ما إن خرجت تونس من القائمة السوداء الأولى للاتحاد الأوروبي للملاذات الضريبية الآمنة على مستوى العالم، حتى تلقت صفعة أخرى من شريكها الاقتصادي الأول، حيث أعاد الاتحاد الأوروبي تصنيف تونس مجددًا ضمن القائمة السوداء للدول الأكثر عرضة لمخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، مما أثار موجة انتقادات وتحذيرات تجاه الآثار السلبية لهذا القرار الأوروبي على الاقتصاد التونسي المنهار، وتبعاته السيئة على صورة تونس، وبشكل خاص داخل الأوساط المالية الدولية المتعاونة مع الديمقراطية الناشئة.
تصنيف جديد
لم ينجح عدد من نواب البرلمان الأوروبي أمس الأربعاء، في تجنيب تونس تصنيفًا جديدًا قد يزيد من الإضرار بصورتها على المستوى الدولي، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى دعم اقتصادي قوي لمجابهة التحديات الاجتماعية الهائلة.
ففي جلسة عامة شهدت خلافات حادة بين النواب في العاصمة الأوروبية بروكسل أمس، وافق البرلمان الأوروبي بغالبية 357 واعتراض 283 واحتفاظ 26 عضوًا بأصواتهم على مشروع قرار لتصنيف تونس وسريلانكا وترينداد وتوباغو ضمن قائمة الدول المعرضة بشدة لمخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
يعمل التصنيف على تقييم مخاطر الدول في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب عبر تقييم مستوى مكافحتها في الدولة
كانت لجنة الشؤون الاقتصادية والمالية للاتحاد الأوروبي أعدت مشروع قرار تصنيف تونس في نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، ضمن قائمة تضم دولًا أخرى ذات نقائص إستراتيجية في منظوماتها لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وفق ما نشر الموقع الرسمي للبرلمان الأوروبي.
يُذكر أن مجلس وزراء مالية الاتحاد الأوروبي صنّف تونس، في مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، ضمن دول الملاذ الضريبي بين 17 دولة اعتُبرت جنة ضريبية، وذلك لأنها لا تلتزم الإجراءات اللازمة للحد من التهرب الضريبي، قبل أن يتمّ حذفها في 23 من يناير/كانون الثاني الماضي، من هذه القائمة صحبة 7 دول أخرى، دون إعلان تفاصيل الالتزامات التي قطعتها.
تعاني تونس من مخاطر كبيرة نتيجة تبييض الأموال
جاء هذا التصنيف بعد أشهر من حلول تونس في المرتبة الـ59 عالميًا في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب من ضمن 146 دولة حول العالم وعبر القارات الخمسة، حسب مؤشر “بازل 3” للعام الماضي الذي يصدره معهد بازل للحوكمة في سويسرا، الخاص بمكافحة غسيل الأموال ومخاطر تمويل الإرهاب، فحازت تونس على معدل 6.37 من 10 درجات حيث يمثل الصفر الأقل خطرًا والدرجة العاشرة الأكثر خطورة.
ويعمل التصنيف على تقييم مخاطر الدول في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب عبر تقييم مستوى مكافحتها في الدولة، وعوامل أخرى ذات علاقة منها الشفافية المالية ومدى فعالية النظام القضائي في الدولة.
مخاطر كبيرة على الاقتصاد التونسي
هذا التصنيف الأخير يؤكد المخاطر الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد التونسي، ويدعم ما ذهب إليه البنك المركزي التونسي، حيث ذكر البنك في تقرير سابق له خلص إلى أن مستوى مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب في تونس مرتفع نسبيًا، مؤكدًا أن الاقتصاد التونسي يواجه مخاطر جسيمة بسبب جرائم غسل الأموال وارتفاع معدلات الفساد في أجهزة حساسة، خاصة في القطاعات المهمة مثل الجمارك.
وأبرز التقييم الذي كشف عنه المركزي في أغسطس/آب الماضي أن الفساد والتهريب الجمركي والتهرب الضريبي والجرائم الإلكترونية، كقرصنة الحسابات المالية والبطاقات البنكية في الخارج، تعد من أبرز التهديدات التي تشكل عائداتها المالية مخاطر كبيرة على القطاع المالي والاقتصادي، لارتباطها بغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
سيكون لهذا القرار تأثير مباشر على عملية خروج تونس على السوق المالية الدولية
وشدد على أهمية دعم الموارد البشرية المكلفة بالمراقبة، لوقف تطور الجرائم المالية، إضافة إلى شراء الوسائل والبرمجيات الملائمة لذلك، وتضمن التقييم تحليل ملفات غسل الأموال وتمويل الإرهاب المحالة إلى القضاء التي تشمل أكثر من 460 ملفًا و2000 حساب بنكي والآلاف من العمليات البنكية من إيداع وسحب وتحويل فاقت ما يعادل 10 مليارات دينار (4.6 مليار دولار).
وكان البنك المركزي التونسي قد أكد في بيان سابق أن مجموعة العمل المالي الدولية (غافي) المكلفة بمعالجة وإعداد الإجراءات لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، قامت بمراجعة تصنيف تونس، موضحًا أنه تبعًا للبيان الصادر عن اللجنة التونسية للتحاليل المالية بتاريخ 9 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، قامت المجموعة بتصنيف تونس ضمن قائمة “الدول الخاضعة للرقابة”.
وذكر البيان أنه تم في إطار تنفيذ هذه الخطة إصدار الأمر الحكومي عدد 1 لسنة 2018 المؤرخ في 4 من يناير/كانون الثاني 2018 والمتعلق بضبط إجراءات تنفيذ القرارات الصادرة عن الهياكل الأممية المختصة المرتبطة بمنع تمويل الإرهاب.
تراجع الاستثمار
لهذا التصنيف تداعيات كبيرة وانعكاسات سلبية على الاقتصاد التونسي، ذلك أنه سيساهم في تراجع الاستثمار والمستثمرين في البلاد، حسب عدد من الخبراء الاقتصاديين، فكل مستثمر سيفكر في الاستثمار في تونس سيخشى أن يكون محل متابعة من بلاده بتهم تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب.
كما سيكون له تأثير مباشر على عملية خروج تونس على السوق المالية الدولية وصرف القسط الثاني من القرض من صندوق النقد الدولي، ذلك أن تونس ستفقد درجة الثقة التي تتمتع بها في هذه الأسواق المالية العالمية.
تراجع الاستثمار في تونس
تعتبر دول الاتحاد الأوروبي الشريك الإستراتيجي الأول لتونس، حيث يستأثر الفضاء الأوروبي بنحو 63% من المبادلات التجارية مع تونس مقارنة ببقية بلدان العالم بقيمة تناهز 20 مليار يورو، كما تنشط في تونس نحو 3 آلاف مؤسسة أوروبية، توفر قرابة 300 ألف فرصة عمل أمام الشباب التونسي.
فضلاً عن ذلك، من المنتظر أن يكون هذا التصنيف سببًا في ازدياد التوتر بين تونس وشركائها الأوروبيين، على الرغم من التعاون القوي في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، خاصة انطلاقًا من سواحل تونس.
رفض تونسي
هذا القرار وجد رفضًا كبيرًا من الحكومة التونسية، واعتبرت الخارجية التونسية في بيان لها “أن المسار الذي اتبعته المفوضية الأوروبية في اتخاذ هذا القرار كان مجحفًا ومتسرعًا في حقها، باعتبار أن المفوضية، في ظلّ غياب منظومة تقييم مالي خاصة بها، تبنت بصفة آلية تقريرًا صادرًا عن مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA/GAFI)“.
ودعت تونس إلى سحبها من القائمة والعمل مستقبلاً على تفادي مثل هذه القرارات أحادية الجانب التي تتعارض مع أسس الشراكة المتميزة التي يعمل الطرفان على تدعيمها، من جهته، قال وزير الشؤون الخارجية التونسي خميس الجهيناوي: “الجهود ستستمر من أجل استبعاد تونس من التصنيفات الظالمة، في قوائم لا تراعي الخصوصيات الاقتصادية لبلادنا، والإصلاحات الهيكلية الجاري إنجازها.
يعدّ هذا التصنيف حسب عدد من المتابعين سياسيًا بامتياز
إلى جانب ذلك قال وزير المالية رضا شلغوم أن هذه القائمة التي اعتمدتها المفوضية الأوربية، بُنيت على أساس تقييم قديم يعود إلى سنة 2015، أي قبل إصدار القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال، والنصوص الترتيبية لعديد من القوانين المنظمة لشفافية المعاملات، وقبل تركيز القطب القضائي لمقاومة الإرهاب
وأشار وزير المالية إلى أن معظم نواب البرلمان الأوروبي عبروا عن مساندتهم لتونس واقتناعهم بحسن هيكلتها المالية، معلنًا إعداد برنامج عمل في إطار لجنة سيشرف عليها رئيس الحكومة للعمل مع الـ”غافي” من أجل رفع اسم تونس من هذه القائمة.
يعدّ هذا التصنيف حسب عدد من المتابعين سياسيًا بامتياز، ذلك أن بعض الدول في الاتحاد الأوروبي ما زالت تنظر إلى تونس بتلك الصورة النمطية التي يروّج لها الإعلام الغربي، دون النظر إلى درجة التقدم والتطور الذي وصلت له خاصة من الناحية التشريعية.