“نريد التحرر من صنم الصهيونية الزائف، شبيه عجل بني إسرائيل الذهبي الذي أغضب نبيهم موسى، الصنم الذي يخون كل القيم اليهودية، نريد التحرر ممن يرتكبون الإبادة الجماعية باسمنا…”، هكذا كتبت الصحفية الكندية والباحثة والناشطة السياسية اليهودية نعومي كلاين في مقال لها بصحيفة “الغارديان” البريطانية في 24 أبريل/ نيسان 2024.
نعومي قالت نفس مضمون المقال تقريبًا بعد نشره بيومَين في كلمة لها خلال تظاهرة احتجاجية لأمريكيين أغلبهم من اليهود، أمام منزل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي لدعوته إلى العمل على وقف إمداد الولايات المتحدة “إسرائيل” بالسلاح، ووقف الحرب الدائرة على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
اعتبرت نعومي أن فكرة أرض الميعاد التي وردت في التوراة هي فكرة متسامية لها مفهوم مجازي، وهو إقامة دولة الإنسان المتحرر في كل العالم، لكن الصهاينة حولوها إلى فكرة استعمارية تقوم على الطرد الجماعي للفلسطينيين من أراضيهم وأراضي أجدادهم، فاليهودية تحرّم القتل والسرقة، وهو ما يرتكبه الصهاينة الذين صاروا اليوم يفعلون بأطفال فلسطين ما فعله فرعون مصر بأطفالهم، حيث كان يقتل أطفال بني إسرائيل بعد أن أخبروه أن من هؤلاء الأطفال من سيقضي على مُلكه، تقول كلاين ببراعة بلاغية وفلسفة عميقة للموقف، فلسفة تعيد قراءة الواقع من قلب النصوص التي يفترض أن الصهاينة يؤمنون بها.
هذه الكلمة كانت محل احتفاء وترحيب شديد في الصحافة العربية، حيث جرى تداولها بكثافة على اعتبار أن نعومي (اليهودية) أحد أشهر الكتّاب الغربيين في العالم، واسمها دائمًا موجود على قوائم الكتب الأكثر مبيعًا، ولكن هذا المقال القوي، وهذه الكلمة القوية، ليست سوى غيض من فيض نشاطات نعومي كلاين ضد الصهيونية و”إسرائيل”.
من يريد رسم صورة عامة عن نعومي كلاين سيجد أن أهم معالم الصورة هي كتاباتها وأفلامها الوثائقية، ونشاطها عمومًا في الدفاع عن المرأة والبيئة ونقد الرأسمالية والنيوليبرالية العالمية بنكهة يسارية قوية، لكن من يتأمل ويتفحّص سيجد أن فلسطين حاضرة في قلب الصورة، وسيجد المتابع للمشهد الإعلامي أن كلاين من أكثر المناهضين للصهيونية نشاطًا في الولايات المتحدة بعد “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
من هي نعومي كلاين؟ وما أبرز نشاطاتها بعد “طوفان الأقصى”؟ وما خلاصة فكرها عن الصهيونية والقضية الفلسطينية؟ وكيف كانت فلسطين حاضرة حتى في أنشطتها، حتى تلك التي يفترض أنها بعيدة عن الصراع العربي الإسرائيلي؟ هذا ما نلقي الضوء عليه.
نعومي كلاين
نعومي من مواليد 8 مايو/ أيار 1970 في مونتريال بكندا، لأبوين يهوديين، والمتأمل يجد أن اتجاهات نعومي اليسارية المعارضة للسياسات الغربية لها جذور عائلية، فقد كان جدّها الذي عمل رسامًا للرسوم المتحركة في شركة والت ديزني، له دور كبير في تنظيم أول إضرابات على الإطلاق بالشركة لحماية حقوق العمال ما أدى إلى طرده من العمل، وكان لأمها نشاط نسوي، كما هرب والدها من الخدمة العسكرية وغادر هو وزوجته الولايات المتحدة إلى كندا احتجاجًا على حرب فيتنام.
نشأت نعومي نشأة هادئة بعيدة عن السياسة رغم نشاطات والديها، لكن وهي في عمر الـ 19 وقعت حادثة دفعتها إلى الاتجاه النسوي والشأن العام عمومًا، وذلك حين قتل مسلح 14 امرأة في جامعة بولي تكنيك بمونتريال خلال اجتماع لهنّ، ووصفهن بـ”النسويات الفاشلات”.
في هذا التوقيت كانت كلاين تدرس بجامعة تورنتو، وهي الفترة التي بدأت خلالها علاقتها بالصحافة، حيث عملت كرئيسة تحرير للصحيفة الجامعية الطلابية “The Varsity”، وبعد 3 سنوات تركت الجامعة لتعمل كاتبة عمود في صحيفة “ذا غلوب آند ميل”، وهي واحدة من أكثر الصحف انتشارًا في كندا.
عادت كلاين إلى الجامعة لإكمال دراستها في عام 1996، لكنها وجدت نفسها محاطة بالهموم العامة للطلاب والطالبات، ووجدت أن مجتمع الجامعة قد تغير فتركتها مرة أخرى، وعادت إلى الصحافة والتأليف.
كتبت نعومي كلاين في عدد كبير من الصحف المهمة، فهي كاتبة عمود في “الغارديان” البريطانية وإن كان ذلك بشكل غير منتظم، وكتبت أيضًا في “ذي إنترسبت” و”ذا نيشن” و”ذا غلوب آند ميل” الكندية ومجلة “رولينغ ستون”، بالإضافة إلى “فاينانشال تايمز” و”لوس أنجلوس تايمز” و”واشنطن بوست” و”نيوزويك”، تلك الصحف الأمريكية الأكبر والأوسع انتشارًا، وكذلك “لوموند” الفرنسية وغيرها.
سافرت نعومي دولًا كثيرة في مهام صحفية مثل الصين وبورتريكو والعراق خلال الحرب عليه وكوبنهاغن والأرجنتين وغيرها، ونشرت مقالات وكتب بأكثر من 35 لغة، بحسب ما ذكر موقعها الرسمي على الإنترنت.
بعيدًا عن الكتابات الصحفية، كان تأليف الكتب من أكثر عوامل شهرة وانتشار نعومي كلاين، ونستطيع خلال استعراض بسيط أن نلمس كيف كانت كتبها قوية التأثير وشديدة الانتشار في العالم، فآخر كتبها “Doppelganger” الذي طُرح في خريف 2023، جاء ضمن قائمة “نيويورك تايمز” للكتب الأكثر مبيعًا رغم طرحه نهاية العام، وجاء ضمن أفضل 10 كتب على قائمة مجلة “التايم”، إضافة إلى دخوله عددًا من القوائم القصيرة لعدد من الجوائز المهمة.
تربط كلاين صمود الفلسطينيين في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ورفضهم مغادرة أراضيهم وبيوتهم، وبين ما يجب فعله تجاه التغير المناخي الذي يهدد المدن الساحلية بالغرق
كذلك جاء كتابها “On Fire” أكثر الكتب مبيعًا على قائمة “نيويورك تايمز” عام 2019، وحصل على لقب أفضل كتاب مناخي من مجلة “فاست كومباني”، أما كتاب “No Is Not Enough” فجاء ضمن قائمة “نيويورك تايمز” للأكثر مبيعًا عام 2019، ورُشّح لجائزة دائرة نقاد الكتاب الوطنية في الولايات المتحدة.
وفاز كتابها “This Changes Everything” بجائزة هيلاري ويستون للكتاب غير الخيالي عام 2014، واحتل المرتبة الخامسة ضمن قائمة “نيويورك تايمز” لأكثر الكتب مبيعًا في العام نفسه، وجرى تحويل الكتاب لفيلم وثائقي.
وربما كان أشهر كتبها هو “العقيدة الصادمة (The Shock Doctrine)” الذي نُشر عام 2007، وتُرجم إلى 25 لغة حول العالم منها العربية، وظهر في عدد كبير من قوائم المبيعات حول العالم منها “نيويورك تايمز”، وجرى تحويله إلى فيلم وثائقي.
أما كتابها الأول “لا شعار (No Logo)” فقد تُرجم إلى أكثر من 30 لغة حول العالم منها العربية، ونُشر ووُزع بجميع أنحاء العالم تقريبًا، وهو الذي وضع اسم نعومي كلاين ضمن كبار مثقفي وكتّاب العالم بأثره.
نلمس اتجاهات وموضوعات مختلفة في كتبها، لكنها جميعًا تخدم عددًا من الأفكار الرئيسية، وهي المناخ والبيئة، المرأة والنوع، الرأسمالية والنيوليبرالية، وفوق كل ذلك هي مراسلة صحفية من طراز رفيع غطت الكثير من أماكن الصراع في العالم.
كل ما سبق دفع جامعة روتجرز الأمريكية عام 2018 إلى تعيينها كأستاذة فخرية للإعلام والمناخ، وكذلك ضمّتها جامعة كولومبيا البريطانية في كندا لتعمل كأستاذة للعدالة المناخية، وتصبح مديرة مشاركة لمركز العدالة المناخية بالجامعة.
وللمفارقة تعامل كلاين كبروفيسور في الإعلام والمناخ رغم أنها لم تحصل على مؤهّلات أكاديمية يفترض أن تسبق ذلك، لكن ما امتلكته من علم نتج عن جهود بحثية وصحفية وتأملات خاصة، جعلها رأسًا برأس مع أكبر الأساتذة.
من داخل قضايا بيئية وفلسفية.. كلاين تروّج للقضية الفلسطينية ببراعة
قضايا الإنسان وحقوقه (بصرف النظر عن عرقه أو دينه) هي الشغل الشاغل لنعومي من منظورها اليساري، ومن يتأمل مواقفها ونقاشاتها يلمس أن نقد ثقافة السوق وتسليع الأفكار، وتحكّم الشركات الغربية الكبرى العابرة للمحيطات في أذواق الناس واستهلاكهم، بل وتحكمها في حكومات الدول الكبرى هو همها الأكبر، لأن هذه المنظومة أفسدت البيئة وانتهكت الطبيعة ودمرت المناخ، كما أنها قمعت الفقراء في العالم، وقمعت الدول الفقيرة والنامية وجعلتها مجرد مستهلكة لما تنتجه الشركات العالمية الكبرى.
وهذه القضايا في رأيها لا تنفصل عن فكرة قيام “إسرائيل”، هذا الكيان الاستعماري الذي زرعه الغرب الرأسمالي الاستعماري في الشرق الأوسط، فالصهيونية فكرة علمانية وليست دينية كما يحاول الصهاينة أن يروّجوا لذلك في رأي كلاين.
الناشطة اليهودية والأكاديمية والمؤلفة نعومي كلاين في حديث عن “الخروج من الأغلال الأيديولوجية للصهيونية”.
تربط كلاين ببراعة بين أفكارها كناشطة بيئية تدافع عن المناخ وبين “إسرائيل” الاستعمارية، حيث ترى أن الشرق الأوسط من أكثر المناطق التي ستتضرر من تغير المناخ والاحتباس الحراري، الذي تسبّبت فيه بالأساس الشركات الغربية التي لوّثت المناخ.
وترى أن الفلاحين والرعاة والصيادين الفلسطينيين الفقراء لم يفسدوا الطبيعة في بيئتهم، لكن الكثير من الأراضي كانت أشبه بغابات برّية ينمو فيها الصنوبر بشكل طبيعي دون زراعة، فاستولى عليها الصهاينة وصادروها وجرفوها ومنعوا الفلسطينيين من دخولها ثم أعادوا زراعتها ليقولوا للعالم إنهم يحوّلون الصحراء لأرض خضراء مزروعة، وهو ما يوصَف بـ”الاستعمار الأخضر”.
يشبه الإسرائيليون الغرب الذي أفسد البيئة بمصانعه الملوثة، ثم جاء بعد ذلك ليحذّر العالم من خطر التغير المناخي وأقام المؤتمرات ليصلحها، وهم أيضًا كالأوروبيين الذين استعمروا الأمريكتَين، حيث استولوا على أراضٍ وغابات برية جميلة كانت تحافظ على التوازن البيئي، وحوّلوها إلى أراضٍ لزراعة المحاصيل والحدائق المحمية، ومن ثم منعوا السكان الأصليين للأمريكتَين من دخول هذه الغابات.
المسيحيون المتطرفون ضد اليهود والمسلمين في الأندلس، هم شبيه للنازيين في أوروبا، وكل هؤلاء كانوا شبيهًا ملهمًا للصهاينة الذين يمارسون نفس الجرائم ضد الفلسطينيين
ومن اتجاه عكسي، تربط كلاين صمود الفلسطينيين في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ورفضهم مغادرة أراضيهم وبيوتهم، بما يجب فعله تجاه التغير المناخي الذي يهدد المدن الساحلية بالغرق، حيث تقول إن الحل في مواجهة التغير المناخي ليس بترك سكان المدن الساحلية أماكنهم واللجوء إلى مدن بعيدة، لكن الحل هو الصمود في وجه الطغيان الحراري ضد البيئة ببناء مساكن متينة تتحمل الفيضانات المحتملة، ومواجهة السياسات الاقتصادية والصناعية التي ترفع درجة حرارة الأرض، والضغط على صانعيها للتوقف عنها.
فالقضية المناخية يمكن أن تموت إذا اضطر سكان المدن الساحلية إلى الهجرة، كما أن القضية الفلسطينية كانت ستموت إذا ترك سكان غزة أو الخليل وباقي المدن الفلسطينية بيوتهم.
هكذا استطاعت ناعومي ببراعة أن تقدم مأساة الفلسطينيين للمجتمع الغربي بطريقة غير مباشرة، فهي تحدثهم عن البيئة لكنها في الوقت ذاته تمرر ببراعة معاناة الفلسطينيين وجرائم الصهاينة إليهم، فتجذب إلى القضية الفلسطينية جمهورًا غير معني بها، وتحوله إلى داعم لها.
نعومي كلاين في مقابلة مع عضو مجلس الشيوخ بيرني ساندرز حول أزمة المناخ والرأسمالية والحرب في غزة
نفس الآلية والبراعة نجدها في آخر كتبها “Doppelganger”، والذي لم يتخذ الصهيونية أو المأساة الفلسطينية موضوعًا أساسيًا، لكن القضية كانت حاضرة بقوة داخله؛ فالكتاب بالأساس يغوص في عالم نعومي الذاتي وتأملاتها الخاصة في شخصيتها وأسلوبها في الكتابة، ونظرتها إلى العولمة والرأسمالية والحداثة وغيرها من قضايا العالم من منظور أن الإنسان ليس هو دائمًا، فقد تكون أنت لست أنت وإنما شبيهك، قد تكون تكرارًا مشابهًا لنفسك، أو تكرارًا مشوّهًا لشخص ما أو لفكرة ما، وكأنك تنظر في مرآة مشوهة لا تظهر تفاصيلك بدقة إنما تنظر إلى شخص يشبهك.
من داخل هذه الفكرة تطرّقت نعومي كلاين إلى القضية الفلسطينية، فالمسيحيون المتطرفون ضد اليهود والمسلمين في الأندلس في القرن الخامس عشر، والذين مارسوا الاضطهاد والفصل العنصري بل الإبادة جماعية ضدهم، هم شبيه لنفس الأوروبيين الذين استعمروا الأمريكتَين ومارسوا الإبادة الجماعية ضد السكان الأصليين، وهم الشبيه الملهم للنازيين في أوروبا الذين أرادوا إبادة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، وكل هؤلاء كانوا شبيهًا ملهمًا للصهاينة الذين يمارسون نفس الجرائم ضد الفلسطينيين.
وكل هؤلاء أشباه لفكرة ترى أن هناك عنصرًا بشريًا أرقى من آخر، وربما يحدث صراع مؤقت بين العنصرَين ينتهي بانتصار العنصر الأرقى، وتخليص البشرية من عنصر لا يستحق أن يعيش.
الحركة تغيِّر: نضال كلاين لأجل فلسطين قبل وبعد “طوفان الأقصى”
رغم أن كلاين تصنّف كناشطة بجانب كونها كاتبة وأكاديمية، إلا أنها لا تعتبر نفسها ناشطة إنما كاتبة، وإن الكتابة هي أداتها، وتعتبر أن كتاباتها -رغم انتشارها- لن تغير العالم، فالحركة على الأرض هي التي تغيّر، أما الكتابة فمهمتها توليد لغة جديدة تلهم الآخرين لتغيير العالم.
إلا أن الواقع يقول إن كتابات كلاين ليست هي فقط الملهمة بالنسبة إلى لقضية الفلسطينية، إنما نشاطها الحركي أيضًا؛ حتى كتاباتها -خاصة الصحفية- لا نستطيع تجريدها من مدلولها الحركي، الذي يهدف إلى الحشد والاعتراض وتحريك الرأي العام ضد الحكومات الداعمة لـ”إسرائيل”، وبالطبع ضد “إسرائيل” نفسها كفكرة وممارسة.
Only outside pressure can stop Israel’s war crimes | Naomi Kleinhttps://t.co/bbuwPg7s3H
— The Guardian (@guardian) January 10, 2024
ربما أول نشاط بارز لكلاين لدعم القضية الفلسطينية كان في أعقاب حرب 2008-2009 على غزة، ففي 28 يونيو/ حزيران 2009 زارت رام الله وألقت محاضرة هناك وطالبت العالم بمقاطعة “إسرائيل” بسبب سياساتها العنصرية، مؤكدة أن الإجراءات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة تتوافق مع التعريف الدولي للفصل العنصري.
وطوال هذه السنوات تظهر نعومي كلاين كنجمة مؤثرة في وسائل الإعلام، في حوارات صحفية وتلفزيونية، بالإضافة إلى محاضراتها العامة، ومشاركتها في الفعاليات الاحتجاجية ضد “إسرائيل”.
وبعد “طوفان الأقصى” كانت نشاطاتها كثيرة، ونستطيع استعراض بعضها؛ فبجانب الوقفة الاحتجاجية التي شاركت فيها بالولايات المتحدة أمام منزل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي والتي أشرنا إليها أعلاه، نجدها مثلًا تجري حوارًا مع مجلة “AnOther” البريطانية في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وهي مجلة متخصصة في الموضة والأزياء والموضوعات الخفيفة، وكان الحوار بالأساس عن كتابها “Doppelganger”، لكنها أخذت الحوار ببراعتها إلى القضية الفلسطينية، مطالبة العالم بالانتباه إلى ما يجري من مأساة للفلسطينيين.
وفي 28 أكتوبر/ تشرين الأول أجرت حوارًا آخر مع مجلة “جاكوبين” اليسارية وطالبت خلاله بالتضامن مع الفلسطينيين، محتفية وداعمة للعصيان المدني الذي دعا إليه نشطاء أمريكيون، واستطاعوا اقتحام مبنى الكابيتول لإجبار الإدارة الأمريكية على وقف الدعم لـ”إسرائيل” وإجبارها على إنهاء اعتدائها على غزة.
كلاين استخدمت كل ملكاتها في الكتابة للتعبير عن مأساة الإنسان الفلسطيني وبشاعة “إسرائيل”، بأساليب مباشرة لها طابع الحشد، أو بأساليب غير مباشرة لها طابع فلسفي
وفي 24 فبراير/ شباط 2024 ألقت كلمة مؤثرة أمام مهرجان “And Still We Rise”، الذي جمع حركات تضامن عالمية مختلفة مع القضية الفلسطينية في لندن، وممّا جاء فيها: “يفخر المهندسون الإسرائيليون ببناء ما وصفوه بالقبة الحديدية لاعتراض الصواريخ الفلسطينية، لكن هذه القبة ليست مجرد وسيلة عسكرية، إنها أسلوب حياة للإسرائيليين، ووسيلة للموت البطيء للفلسطينيين قبل وقت طويل من السابع من أكتوبر”.
وأضافت: “القبة الحديدية هي أيضًا نسخة شديدة التركيز وخانقة من نفس نموذج الأمن الذي تشترك فيه جميع حكومات الشمال العالمي، نفس الحكومات التي اصطفت وراء حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، إنها نموذج لحماية الدول الغنية -التي أصبحت ثرية من خلال إبادتها الجماعية الاستعمارية للدول الفقيرة- من خلال نسختها الخاصة من القبة الحديدية”.
وفي 18 أبريل/ نيسان ألقت نعومي كلاين محاضرة في كلية سوارثمور في ولاية بنسيلفانيا الأمريكية، بعنوان: “إسرائيل وفلسطين وتأثير الشبيه (Israel, Palestine, and the Doppelganger Effect)”، كجزء من سلسلة فعاليات تنظمها الكلية بعنوان “من جنوب أفريقيا إلى غزة: سلسلة تاريخ العالم وسياسة المساءلة”.
وربطت نعومي خلال محاضرتها بين الفصل العنصري الذي عاناه السكان السود في جنوب أفريقيا بما تمارسه “إسرائيل” تجاه الفلسطينيين، من واقع نظرية الشبيه التي تبنتها في كتابها الذي أشرنا إليه.
وخلالها فنّدت كلاين من أوجه مختلفة كيف أن ما تفعله “إسرائيل” في غزة تنطبق عليه فكرة الإبادة المحاضرة الجماعية، وأن الغربيين الداعمين لها هم مرآة تعكس المخزون النازي داخلهم.
نستطيع القول إن كلاين استخدمت كل ملكاتها في الكتابة أو النشاط الأكاديمي أو الإعلامي، للتعبير عن مأساة الإنسان الفلسطيني وبشاعة فكرة “إسرائيل” وممارساتها، بأساليب مباشرة لها طابع الحشد، أو بأساليب غير مباشرة لها طابع فلسفي يعتمد على ربط القضية الفلسطينية بقضايا عالمية وإنسانية أشمل يهتم بها الغربيون، وكل ذلك يجري وفقًا لمفاهيمها اليسارية عن العدالة وحقوق الإنسان.