في الوقت الذي تراجعت فيه حدّة “حراك الريف” المغربي، واتسام الأوضاع هناك بالهدوء النسبي بعد موجة من الاحتجاجات المطالبة بالتنمية، يتوقّع متابعون للشأن العام المغربي أن تشعل الأحكام القضائية الأخيرة في حقّ بعض نشطاء الريف ومحاميهم “الحراك” مجددا، خاصة بعد الإدانة الدولية لهذه الأحكام.
إدانة محامي النشطاء
أحدث هذه الأحكام كانت في حقّ المحامي عبد الصادق البوشتاوي، عضو هيئة الدفاع عن معتقلي حراك الريف، حيث قضت المحكمة الابتدائية في الحسيمة شمال المغرب أمس الخميس، بسجن المحامي عشرين شهرا مع النفاذ إضافة لدفع غرامة بقيمة 500 درهم، مع تحميله الصائر والإجبار في الأدنى.
وكان البوشتاوي ملاحقا بتسع تهم تتعلق بإهانة موظفين في القطاع العام بسبب أداء مهامهم، والتحريض على المشاركة في مظاهرة غير مرخص لها ووقع منعها، وتحقير أحكام قضائية، وإهانة هيئات منظمة، والتحريض على ارتكاب جنح وجنايات.
اعتبر البوشتاوي أن الحكم الصادر في حقه بمثابة تضييق على شخصه
تعود وقائع التهم الموجهة إلى البوشتاوي تعود إلى تدوينات عبر حسابه على “فيسبوك”، انتقد فيها الأسلوب المتبع في التعاطي مع الاحتجاجات السلمية بالريف، والاعتقالات في صفوف المحتجين، وانتهاك حرية التعبير والاستخدام المفرط للقوة، غير أن النيابة العمومية اعتبرتها “إهانة لرجال القوات العمومية”، و”تحريضا على ارتكاب جنح وجنايات”.
ورغم صدور هذا الحكم، سيظل المحامي البوشتاوي في حالة إطلاق سراح حتى تنتهي جميع إجراءات التقاضي وصولا إلى تأكيد حكم السجن النافذ في حقه، فالحكم الصادر في حقه غير نهائي وقابل للطعن عليه.
المحامي عبد الصادق البوشتاوي
اعتبر البوشتاوي أن الحكم الصادر في حقه بمثابة تضييق على شخصه، قائلا إنه كان “متوقعا عقب مجموع التضييقات التي تعرض لها“، ووصف البوشتاوي الحكم بمثابة “استهداف للأصوات الحرة ومحاكمة لحرية الرأي والتعبير”، قائلا إن السبب وراء تعرضه للمحاكمة هو “مجموع التدوينات الفايسبوكية التي كان ينشرها خلال مرحلة الدفاع عن معتقلي حراك الريف”.
وسبق للمنظمة الدولية للدفاع عن المدافعين عن حقوق الإنسان أن انتقدت ما أسمته “المضايقات القضائية ضد عبد الصادق البوشتاوي”، معتبرة أنها بمثابة “انتقام من عمله كمحام ومدافع عن حقوق الإنسان وممارسته لحريته في التعبير”، داعية السلطات المغربية إلى “التخلي فورا عن جميع التهم الموجهة إليه، ووقف المضايقات القضائية”، حسب تعبيرها.
تهم تتعلق بـ “الإرهاب”
قبل ذلك بيوم، قرّرت محكمة مغربية في الرباط، تأجيل النظر في ملف الناشط بارز في حراك الريف المرتضى إعمراشا الذي يتابع بتهمة “الإرهاب”، إلى يوم 7 من شهر مارس/ آذار المقبل، وعللت تأجيلها للمحاكمة، بتنصيب عدد جديد من المحامين في هذا الملف.
ومثل اعمراشا صباح أمس الأربعاء أمام محكمة الاستئناف، بعدما قضت المحكمة الإبتدائية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، في حقه بخمس سنوات سجنا نافذا، بتهمة “الإرهاب”، عبر الإشادة بمقتل السفير الروسي، استنادا إلى تدوينات له عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وتدوينات أخرى تتعلق بزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
قضية إعمراشا “قد لا تكون قضية إرهاب على الإطلاق، وإنما طريقة ملتوية لمعاقبة قيادي آخر لحركة احتجاجية، يبدو أن الحكومة المغربية مصممة على سحقها”
غير أن أهالي الموقوف ومحاميه أكّدوا أن الدولة تستعمل قانون الإرهاب لمتابعة نشطاء الريف، وسبق أن طالبت منظمة هيومن رايتس ووتس في تقرير لها حول قضية إعمراشا، الثلاثاء، من الدولة المغربية بمراجعة مسلسل محاكمته وقالت إن اعترافات المرتضى التي يستند عليها القضاء في إدانته، أخذت منه تحت التهديد، حيث يقول دفاعه أنه وقع على محضر الشرطة دون قراءته لأن عناصر الشرطة هددوه بتسريب صور حميمة له مع زوجته، وجدوها على حاسوبه المحمول الذي صادروه أثناء اعتقاله وان الحكم قد يكون “انتقاما لنشاطه في حركة احتجاج اجتماعي”.
وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “مرة أخرى، يُزج بناشط مغربي في السجن بعد أن أُدين على أساس اعترافات مطعون فيها”.
وقالت المنظمة الحقوقية إن اعتقال إعمراشا، محاولة من السلطات لـ “سحق الحركة الاحتجاجية”، في منطقة الريف التي انطلقت منذ نهاية تشرين الاول/ أكتوبر 2016 وأضافت في تقريرها أن قضية إعمراشا “قد لا تكون قضية إرهاب على الإطلاق، وإنما طريقة ملتوية لمعاقبة قيادي آخر لحركة احتجاجية، يبدو أن الحكومة المغربية مصممة على سحقها”.
تواصل المحاكمات
في غضون ذلك، تتواصل في مدينة الدار البيضاء منذ منتصف أيلول/سبتمبر 2017 محاكمة نشطاء الحراك السلمي في الريف المطالب بالتنمية ووقف التهميش، حيث تقوم هيئة محكمة الاستئناف باستنطاق المعتقلين الـ 53 وهم المعتقلون الذين تجري محاكمتهم بعيدا عن منطقة الاحتجاجات.
ويلاحق المتهمون بجناية المشاركة في المس بسلامة الدولة الداخلية عن طريق دفع السكان إلى إحداث التخريب في دوار أو منطقة، وجنح المساهمة في تنظيم مظاهرات في الطرق العمومية وفي عقد تجمعات عمومية من دون سابق تصريح، وإهانة هيئة منظمة ورجال القوة العامة في أثناء قيامهم بوظائفهم، والتهديد بارتكاب فعل من أفعال الاعتداء على الأموال، والتحريض على العصيان والتحريض علنا ضد الوحدة الترابية للمغرب.
عقوبات “قاسية” في انتظار نشطاء الحراك
كما يتابعون في جنح المشاركة في المس في السلامة الداخلية للدولة عن طريق تسلم مبالغ مالية وفوائد لتمويل نشاط ودعاية من شأنها المساس بوحدة المملكة المغربية وسيادتها وزعزعة ولاء المواطنين لها ولمؤسسات الشعب المغربي، والمساهمة في تنظيم مظاهرات في الطرق العمومية وعقد تجمعات عمومية من دون سابق تصريح والمشاركة في التحريض علنا ضد الوحدة الترابية.
وفي وقت سابق، قضت محكمة ابتدائية في مدينة الحسيمة، بسجن قرابة 100 ناشط ريفي لفترات متراوحة، على خلفية تورطهم في احتجاجات مدن الريف المغربي، وأدين النشطاء وأغلبهم من الشباب بالسجن لمدد تتراوح بين سنة و3 سنوات مع الشغل، فضلًا عن دفع غرامات تصل لـ500 يورو.
نتيجة فشلها في اخماد “الحراك”، تفضل الحكومة المغربية التركيز على الخيارات الأمنية واعتقال النشطاء
يتجاوز عدد الموقوفين على خلفية احتجاجات الحسيمة ومدن وقرى أخرى في منطقة الريف، التي انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول 2016 للمطالبة بالتنمية ورفع التهميش ومحاربة الفساد، أكثر من 300 شخص، وتتراوح التهم الموجهة للنشطاء بين التحريض على التظاهر غير المرخص له والتجمهر المسلح وارتكاب جنح أو جنايات وإهانة رجال الشرطة في أثناء مزاولتهم لمهامهم وممارسة العنف في حقهم والعصيان المسلح، فيما يخضع ما لا يقل عن 50 موقوفًا للتحقيق حاليًا على ذمة تهم تتعلق بأمن الدولة، بينما يخضع شخص آخر للتحقيق على خلفية تهم تتعلق بالإرهاب، وقد يُحكم على البعض منهم بالسجن المؤبد جراء ذلك، حسب منظمة العفو الدولية.
توتر منتظر
هذه الأحكام القضائية “القاسية” حسب وصف الأهالي والمحامين من شأنها أن تزيد من حدّة الاحتقان في مدن الريف التي تتسم علاقتها بالمركز بالتوتّر منذ عقود عدّة، فقد عرفت المنطقة بعض الاحتجاجات الاجتماعية في عهد العاهل الراحل الملك الحسن الثاني الذي قمع بشدة ثورة في الريف في عام 1958 وكان آنذاك وليًا للعهد، كما انتفضت المنطقة في احتجاجات اجتماعية في عام 1984 إلى جانب عدد من مناطق المغرب.
نتيجة فشلها في اخماد “الحراك”، تفضل الحكومة المغربية التركيز على الخيارات الأمنية واعتقال النشطاء، مما يساهم حسب عديد الخبراء في تعميق الهوة مع المحتجين ودفعهم إلى مزيد من الاحتجاج. وتكرّست هذه الهوة بفعل ردود الفعل العنيفة من قبل الحكم المركزي “المخزن” في المغرب على انتفاضات واحتجاجات شهدتها منطقة الريف مباشرة إثر استقلال المملكة نهاية الخمسينيات وفي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.