بدأت القوات العسكرية التركية بتاريخ 20 من يناير/كانون الثاني 2018، وبالاشتراك مع قوات الجيش السوري الحر، عملية عسكرية استهدفت الميليشيات الكردية الموجودة في منطقة عفرين شمال حلب، وذلك بهدف حماية الأمن القومي التركي والمساهمة في عودة اللاجئين السوريين كما صرح بذلك المسؤولون الأتراك.
حظيت العملية التي أُطلق عليها “غصن الزيتون” بزخم إعلامي كبير سواء من وسائل الإعلام التركية أو إعلام المعارضة في الداخل السوري، معتبرة العملية بطولية تهدف لتطهير المنطقة من إرهاب ميليشيات YPG على حد تعبيرها.
في المقابل كان هناك عمل عسكري من نوع آخر نفذته قوات النظام وميليشياته، مدعومة بالقوات الجوية الروسية، حيث تركزت تلك العمليات في مناطق ريف إدلب الشرقي وريف حلب الجنوبي في منطقة ما يسمى شرقي سكة القطار.
واستطاع النظام تحقيق تقدم كبير في المنطقة، وسقطت أكثر من 300 بلدة وقرية بوقت قياسي، من أهمها بلدة أبو ظهور ومطارها الإستراتيجي وسط أنباء عن انسحابات مفاجئة لقوات المعارضة، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام المكون العسكري الأبرز في محافظة إدلب.
يجري كل ذلك مع تحليلات عمت وسائل الإعلام عن صفقة سياسية جرت بين الروس والأتراك في تبادل السيطرة على المناطق، بالسماح للروس والنظام بتجاوز اتفاق خفض التصعيد وتصعيد العمل العسكري في مقابل انسحاب القوات الروسية من عفرين، وترك الميليشيات الكردية تواجه لوحدها مصيرًا مرًا في مواجهة الآلة العسكرية لسادس أقوى جيش في العالم وأقواها على مستوى الشرق الأوسط ألا وهو الجيش التركي.
أصبحت لهجة الانتقاد عالية، وازدادت وتيرة الشكوك في حقيقة الموقف التركي وهل هو فعلاً داعم للقضية والثورة السورية أم أن التفاهمات والتحالفات الدولية تملي عليه شيئًا آخر
أما إيجابيات عملية “غصن الزيتون” فتتمثل في انتزاع منطقة إستراتيجية من حليف قوي للنظام وهي المليشيات الكردية، بالإضافة إلى استعادة العديد من مدن وبلدات عربية قد استولت عليها تلك الميليشيات منذ أكثر من سنتين، وهو ما سيسمح لعشرات الآلاف من النازحين بالعودة إلى بيوتهم بعد رحلة تهجير مريرة.
كما ستعمل القوات التركية في حال حققت العملية أهدافها إلى فتح منطقة درع الفرات التي تقع تحت وصايتها مع مناطق ريف إدلب الشمالي وريف حلب الغربي التي نشرت فيها القوات التركية قُبيل العملية نقاط للمراقبة كل ذلك في سيناريو يُهيئ لوصل المناطق ببعضها البعض.
غصن الزيتون التي يشارك فيها نحو 25 ألف مقاتل من مقاتلي المعارضة، اعتبرها البعض وخاصة الذين يقيمون في منطقة ريف حلب الغربي وإدلب طعنة من الظهر وسببًا لسحب المقاتلين من تلك المناطق باتجاه المعركة مع أن جبهات إدلب بأمس الحاجة إليهم.
وأصبحت لهجة الانتقاد عالية، وازدادت وتيرة الشكوك في حقيقة الموقف التركي وهل هو فعلاً داعم للقضية والثورة السورية أم أن التفاهمات والتحالفات الدولية تملي عليه شيئًا آخر ولو كان سيتسبب بمزيد من المعاناة للشعب السوري المكلوم.
موجة نزوح هي الأكبر منذ انطلاقة الثورة السورية ومئات الآلاف من النازحين خلال فترة وجيزة، كل ذلك مع تقدم سريع لقوات النظام مدعومةً بالضامن الروسي لاتفاق خفض التصعيد يرافقه صمت مطبق للضامن التركي الذي انشغل بمعركة غصن الزيتون التي يراها خلاصًا لملايين النازحين السوريين على أراضيه، بينما يتناسى مئات آلاف النازحين الجدد في إدلب!
ينتقد البعض من المؤيدين لعملية غصن الزيتون خط سير المعركة التي تجاهلت البلدات العربية التي تقع تحت سيطرة الميليشيات الكردية
أما فصائل المعارضة فواقعها كالجسد المشلول أو المسلوب الإرادة، وذلك لخضوعها لمقررات أستانة والتزامها بخفض التصعيد وكأنها إملاءات لا يمكن تجاوزها، فبقيت التحركات العسكرية لتلك الفصائل خجولة للغاية، وسط ذهول الشارع السوري وارتفاع أصوات كثيرة تطالب بتفسير حقيقة ما يحصل ولماذا لم تقم الفصائل حتى بإصدار بيان توضح فيه ما يجري وبكل وضوح!
وعلت الأصوات للمطالبة بفتح جبهات تُوقف زحف النظام في محافظة إدلب وجاءت المطالبات بفتح معركة الساحل للضغط على النظام ونقل المعركة إلى أراضيه.
يقول الناشط السياسي مصطفى سليمان على صفحته في فيسبوك :”أليست عملية غصن الليمون في اللاذقية أولى من غصن الزيتون في عفرين؟!”.
أما الشيخ عبد الرزاق المهدي فيقول على قناته على تيليغرام: “جبهة الساحل هادئة! مع أنها تقصم ظهر بشار وطائفته والروس معهم! اشعلوا جبهة الساحل يا رجال! ماذا تنتظرون فالروس وأذنابهم ما تركوا بلدة ولا ناحية ولا مركزًا طبيًا ولا مشفى ولا مبنى يتحصن فيه المدنيون إلا استهدفوه بأنواع الأسلحة، لا بد من رد مزلزل، افتحوا جبهة الساحل ولا تترددوا واقصموا ظهر عدوكم يا رجال”.
من ناحية أخرى ينتقد البعض من المؤيدين لعملية غصن الزيتون خط سير المعركة التي تجاهلت البلدات العربية التي تقع تحت سيطرة الميليشيات الكردية، فلماذا لم تتحرك القوات البرية لاستعادتها؟ ألا يكون ذلك حافزًا قويًا لمجموع المقاتلين (الذي ينحدر كثير منهم من تلك القرى) على الاستمرار في المعركة حتى نهايتها؟
قد يكون هناك تكتيك عسكري للأتراك في ترك تلك القرى والبلدات تسقط فيما بعد دون قتال وذلك بعد سقوط معقل الأكراد في عفرين، وقد يكون هناك نوايا أخرى لا يعلمها إلا الله، ولكن الشيء المؤكد أن العملية التي قد تطول أشهر إن لم يرافقها عمل جاد باتجاه البلدات العربية، فإن تململ المقاتلين سيزيد وقد يتسبب في شرخ كبير في جبهة إعزاز الذي سيكون له عواقب وخيمة على كامل العملية.
عملية غصن الزيتون تسير ببطء مع وعورة تضاريس منطقة عفرين، في المقابل تستمر عمليات القصف الواسعة التي تطال مناطق إدلب والغوطة ومجازر مستمرة تُرتكب بحق المدنيين مع تجاهل تام لاتفاق خفض التصعيد الذي يظهر أنه اتفاق من طرف واحد تلتزم به المعارضة إلى حد كبير، بينما يلتزم به النظام وحلفاؤه إن ظهر لهم مصلحة في ذلك، كل ذلك مع استمرار معاناة الشعب السوري الذي لم يعد يرى أفقًا لانتهاء مأساته التي هي ثمرة لتفاهمات سياسية بين اللاعبين الفاعلين على الأرض السورية.