فجر تشكيل تنسيقية لدعم ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة خلافًا جديدًا داخل حزب جبهة التحرير الوطني الذي يحكم البلاد منذ 56 سنة. وقبل عام من موعد الانتخابات الرئاسية في أبريل/نيسان 2019، يزداد الجدل يومًا بعد يومٍ عمن سيقود البلاد في السنوات الخمسة القادمة بسبب عدم بروز مرشحين معينين، وكذا بسبب الغموض الذي يميز المشهد السياسي بشأن نية بوتفليقة المكوث في كرسي الرئاسة لعهدة جديدة أم أنه سيضع حدًا لذلك بنهاية ولايته الحاليّة.
تنسيقية لدعم بوتفليقة
أعلن النائب البرلماني المثير للجدل بهاء الدين طليبة مؤخرًا ميلاد التنسيقية الوطنية لمساندة ترشيح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة، التي من بين أسمائها الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال الذي كان مديرًا للحملة الانتخابية لبوتفليقة في رئاسيات 2004 و2009 ونشط في حملته الانتخابية في 2014.
وضمت القائمة أيضًا رئيس الحكومة الأسبق عبد العزيز بلخادم الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم وخليفته عمار سعداني، ووزير الطاقة والمناجم الأسبق شكيب خليل، والأمين العام للمركزية النقابية عبد المجيد سيدي السعيد وصاحب المبادرة بهاء الدين طليبة، ورئيس المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) سعيد بوحجة، والوزراء السابقين مصطفى كريم رحيال وعبد القادر والي وحميد قرين وعبد الوهاب نوري، والنائب البرلماني محمود قمامة، ووزير الرياضة الحاليّ الهادي ولد علي، والنائب والبرلماني عن الجالية جمال بوراس والبرلمانية سعيدة بوناب.
ليست هذه المرة الأولى التي يقوم فيها طليبة بخطوات لترشيح بوتفليقة لعهدة جديدة، فقد سبق وأن دعاه فيه 25 من ديسمبر/كانون الأول الماضي لذلك، وقال طليبة إن هذه الدعوة ليست رغبة شخصية فقط وإنما مطلب شعبي لشرائح واسعة من الجزائريين. ولم تؤكد الشخصيات الواردة أسمائها في القائمة انضمامها فعلاً لهذه التنسيقية من عدمه في البداية، مما أطلق العنان للتكهنات بشأن جدية عمل هيئة هذه المبادرة.
تكذيب ونفي
لكن الأمين العام للحزب الحاكم جمال ولد عباس نفى وجود هذه التنسيقية، وأكد أن طليبة الذي ساءت علاقته منذ فترة بالرجل الأول في الحزب العتيد يتخذ هذه التنسيقية وسيلة لتحقيق أهداف شخصية.
وقال ولد عباس إن دور هذه التنسيقية شبيه بما يتركه “الريح في البريمة (الشبكة)”، وأعلن في الوقت ذاته إحالة ملف بهاء الدين طليبة إلى مجلس التأديب للحزب رفقة ملفات 4 آخرين لم يكشف عن أسمائهم، وأكد أن التحقيق الذي أجراه الحزب كشف أن الأسماء الواردة في قائمة التنسيقية تبرأت مما قاله عنها البرلماني بهاء الدين طليبة.
وذهب الأمين العام لجبهة التحرير الوطني في انتقاده لمبادرة تنسقية العهدة الخامسة بعيدًا بعد أن اتهمها بالعمل على إحداث انشقاق وفوضى داخل الحزب شبيهة بما حدث قبيل انتخابات 2004 الرئاسية، حينما عرف انشطارًا بين جناحين: الأول يدعم الرئيس بوتفليقة والثاني يساند المرشح الخصم علي بن فليس الذي كان رئيسًا للحكومة قبل أن يقيله بوتفليقة.
وجعل هذا الخلاف الجديد داخل بيت أكبر حزب في الجزائر مراقبين يتساءلون إن كان حقيقة أن بهاء الدين طليبة تصرف وحده في إنشاء تنسيقية العهدة الخامسة، أم أن أطرافًا تقف وراءه خاصة أن الرجل حُسب حتى البارحة على الجناح المقرب من محيط الرئيس بوتفليقة، أم أن الأمر يتعلق بأن يكون ولد عباس لا يريد لأحد أن يستأثر بدعم بوتفليقة خارج أطر الحزب العتيد.
ترقب وانتظار
رغم أنه كان السبّاق إلى الإعلان أن الرئيس المرتقب في 2019 سيكون من الحزب الحاكم وهو في عقله، فإن ولد عباس رفض رفضًا مطلقًا إنشاء تنسيقية ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة، فهل يعني أن من يكون في عقل الأمين العام للحزب الحاكم ليس رئيس تشكيلته السياسية!
وقال ولد عباس وهو ينتقد ما قام به طليبة إن الحديث عن الرئاسيات سابق لأوانه، ولا أحد يملك ترشيح بوتفليقة إلا هو نفسه، رغم أن العادة جرت في السنوات الماضية أن تحتشد الأحزاب الموالية للسلطة وتنظيمات المجتمع المدني قبل كل موعد رئاسي حول موقف واحد يتمثل في خطاب يتردد في كل مناسبة مفاده مناشدة بوتفليقة الترشح لعهدة جديدة.
وحتى الآن لا أحد يستطيع الجزم إن كان الرئيس بوتفليقة الذي أصبح نادر الظهور منذ إصابته بسكتة دماغية في أبريل/نيسان 2013 سيترشح من جديد لعهدة خامسة أم لا، رغم أن علامات المشهد السياسي في الجزائر تنبئ بأنه سيقدم على ذلك، وتوقعات بأن يفوز بها في ظل عدم اتفاق المعارضة على مرشح توافقي وارتفاع نسبة العزوف الانتخابي لدى الجزائريين.
وكان مصطفى فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها المحلة قد كشف العام الماضي أنه التقى الرئيس بوتفليقة ولمس لديه نية في الترشح لعهدة جديدة.
وقال قسنطيني: “دأبت على زيارة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من حين لآخر، وقد زرته أكثر من 10 مرات، سواء بصفتي رئيسًا للجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان، أو بصفتي الشخصية نظرًا لعلاقات الصداقة التي تربطني بالرئيس منذ 35 سنة خلت، وهي علاقات متينة، وقبل أسبوع زرته، والتقيت به للحديث عن الانتخابات المحلية التي جرت يوم 23 من نوفمبر الحاليّ، وخلال الحديث أخبرني الرئيس بوتفليقة، أنه يحس بتحسن واضح في صحته، يسمح له بالترشح لعهدة خامسة، ولديه رغبة في الترشح لهذه العهدة الانتخابية، فأجبته أن هذا أمر جيّد ومُرحّب به”.
وحسب ما نقله قسنطيني، فإن بوتفليقة يرى أن المعارضة من حقها انتقاده لكن الشعب الجزائري الوحيد الذي يمكنه أن يحول دون فوزه بعهدة خامسة في حال لم يمنحه ثقته في الانتخابات الرئاسية.
غير أن تصريحات قسنطيني، سرعان ما فندت عبر برقية لوكالة الأنباء الجزائرية التي نقلت إن رئاسة الجمهورية تنفي استقبال الرئيس بوتفليقة لقسنطيني الذي تشبث بتصريحاته وأكد لقاءه رئيس الجمهورية.
وبرأي بعض المراقبين، فإن كل هذه التصريحات التي تخرج بين الفينة والأخرى قد تكون جس نبض من السلطة بشأن ترشح بوتفليقة أو نتاج صراع أجنحة في الحكومة مثلما يعتقد البعض، رغم أن الوزير الأول أحمد أويحيى يحرص في كل مرة حين يُسأل من الصحافة على ذلك على نفي وجود أجنحة وأقطاب في سدة الحكم.