لم يكن المؤسس والرئيس التنفيذي لشركتي تسلا للسيارات الكهربائية وسبيس إكس لصواريخ الفضاء التجارية إيلون ماسك يمزح عندما نشر تغريدة على حساب تويتر يقول فيها: “الازدحام المروري يدفعني للجنون، سأقوم بشراء آلة لحفر الأنفاق وأبدأ بالحفر”، ليعبر عن غضبه من الفوضى المرورية في مدينة لوس أنجلوس.
فلقد أعلن بعدها بعامٍ واحد شركته الجديدة باسم “بورينج كامبني” في مؤتمر تيد التي سوف تعمل بالأساس على تخفيف الاختناقات المرورية واختصار المسافات الطويلة من خلال بناء شبكة أنفاق تحت المدينة بتقنيات وأساليب حديثة.
لفترة طويلة، اعتقد الكثير من متابعينه على تويتر أنه ليس جديًا بهذا الخصوص، فسأله أحد المستخدمين: “هل تريد حفر هذه الأنفاق حقًا أم أنها مجرد مزحة؟ يصعب عليّ أن أصدقك”، وأجابه ماسك قائلًا: “الأمر صعب التصديق، أتفق معك تمامًا”، وهذه إحدى خصال التحدي التي عُرف بها ماسك منذ أن بدأ مشاريعه الأولى التي انتهت بإنجازات عظيمة في سجله الخاص.
ما خطة الشركة الجديدة؟
تهدف الشركة التجربيبة إلى إنشاء أنفاق غير تقليدية، بحيث تعمل على حمل السيارات والمركبات والبضائع والمشاة باستخدام زلاجات كهربائية عالية السرعة تصل إلى 200 كيلومتر في الساعة، وقد تكون هذه الخطة أقرب للخيال بسبب جميع الآراء التي تجد أنها فكرة صعبة التحقيق.
ولكن مع ذلك، بدأت الشركة بالفعل بحفر أنفاق تجريبية على عمق 500 قدم في أراضٍ تابعة لمقرات شركة سبيس أكس في لوس أنجلوس، وهو نفق يمتد من المطار وحتى مدينتي كولفر وسانتا مونيكا وويستورد وشيرمان أوكس، هذا بجانب إنشاء نفق يصل بين مدينة نيويورك والعاصمة واشنطن دي سي بحيث تصل مدة الرحلة إلى نحو 29 دقيقة.
سيارات تسلا وهي تتحرك بسرعة تحت الأرض على الزلاجات الكهربائية
رغم هذه الاستعدادات الكاملة في تعديل البنية التحتية للطرق، فإن حكومة المدينة لم تمنح أي تصاريح للحفر تحت الأراضي الواقعة تحت ملكيتها، وهذا يتعارض مع الهدف النهائي للشركة وهو إنشاء هذه الأنفاق في المدينة كافة، إلا أن المشروع لا يزال في خطواته الأولى، وهذا ما قاله ماسك على حسابه الخاص بأن “التصاريح المطلوبة من المدن والهيئات التنظيمية تعتبر الجزء الأصعب في جعل شبكة من الأنفاق الأرضية المتداخلة واقعًا ملموسًا”، وذلك لأن محادثته مع عمدة المدينة إيريك غارسيتي، بشأن المشروع ما زالت أولية جدًا، لكنه يأمل أن تكون الجهات منفتحة للحديث عن هذا المشروع حتى لو اتخذ مجهودًا ووقتًا أطول لتنفيذه بالطريقة المطلوبة.
طاقة نظيفة وتكاليف أقل
تضمن الخطة أن يبنى هذا المشروع بأقل التكاليف الممكنة من خلال آلة اسمها “جودوت” يمكنها الحفر وتسليح الجدران أو تعزيز قوة الجدران المسلحة في نفس الوقت، وهذا على العكس من آلات الحفر الأخرى التي تهدر نصف الوقت في الحفر ومن ثم تعود لإعادة هيكلة الجدران؛ مما يجعلها عملية أكثر تكلفة وأطول في الوقت.
كما يسعى إلى استخدام آلات تعتمد على الكهرباء، وهذا يجعلها صديقة للبيئة بسبب معايير الأمان المرتفعة فيها، وهذا عكس الآلات التقليدية التي تعمل على الديزل، وأوضح في المؤتمر الذي أعلن فيه خطته الجديدة أنه “لا يوجد حد لعدد طبقات الأنفاق التي ستبنى، فأعمق المناجم يزيد كثيرًا على ارتفاع أطول المباني”، وأشار إلى أن حتى العوائق الجبلية ستتخطاها الشركة لتحقيق هدفها.
ما المخاوف التي تعرقل هذا المشروع؟
هناك مجموعة من العراقيل والأسئلة التي تجعل خطة ماسك مليئة بالثغرات التي قد يسدها ذكاءه، ومن أبرزها المعاملات القانونية التي ستسغرق نحو ثلاثة أو أربع سنوات لاستخراجها، إذ تليها على رأس القائمة، اعتقاد البعض أن الزلازل والاهتزازت الأرضية أكبر المخاطر البيئية التي يمكن أن تبقي هذه الخطة حبرًا على الورق، إلا أن الشركة تؤكد أنه لا داعي لهذه الهواجس، لأنها ستحفر على مستويات عميقة جدًا تصل إلى عمق 30 طبقة تحت سطح الأرض، بحيث يصعب الشعور بأي اهتزازت ومن المستحيل أن تتضرر هذه الأنفاق في جوف الأرض لأنها عملت على تصميم هياكل قادرة على مواجهة الزلازل.
كذلك تبقى الآبار النفطية مشكلة إضافية في وجه الشركة، إذ تقول الجهات الناقدة لهذا المشروع بأن شركة إيلون أصدرت حوالي 0.1٪ فقط من التفاصيل المطلوبة لتقييم مزايا المشروع أو الآثار البيئية المترتبة عليه، وهناك أخطار حصر لها، مثل آبار النفط والتي تحمل خطر انفجارات غاز الميثان، مثل تلك التي انفجرت في عام 1985.
بالنسبة لجميع مخلفات البناء والإنشاء، أوضحت الشركة أنها تفكر في استغلال هذه البقايا وتحويلها إلى طوب لدعم جدران النفق
وهناك انتقادات أخرى بشأن تحويل مشروع النقل هذا إلى فئة معينة من المجتمع، وهي الشريحة الثرية التي لديها القدرة على الاندماج في هذا النظام، وهذا ما يحظره القانون الذي يقر بضرورة توفير أنظمة النقل إلى جميع الفئات دون التحيز إلى طرف معين على حساب الآخر.
وبالنسبة لجميع مخلفات البناء والإنشاء، أوضحت الشركة أنها تفكر في استغلال هذه البقايا وتحويلها إلى طوب لدعم جدران النفق، هذا بالإضافة إلى أسئلة كثيرة عن الإضرار بالمياه الجوفية وعمليات الصيانة التي تحتاجها الأنفاق بشكل مستمر، والأهم من ذلك، يبقى السؤال عن نوع السيارات التي ستمشي في هذا النفق، ويرجح أنها فكرة ماسك في السيطرة على مجال السيارات الكهربائية والطرق بشكل كامل وخاصة التي تدخل التكنولوجيا في تصميمها.
وهذا بالتوافق مع ما أجابه ماسك خلال مقابلته مع حاكم ولاية نيفادا عندما سأله “كيف تتصور مجال السيارات الكهربائية وذاتية القيادية في غضون 5 أو 10 سنوات قادمة؟”، وأجابه ” على الأرجح، فإن 50% من السيارات التي سوف تصنع خلال عشر السنوات القادمة في أمريكا ستكون كهربائية”.