أعلن الجيش الإسرائيلي بشكل مفاجئ صباح يوم السبت 10 من فبراير/شباط 2018، سقوط طائرة حربية تابعة له ضمن أراضي الجولان المحتلة، بعد استهدافها من دفاعات الجو التابعة للنظام السوري، مع تأكيده على نجاة طاقمها قُبيل تحطم الطائرة واحتراقها بشكل كامل.
تأتي هذه التطورات بعد أن أسقطت مروحية إسرائيلية طائرة استطلاع إيرانية عند اختراقها المجال الجوي الإسرائيلي لأقل من دقيقتين، وهو ما اعتبرته “إسرائيل” عملًا عدوانيًا تجسسيًا استدعى إسقاط الطائرة على الفور، بل زادت “إسرائيل” من حدة هجماتها فانطلقت طائراتها الحربية لتخترق المجال الجوي السوري، وتصل مطار التيفور في تدمر شرق حمص وسط البلاد، واستهدفت مواقع النظام هناك، ثم جابت أجواء العاصمة دمشق ودمرت 12 موقعًا عسكريًا منها 4 مواقع تتمركز فيها قوات عسكرية إيرانية.
هذه الضربات الموجعة التي أرادت “إسرائيل” أن تبرز من خلالها قوتها العسكرية وأنها لن تتساهل مع أي عمليات استفزازية تجاهها، لم تمر هذه المرة بلا رد، بل تجاوز النظام السوري للمرة الأولى مبدأه في الاحتفاظ بحق الرد، وقام فعلًا بالرد وأسقطت دفاعته طائرة حربية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي وذلك من خلال استهدافها من داخل الأراضي السورية.
هذا ومن الجدير بالذكر أن الطيران الإسرائيلي استهدف مواقع النظام 78 مرةً وهذا فقط منذ عام 2011 أي منذ بداية ثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد، ناهيك عن عدة غارات نفذها الطيران الإسرائيلي قبل ذلك وجاب بكل أريحية جنوب وشمال البلاد دون اعتراض الدفاعات السورية.
وكان الموقف السوري الرسمي دائمًا يندرج تحت عنوان “الاحتفاظ بحق الرد” لتجنيب المنطقة أتون حرب قد لا تبقي ولا تذر، هكذا كان تبرير نظام الأسد، مصرحًا أنه يسعى إلى السلام الشامل والعادل مع الطرف الإسرائيلي.
الجانب الإسرائيلي هو الذي احتفظ بحق الرد هذه المرة، وأنه حسب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لا يسعى إلى التصعيد
فما الذي تغير هذه المرة؟ وكيف يتجرأ نظام الأسد على فعلته تلك التي قد تجر “إسرائيل” إلى حرب مفتوحة معه وهو ليس في موقف يُحسد عليه عسكريًا ليخوض حربًا مع الانهيار شبه تام لقواته العسكرية بعد 7 سنوات من الحرب الداخلية وخسارته لعشرات الآلاف من جنوده في المعارك مع المعارضة؟
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي اللفتنانت كولونيل جوناثان كونريكوس، أكد أن إيران وسوريا “تلعبان بالنار بارتكابهما مثل هذه الأعمال العدوانية”، مضيفًا “إننا لا نسعى إلى التصعيد لكننا جاهزون لمختلف السيناريوهات ومستعدون لجعلهم يدفعون ثمنًا باهظًا على مثل هذه الأعمال”.
فمن الواضح أن الجانب الإسرائيلي هو الذي احتفظ بحق الرد هذه المرة وأنه حسب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لا يسعى إلى التصعيد، بل المتتبع لوسائل الإعلام الإسرائيلي ولتصريحات المتحدث نفسه لا يرى تأكيدًا صريحًا بكون دفاعات النظام السوري من أسقطت الطائرة، بل هناك محاولات لنسبة السبب لعطل فني في الطائرة أو نيران مجهولة المصدر!
ولعل هذه التصريحات الإسرائيلية المخففة تكشف بقوة الموقف الرسمي المساند لنظام بشار الأسد وعدم نية الإسرائيليين العمل بأي شكل من الأشكال على مواجهة عسكرية شاملة قد تساهم في سقوط نظامه المتهاوي، وهو ما يؤكد تصريحات إسرائيلية كثيرة غير رسمية، تصف بشار الأسد بأنه صمام الأمان لـ”إسرائيل” وأفضل رئيس حمى حدودها.
ويمكن تفسير التغاضي الإسرائيلي عن إسقاط الطائرة من قبل نظام الأسد، أنها عملية تلميع للنظام الذي تلقى ضربة موجعة، فهي أقوى ضربة عسكرية يتلقاها منذ عام 1982 كما صرح بذلك سلاح الجو الإسرائيلي في بيان له مساء السبت.
هم يدرسون السماح لسلاح الجو الإسرائيلي بتنفيذ بعض الغارات وفقط لـ48 ساعة مقبلة وبعدها ينتهي كل شيء وتعود الأمور لتستقر من جديد
يقول رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب، عبر تغريدة له على “تويتر”: “إسقاط الطائرة الإسرائيلية فوق الجولان المحتل تحول إستراتيجي كبير تحية للجيش العربي السوري البطل، وتحية كبيرة للرئيس بشار الأسد لإعطائه الأوامر للجيش بإسقاط الخطوط الحمر في مواجهة العدو”، إذًا هي خطوط حمراء آن الأوان لتجاوزها وهو ما يعطي لبشار الأسد زخمًا جديدًا عند مؤيديه!
وما يؤكد أن العمليات العسكرية الإسرائيلية محدودة ومؤقتة وليس هناك نية لمواجهة شاملة هو ما نقلته قناة العربية عن مراسلها في القدس بأن أعضاء الحكومة الإسرائيلية المصغرة لشؤون الأمن، وبعد مشاورات هاتفية، يدرسون السماح لجيش الاحتلال بتنفيذ غارات نوعية في العمق السوري ضد أهداف إيرانية وسورية خلال الـ48 ساعة المقبلة.
إذًا هم يدرسون السماح لسلاح الجو الإسرائيلي بتنفيذ بعض الغارات وفقط لـ48 ساعة مقبلة وبعدها ينتهي كل شيء وتعود الأمور لتستقر من جديد، كل ذلك حفاظًا على حامي “إسرائيل” الأول نظام بشار الأسد الذي يشكل انهيار نظامه كارثة قد تحل على الكيان اليهودي الذي يتخوف من انتقال المعارك إلى أراضيه ويرى بقاء الأسد خيرًا من ذهابه.
يذكر أن سلاح الجو الإسرائيلي قام فقط منذ 3 أيام في 7 من فبراير/شباط وللمرة الرابعة باستهداف مواقع ومخازن أسلحة تابعة للنظام السوري في مركز البحوث العلمية في منطقة جمرايا قرب دمشق دون أن تقوم الدفاعات السورية باعتراض تلك الطائرات واحتفظت بحق الرد كعادتها.