بسباق نحو التسلح. في الأثناء، حاولت كلتا الجبهتين كسب الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام الأمريكية إلى صفها. وخلال السنة الماضية، أغرقت قطر العاصمة الأمريكية واشنطن بالمال من أجل كسب تأييدها. فضلا عن ذلك، عمدت الدوحة إلى التعاقد مع العديد من الشركات الاستشارية، بغية مساعدتها على تعزيز علاقاتها مع الحكومة الأمريكية في خضم الأزمة التي تشهدها.
في الأسبوع الماضي، تُوجّ هذا التنافس حول تحسين العلاقات العامة من خلال الحوار الاستراتيجي الأول من نوعه الذي جمع الولايات المتحدة وقطر. وقد عقد هذا اللقاء على هامش سلسلة سنوية من الاجتماعات الثنائية بين مسؤولين رفيعي المستوى من كلا الجانبين، وذلك في واشنطن، فضلا عن إطلاق خلية تفكير جديدة تم تأسيسها من قبل الدوحة.
في غرة شباط/ فبراير، وقع افتتاح خلية تفكير، أطلق عليها اسم منتدى الخليج الدولي، وذلك خلال مأدبة غداء في نادي الصحافة الوطني الأمريكي. وخلال إحدى حلقات النقاش التي تضمنتها فعاليات هذا الحدث، بادر نائب رئيس المركز القطري للصحافة الموالي للحكومة القطرية بإلقاء خطاب. وتجدر الإشارة إلى أن سفير الولايات المتحدة السابق في قطر، باتريك ثيروس، يعمل مستشارا في خلية التفكير السالف ذكرها.
من جانبها، أفادت رئيسة خلية التفكير القطرية، دانية ظافر، الحاصلة على درجة الماجستير في الاقتصاد السياسي من جامعة نيويورك، التي تنحدر أصولها من الكويت، أن “خلية التفكير مستقلة ولا تتلقى تمويلا مباشرا من الحكومة القطرية، ولكنها تحظى بالدعم المالي من قبل منظمات تُمولها الحكومة”. فضلا عن ذلك، أشار أحد المحللين المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، الذي رفض الكشف عن هويته إلى أن “انتشار” مراكز التفكير “التي يتم تمويلها بشكل واضح من قبل الحكومات التي تدفع نحو تحقيق أهداف معينة، بات من التوجهات التي برزت بشكل كبير خلال السنة الماضية”.
تواجه الدوحة خصما خطيرا، حيث دأبت المملكة العربية السعودية على تخصيص جملة من الموارد المالية في إطار حملتها للتأثير على العاصمة الأمريكية
أما في سنة 2017، وقع بعث معهد الجزيرة العربية، وهو خلية تفكير موالية للحكومة السعودية. فضلا عن ذلك، تم تأسيس منظمة مماثلة، تحت مسمى معهد دول الخليج العربية في واشنطن، التي تعرف بصلتها الوثيقة بالحكومة الإماراتية، وذلك في سنة 2015. وبعد أن شنت دول الخليج حملتها لعزل قطر خلال شهر حزيران/يونيو سنة 2017، وضعت دول الحصار يدها على سبع شركات ضغط في الولايات المتحدة ووظفت ما يقارب عن خمس ملايين دولار ضمن حملات العلاقات العامة المتعلقة بأزمة الخليج، وذلك وفقا للسجلات المودعة بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب.
في سياق متصل، زعمت السعودية أن قطر تدعم الجماعات الإرهابية، في حين شدد الكثير من المحللين على أن الحصار يمثل، على الأرجح، محاولة من الرياض لتقييد خطوات أعضاء مجلس التعاون الخليجي. من جانبها، شذت قطر عن قواعد دول الخليج عندما أقدمت على استضافة أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين، في حين رفضت قطع العلاقات مع إيران، على الرغم من الخلاف الدبلوماسي الكبير بين طهران والرياض، الذي دفع معظم دول مجلس التعاون الخليجي إلى قطع علاقاتهم مع جارتهم الشمالية.
الجدير بالذكر أن وكالة الأنباء القطرية التي تحظى بتأثير بليغ، والممولة من قبل الدولة، الجزيرة، لم تتوان، مؤخرا، عن توجيه سلسلة من الانتقادات اللاذعة إلى المملكة العربية السعودية ومصر، ولكنها استثنت الدوحة. وعلى الأرجح أن تدفق الأموال القطرية في واشنطن قد أتى أكله، الأسبوع الماضي، حيث اجتمع كل من وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع جيمس ماتيس مع نظرائهم القطريين للتحاور بشأن عدة مسائل.
في هذا الإطار، وقّع الجانبان عددا من الاتفاقيات الثنائية، في مجال الطيران المدني، ومكافحة الإرهاب، والأمن السيبراني. وحيال هذا الشأن، أوضح مسؤول في وزارة الخارجية خلال حوار أجراه مع مجلة فورين بوليسي أن “هذه الاتفاقيات تعد رسالة قوية للقطريين، وفي الوقت ذاته رسالة موجهة لدول الحصار مفادها أن طبيعة علاقاتنا لن تتغير”.
ساهم إصرار قطر على ممارسة جملة من الضغوط في واشنطن، فضلا عن الأخطاء الدبلوماسية المتعددة التي اقترفتها السعودية، في تحويل موقف إدارة ترامب لصالح قطر
تواجه الدوحة خصما خطيرا، حيث دأبت المملكة العربية السعودية على تخصيص جملة من الموارد المالية في إطار حملتها للتأثير على العاصمة الأمريكية. وفي الفترة الممتدة بين سنة 2015 وسنة 2017، عززت السعودية عدد وكلائها الأجانب الذين وظفتهم من 25 إلى 145 وكيلا، لتنفق بموجب ذلك أكثر من 18 مليون دولار. وتسعى المملكة من خلال ذلك إلى ممارسة جملة من الضغوط في العاصمة الأمريكية. علاوة على ذلك، مولت الرياض عددا من المؤسسات الدينية الأمريكية والأقسام المتخصصة في دراسات الشرق الأوسط بالجامعات الأمريكية. أما قطر، فقد التحقت بهذا الركب بشكل متأخر.
في هذا الصدد، أورد جيرالد فايرستاين، مدير شؤون الخليج في معهد الشرق الأوسط الذي يتخذ من واشنطن مقرا له، أن “الكثير من المنازل المخصصة لقضاء العطل ستبنى بفضل الأموال التي يتم انفاقها في هذه المدينة فيما يتعلق بهذه المسألة. وقد تلقى مركز الأبحاث تبرعات سخية من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، فضلا عن هبات أصغر قيمة من طرف قطر وعمان”.
في شأن ذي صلة، أثمرت جهود السعودية في بداية الأزمة الدبلوماسية خلال السنة الماضية، عندما اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقفا متشددا ودعم القيادة السعودية وساند قرارها باتخاذ إجراءات صارمة بحق الدوحة. لكن الحال تغير الآن، حيث ساهم إصرار قطر على ممارسة جملة من الضغوط في واشنطن، فضلا عن الأخطاء الدبلوماسية المتعددة التي اقترفتها السعودية، في تحويل موقف إدارة ترامب لصالح قطر.
من جانبه، أقر جان فرانسوا سيزنيك، أحد أكبر الباحثين غير المقيمين في المجلس الأطلسي، بأنه “من وجهة نظر العلاقات العامة البحتة، يعتبر القطريون أكثر ذكاء من السعوديين”. واستطرد سيزنيك قائلا :”يجسد القطريون صورة أكثر انفتاحا، تعكس الانفتاح الثقافي، الأمر الذي لم يتمتع به السعوديون حتى وقت قريب”. وفي هذا الشأن، تطرق الباحث إلى الإصلاحات الأخيرة مثل مكافحة الفساد والسماح للمرأة السعودية بالقيادة.
مثلت خطوات قطر لتوسعة قاعدة العديد الجوية العسكرية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، المقر الرئيسي للقيادة المركزية الأمريكية، عاملا داعما للموقف القطري
وفقا لبعض المسؤولين الأمريكيين، كانت إدارة ترامب تعمل على دفع الموقف السعودي ضد قطر حتى يتخذ منحى أكثر خشونة في بادئ الأمر. لكن العلاقة مع الرياض تدهورت بشكل متنامي. في واقع الأمر، ساهمت الأوضاع الإنسانية المأسوية في اليمن، فضلا عن قضية رئيس الوزراء اللبناني، الذي بدا وكأنه محتجز في الرياض، بالإضافة إلى الحملة الفوضوية للقضاء على الفساد التي قادها ولي العهد محمد بن سلمان، في قلب الموازين.
صرح مسؤول في وزارة الخارجية، الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته، أن “الفجوة بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية قد تضاءلت بصفة كبيرة، لدرجة أننا نعتقد أننا نتبنى المواقف ذاتها”. على هذا النحو، يبدو أن حملة العلاقات الخارجية التي تنتهجها الدوحة فعالة للغاية. من جهته، قال فايرستاين أن كفة الجدل قد مالت بالفعل نحو القطريين خلال السبعة أو الثمانية أشهر الماضية، علما وأن هذا الأمر قد تحقق نتيجة تراجع نجاعة تحركات السعودية والإمارات للدفاع عن قضيتهما. وأضاف فايرستاين، أنه “مبدئيا، لم يتمكنوا حتى من توضيح مساعيهم ومطالبهم”.
في هذا السياق، مثلت خطوات قطر لتوسعة قاعدة العديد الجوية العسكرية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، المقر الرئيسي للقيادة المركزية الأمريكية، عاملا داعما للموقف القطري. في الأثناء، بين دنيس روس، الدبلوماسي الأمريكي السابق والمستشار في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن “الجيش، ولعدة أسباب مفهومة، يعي الأهمية الكبرى لقاعدة العديد. لم يرغب الجيش في اتخاذ أي خطوة من شأنها أن تثير أي تساؤلات حول قدرتنا على استخدام القاعدة وتمويل قطر لها”.
على الرغم من ذلك، لا يزال دنيس روس يشك في الموقف القطري الحالي، حيث صرح لمجلة فورين بوليسي أن دعم قطر للقاعدة يعتبر أمرا مهاما، لكن لا ينبغي أن يكون هذا الدعم بمثابة أداة خاصة للتهرب من المسؤوليات. يعتقد روس أن هذه الأفعال تأتي ضمن محاولات الدوحة لخلق مناخ مناسب لإبداء الرأي.
المصدر: فورين بوليسي