لا تزال سلطات الاحتلال الإسرائيلي بكل أجهزتها الأمنية والاستخباراتية المتطورة، تبحث عن حلول عملية ورادعة لترقيع الفشل الكبير الذي حققته، بعد نجاح المقاومة الفلسطينية الفردية في تخطي الخطوط الحمراء وتحقيق إنجازات أصابت الاحتلال في مقتل وباتت هاجسًا كبيرًا يؤرق الإسرائيليين كافة أينما وجدوا.
“فشلنا في السيطرة على العمليات الفردية للمقاومة الفلسطينية”، كان هذا آخر استنتاج توصلت له أجهزة الأمن الإسرائيلية، مع تصاعد العمليات البطولية التي ينفذها فلسطينيون بالضفة الغربية والقدس، وشهدت ارتفاعًا ملحوظًا خلال شهر فبراير الحاليّ وأدت لمقتل عدد من المستوطنين.
وتحدثت تقارير عبرية كثيرة بأن الاحتلال فشل في إيقاف العمليات النوعية التي يقوم بها الفلسطينيون بصورة منفردة ودون أي تنسيق مع أي جماعة، وكان ذلك حاضرًا في العمليات الأخيرة التي نفذت بالضفة، وخلقت معادلة قوية وجديدة في مقاومة المحتل.
معادلة المقاومة
رغم التضييق والحصار والاعتقالات اليومية للكثير من الشبان الفلسطينيين، فإن الضربات التي يتلقاها الاحتلال لم تتوقف للحظة واحدة، والعمليات الفردية البطولية تواصلت، حتى باتت قلقًا يؤرق الاحتلال ويقض مضاجعه في كل حين وهو الجيش الذي يدعي أنه لا يقهر.
ما زالت قوات الاحتلال، لليوم الخامس على التوالي، تواصل البحث عن الشاب الفلسطيني الذي نفذ عملية الطعن قرب مستوطنة “أرائيل” بمدينة سلفيت، الإثنين، وقتل مستوطنًا قبل الانسحاب من مكان العملية
استمرار العمليات الفردية في مدن الضفة الغربية، كشف زيف إحكام جيش الاحتلال قبضته الأمنية التي تغنى بها كثيرًا، إذ برهن منفذو العمليات البطولية على استمرار الانتفاضة، وصنع معادلة جديدة تزعزع أمنه واستقراره بتوجيه ضربات موجعة ضد جنوده ومستوطنيه، ونجاحهم بالتخفي عن أنظاره لفترات طويلة، رغم إجراءات الاحتلال وتدابيره العسكرية الكبيرة.
ومرة جديدة، ينجح فيها مقاوم فلسطيني بتنفيذ عملية فدائية في مدينة سلفيت ثم يتمكن من الانسحاب من مكان التنفيذ، تمامًا كما حدث مع الشهيد أحمد جرار الذي لاحقته قوات الاحتلال لنحو شهر قبل أن يستشهد بمنطقة اليامون بمدينة جنين شمالي الضفة المحتلة، الذي يتهمه الاحتلال بالوقوف خلف قتل الحاخام الإسرائيلي رزيئيل شيبح الشهر الماضي.
هذا وما زالت قوات الاحتلال، لليوم الخامس على التوالي، تواصل البحث عن الشاب الفلسطيني الذي نفذ عملية الطعن قرب مستوطنة “أرائيل” بمدينة سلفيت، الإثنين، وقتل مستوطنًا قبل الانسحاب من مكان العملية.
ويرى مراقبون أن العمليات في الضفة المحتلة ستشهد خلال الفترة القليلة المقبلة تصاعدًا، لا سيما أن نموذج الشهيد جرار بات مصدر قلق كبير لدى جيش الاحتلال، في الوقت الذي يخشى فيه من أن يتسع هذا النموذج بشكل يساهم في تصاعد العمليات المقاومة.
وهنا يقول القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أحمد المدلل إن “وسائل وأساليب انتفاضة القدس، تتطور وتتعدد كل يوم تستمر فيه انتهاكات الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني”، لافتًا إلى أن العمليات الفردية باتت تربك بشكل قوي المنظومة الإسرائيلية التي لا تستطيع الوصول إلى طرف خيط مجاهد يمضي بسكين مطبخ لطعن جندي.
وشدد المدلل على أن خيار المقاومة هو النهج الذي يؤمن به كل أبناء الشعب الفلسطيني للتصدي للاحتلال الإسرائيلي، ليبرهنوا حبهم للمقاومة وأفرادها حين يتم احتضان منفذي العمليات البطولية الذي ينسحبون من مكان العملية دون اعتقالهم أو إطلاق النار عليهم.
وأشار إلى أن العمليات الفردية والنوعية التي نفذت خلال الأيام الماضية والمستمر تنفيذها مع استمرار الانتفاضة، قلبت ميزان القوة الذي يتغنى به الاحتلال، وصنعت معادلة جديدة، بثت الرعب في قلوبهم، فبات كل هدف إسرائيلي تحت أعين المقاومة، ومرمى أسلحتها البيضاء.
دفع الثمن
خبراء عسكريون ومختصون في الشؤون الإسرائيلية أكدوا أن عودة العمل الفردي والمنظم في مدن الضفة الغربية بات مقلقًا للاحتلال رغم التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، وهو دليل على فشل المنظومة الأمنية الإسرائيلية في الكشف سريعًا عن هوية المنفذين، مؤكدين أننا أمام مشهد وحالة من الانتفاضة الشعبية قد تكون أحد معالمها التصدي لصفقة القرن.
اللواء واصف عريقات الخبير العسكري، أكد وجود تطور كبير في أداء منفذي العمليات الفردية وأداة الخلايا الصغيرة الذي يكمن في اختيار الهدف وتحديد مكانه وزمانه وتنفيذ العمليات، ثم الإفلات من قبضة الاحتلال، لافتًا إلى أن أسلوب التخفي الذي يعتمده منفذو العمليات، يجعل الاحتلال يدفع الثمن باهظًا، بتجنيد أجهزته ومعداته العسكرية كافة، حتى يتمكن من الوصول للمنفذ.
وشدد عريقات على أن مشاركة طائرات الاحتلال المروحية ووحدات المظلين أجهزته كافة، تظهر مدى الفشل الذريع الذي مني به العدو، للوصول إلى منفذي العمليات البطولية.
ولفت إلى أن طول فترة التخفي تنبع من حالة الوعي القوية للمقاومين التي تتجلي بعدم إعطاء العدو معلومات مجانية، من خلال منع الحديث فيما بينهم أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن أي معلومة من الممكن أن تستخدم ضدهم، وكذلك حالة الوعي التي وصل إليها الشعب الفلسطيني بحذف تسجيلات كاميرات المراقبة المثبتة أمام محلاتهم التجارية.
ونوه عريقات إلى أن استمرار الاحتلال باختراع وسائل عسكرية متطورة وجديدة؛ لوأد الانتفاضة المشتعلة، يدفع الشاب المقاوم إلى استحداث أساليب قتالية جديدة، يستطيع من خلالها إيذاء العدو ويبرهن على فشله رغم امتلاكه أقوى ترسانة عسكرية.
يعتبر الخبير في الشؤون الإسرائيلية مأمون أبو عامر أن العمليات الأخيرة بالضفة، ونجاح الشهيد أحمد جرار في إذلال الاحتلال في مطاردته واستشهاده بعد ما يقارب شهر، أدت إلى عملية تعبئة داخل أبناء الشعب الفلسطيني في مدن الضفة المحتلة كافة
بدوره رأى الخبير في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي، أن عملية الشهيد أحمد جرار تدل على عودة العمل المنظم وليس فقط العمل الفردي، وهذا الأمر أقلق الاحتلال رغم كل التعزيزات الأمنية والمشددة وحصاره اليومي لمدن وقرى الضفة.
ويقول النعامي: “الاحتلال قام بتجربة الكثير من عمليات القمع والاعتقال وهدم المنازل والقتل، ولكن كل ذلك لم يجد نفعًا مع الفلسطينيين”، ويضيف “الواقع السياسي بالضفة بعد فشل عملية التسوية يشكل عاملاً آخر لدفع المقاومة والعمل المقاومة في ظل ازدياد رقعة الاستيطان وعمليات التهويد وقمع المستوطنين، وظلمهم للعائلات الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة.
كما ويعتبر الخبير في الشؤون الإسرائيلية مأمون أبو عامر أن العمليات الأخيرة بالضفة ونجاح الشهيد أحمد جرار في إذلال الاحتلال في مطاردته واستشهاده بعد ما يقارب شهر، أدت إلى عملية تعبئة داخل أبناء الشعب الفلسطيني في مدن الضفة المحتلة كافة، واتضح ذلك من خلال التفاعل الجماهيري والغضب الكبير مثلما حدث في مدينتي نابلس وجنين. مؤكدًا أن الفلسطينيين أمام مشهد جديد وجلل في الضفة الغربية، وحالة من الانتفاضة الشعبية العارمة، قد تكون أحد معالمها التصدي لصفقة القرن التي يسعى لها ترامب.
وينهي أبو عامر قوله بأن “كل أساليب الردع الإسرائيلية لم تنفع مع الفلسطينيين، وكل الإجراءات القمعية والتعسفية والاعتقال والإعدام أثبتت أن الاحتلال فشل في هزيمة الشعب، وأن هناك جيلاً جديدًا من الشباب يخطط لمرحلة جديدة من العمل المقاوم”.