في خضم أزمة دبلوماسية مستعصية بين الصومال وإثيوبيا منذ أكثر من 6 أشهر، أجرى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يوم الأربعاء، اتصالين هاتفيين مع كل من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي.
قالت وكالة الأنباء القطرية الرسمية (قنا)، إنه جرى خلال الاتصال مع الرئيس الصومالي “بحث العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وأوجه تعزيزها”، كما جرى خلال الاتصال “استعراض آخر تطورات الأوضاع في الصومال، وعدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”.
اتصالان في نصف ساعة
في الاتصال الآخر، بحث أمير قطر مع رئيس الوزراء الإثيوبي “السبل الكفيلة بدعم وتطوير علاقات التعاون القائمة بين البلدين الصديقين في مختلف المجالات”، “كما جرى خلال الاتصال مناقشة أبرز المستجدات ذات الاهتمام المشترك إقليميًا ودوليًا”، وفقًا لوكالة الأنباء القطرية الرسمية في بيانها الذي صدر بعد نصف ساعة من البيان الأول.
الاتصالات المتزامنة التي أجراها أمير قطر الشيخ تميم مع قادة البلدين أنعشت الآمال في إمكانية طرح الدوحة وساطة لحل الخلاف الدبلوماسي الذي اندلع بين الجارتين منذ مطلع العام الحاليّ 2024.
#Q:Could Amir Shaikh Tamim of Qatar’s call to President HSM and Prime Minister Abiy Ahmed be offering a new path to peace in the Somalia-Ethiopia dispute? #Diplomacy #Somalia #Ethiopia #Qatar #ConflictResolution pic.twitter.com/3FjZk2zh7o
— Voice of Horn (@VoiceofHorn) June 13, 2024
ذلك أن قطر اشتهرت بتبنيها دبلوماسية الوساطة لحل الأزمات الدولية، ونجحت في إيجاد حلول سلمية لكثير من الأزمات المختلفة، كان آخرها الوساطة التي لا تزال قائمة بين حماس والاحتلال الإسرائيلي، حيث تمكنت جهود الدوحة من توقيع اتفاق لهدنة مؤقتة بين المقاومة الفلسطينية و”إسرائيل” لمدة 4 أيام ابتداءً من 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
كانت قطر تهدف – وما زالت – إلى إيجاد وقف شامل ودائم لإطلاق النار في غزة مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى والمحتجزين، لكنها اصطدمت بتعنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، ورغم ذلك لا تزال مستمرة في وساطتها.
اتفاقية إثيوبيا مع أرض الصومال أشعلت الأزمة
بالعودة إلى توترات منطقة القرن الإفريقي، نجد أن الأزمة الدبلوماسية بين الصومال وإثيوبيا اندلعت مطلع العام الحاليّ 2024 بإعلان أديس أبابا توقيع مذكرة تفاهم مع إقليم “أرض الصومال” الانفصالي، تقضي باستئجار إثيوبيا مساحة 20 كيلومترًا من “أرض الصومال” تطل على خليج عدن لمدة 50 عامًا، ولأغراض مختلفة على رأسها إقامة قاعدة عسكرية بحرية، بالإضافة إلى استخدام ميناء بربرة التجاري، وهو ما أثار الكثير من التوترات، خاصة مع إعلان مستشار كبير للرئيس الصومالي أن مقديشو “مستعدة لخوض الحرب” لمنع إثيوبيا من الاعتراف بالإقليم الانفصالي، الذي تعتبره الأمم المتحدة جزءًا من جمهورية الصومال.
وقال عبد الرحمن باديو، كبير مستشاري الرئيس الصومالي، إن الصومال قرر بناء العديد من الموانئ على طول سواحله لتعزيز العلاقات التجارية مع إثيوبيا في 4 ولايات فيدرالية، وذلك كبادرة لتعزيز حسن الجوار، وهذه الموانئ هي ميناء غرعد في بونتلاند، وميناء هوبيا في إقليم غلمدغ، وميناء عدله في هيرشبيلي، وميناء مركا أو ميناء براوي في الجنوب الغربي.
وأردف: “كان من المتوقع أن تكون جميع تلك الموانئ مرتبطة بالحدود الصومالية الإثيوبية، وكان يمكن أن تستخدمها إثيوبيا بطريقة قانونية، لكنها لجأت لخطة أخرى مخالفة ومعتدية على السيادة الصومالية”، حسب وصفه.
ومن جانبه، قللّ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد من مخاوف نشوب حرب بين بلاده والصومال بسبب سعي بلاده للوصول إلى البحر، قائلًا إن إثيوبيا تريد فقط تقاسم السلام مع جيرانها.
وفي حديثه أمام المشرعين في وقتٍ سابقٍ، قال آبي إنه “ليس لديه رغبة” في خوض حرب مع الصومال، وأضاف: “من أجل ضمان السلام في الصومال، مات آلاف الإثيوبيين في الصومال”، في إشارة إلى القوات الإثيوبية المساهمة في مهمة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي في الحرب ضد حركة الشباب.
وقال رئيس الوزراء الإثيوبي: “إننا نموت في الصومال لأن السلام في الصومال هو سلام إثيوبيا. إن تنمية الصومال هي تنمية لبلدنا. نحن نؤمن بأننا إخوة”، وتابع: “لا نريد القتال. نريد صومالًا قويًا ومزدهرًا يكون سوقًا للمنتجات الإثيوبية”.
وزير المالية الإثيوبي يسلم أمير قطر رسالة من آبي أحمد قبل يومين
كان لافتًا أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بعث رسالة خطية إلى أمير قطر قبل أيام قليلة من الاتصالات التي انخرط فيها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مع الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي.
أوضحت وكالة الأنباء القطرية الرسمية أن الرسالة “تتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها”، وأضافت أنه قام بنقل الرسالة أحمد شيدي وزير المالية الإثيوبي وذلك خلال استقبال الأمير له في مكتبه بقصر لوسيل.
لم تكشف وسائل الإعلام القطرية ولا الإثيوبية تفاصيل الرسالة، لكن موقع “نيو أديس” رجّح أن يكون رئيس الوزراء الإثيوبي طلب مساعدة مالية من قطر، ويستدل على ذلك بأن اختيار وزير المالية لتسليم الرسالة يشير إلى أن رئيس الوزراء آبي أحمد يريد مساعدة اقتصادية من قطر.
ويوضح الموقع الذي يديره المحلل ساجد نديم أن الاقتصاد الإثيوبي يتعرض لضغوط لأن العملة الرسمية (البر) تفقد قيمتها، موضحًا أن سعر الصرف الرسمي للبر هو 57 للدولار، لكن سعره في السوق السوداء 120 للدولار الواحد.
وأضاف موقع “نيو أديس” أنّ إثيوبيا تجري محادثات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منذ أكثر من عام، على أمل الحصول على حزمة إنقاذ تقدر بعدة مليارات من الدولارات، وتريد مؤسستا التمويل من الحكومة الإثيوبية خفض قيمة البر، والحكومة الإثيوبية مستعدة لخفض قيمة البر بنسبة لا تزيد على 10%، بينما يريد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي خفض قيمة العملة الإثيوبية بنحو 60%.
إثيوبيا تسعى لحث قطر على تخفيف دعم تركيا للصومال
مع ذلك، لم يستبعد الموقع أن يكون الخلاف مع الصومال ضمن أجندة الرسالة، موضحًا أن إثيوبيا تسعى لدعم قطري لتخفيف ضغوط تركيا الهادفة لمنع إثيوبيا من تنفيذ مذكرة التفاهم مع أرض الصومال.
وأشار إلى أن إثيوبيا وصوماليلاند تستعدان لتنفيذ مذكرة التفاهم التي ستتيح لإثيوبيا غير الساحلية الوصول إلى البحر عبر أرض الصومال مقابل اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال كبلد مستقل.
ولفت “نيو أديس” إلى أن إثيوبيا، التي تراعي الصداقة بين تركيا وقطر، تتطلع لأن تقوم قطر بحث تركيا على عدم التدخل لدعم الصومال، ذلك أن الصومال وقع بعد شهر من مذكرة التفاهم الإثيوبية مع أرض الصومال اتفاقًا مع تركيا لحماية مياهه الإقليمية وبناء قوة بحرية.
وساطة قطر قديمة لكنها تباطأت بسبب حرب غزة
حسن قرني كاتب ومحلل صومالي كشف لـ”نون بوست” أن هناك وساطة قطرية بالفعل بدأت منذ اندلاع الأزمة بين الصومال وإثيوبيا، لكنها كانت وساطة بطيئة بسبب انشغال الكل بالوضع في غزة، إضافة إلى المواقف المتباعدة جدًا، ورفض الصومال كل الوساطات إلا بعد إلغاء إثيوبيا مذكرة التفاهم، بينما تمسكت الأخيرة بإبقاء المذكرة والتفاوض عليها بشكل محدود.
وأضاف أن البلدين في الوقت الحاليّ منفتحان للوساطة (دون شروط مسبقة)، ويتوقع قرني أن تكلل الوساطة القطرية بالنجاح، قبل أن يستدرك أن هذا لا يعني انتهاء الأزمة نهائيًا لأن الحلم الحبشي بالوصول إلى المياه راسخ، وهو عقيدة تتوارثها الأجيال بحسب وصفه.
وبينما يبدي الأكاديمي الإثيوبي مولوغيتا زيليكي تفاؤلًا بإمكانية نجاح قطر في الوصول إلى تسوية سريعة للأزمة، فإنه يشير إلى أن المواقف لا تزال متباعدة بين بلاده وإثيوبيا، ولا توجد بوادر تدل على تنازلات من أي منهما بحسب تعبيره.
ويصف في حديث مع “نون بوست” الاتصالات التي أجراها أمير قطر مع قادة إثيوبيا والصومال بأنها “مبادرة طيبة ومحاولة لتخفيف التوترات وإيجاد حل للخلاف بين إثيوبيا والصومال”.
وكشف مولوغيتا لـ”نون بوست” أن الوفد الإثيوبي الذي قام بتسليم رسالة رئيس الوزراء آبي أحمد يضم إلى جانب وزير المالية أحمد شيدي، رئيس المخابرات تمسقن طورونه، مشيرًا إلى أن إثيوبيا راغبة بالفعل في إيجاد حل للنزاع بالوسائل الدبلوماسية.
قطر لديها علاقاتها جيدة مع إثيوبيا والصومال
يضيف الأكاديمي الإثيوبي أن قطر تتميز بعلاقاتٍ جيدةٍ مع الدولتين وبامتلاكها خبرة ثرية في التوسط بصراعات الشرق الأوسط وغيره، إلا أن نجاح الوساطة يتطلب من جميع الأطراف أن تتعامل مع المفاوضات بعقل متفتح واستعداد لتقديم تنازلات خاصة الجانب الصومالي، داعيًا مقديشو للنظر إلى أهمية علاقاتها مع إثيوبيا وكيف أن الأخيرة تلعب دورًا في الحرب على حركة الشباب، بحسب ما قال زيليكي.
يُذكر أن قطر نجحت قبل 3 أعوام في التوسط بين جمهوريتي الصومال وكينيا، كما قامت الدوحة بجهود الوساطة في الصومال لحل الخلافات السياسية المتعلقة بالانتخابات، وذلك عبر الحوار والتوافق الشامل بين الأطراف الصومالية.
والأزمة بين الصومال وإثيوبيا ليست بسيطة أو محصورة بين الدولتين كما قد يتصور البعض، بل لديها امتدادات عديدة تفوق أمن منطقة القرن الإفريقي والأمن الإقليمي بشكل عام، فيكفي أن نتذكر أنه بسبب هذه الأزمة الدبلوماسية كادت أن تقع كارثة جوية فوق خليج عدن بالقرب من الصومال في فبراير/شباط الماضي.
إذ نجت طائرة قطرية من نوع بوينغ 787 من الاصطدام بأخرى إثيوبية من طراز إيرباص إيه 350، عندما كانتا تحلقان فوق خليج عدن قرب الصومال بعد شهر من التوتر الدبلوماسي ووقف التنسيق بين الصومال وإثيوبيا.
Today at around 12:32 pm in East Africa, the Qatar Airways flight (Qatar 6U) that came from the Valley to Entebbe and was flying at a constant altitude (38000ft) was wrongly told by the controllers in Mogadishu to climb to 40,000 feet. pic.twitter.com/EAB23kWu7v
— Somaliland Civil Aviation and Airports Authority (@CAAA_SL) February 24, 2024
وقد أصدرت هيئة الطيران الصومالية حينها بيانًا بشأن الحادثة، وقالت إنها باشرت التحقيق في ملابساتها، وجاء في بيان الهيئة الصومالية أن الطائرتين نجتا من حادث تصادم وشيك في أثناء تحليقهما فوق خليج عدن بالقرب من الصومال.
وأوضح البيان الذي تناولته وسائل إعلام قطرية ويمنية أن الطائرة القطرية كانت تسلك طريق الدوحة – عنتيبي في أوغندا، وكانت تحلق على ارتفاع 38 ألف قدم عند الساعة 12:32 بتوقيت شرق إفريقيا، وتبين أنه كانت تحلق على نفس الارتفاع وفي نفس المكان طائرة للخطوط الإثيوبية في طريقها من أديس أبابا إلى دبي.
أخيرًا، تظهر الاتصالات التي أجراها أمير قطر بقادة الصومال وإثيوبيا التزام الدوحة بانتهاج أسلوب المبادرة، وبذل الجهود لتقريب وجهات نظر أطراف الصراع، والدبلوماسية القطرية بارعة بشكل عام في الوساطة والانخراط الدؤوب مع الأطراف الإقليمية والدولية لإيجاد حلول للصراعات والأزمات، وتحظى الدوحة بتقديرٍ دولي واضح بهذا الخصوص، وتتمتع بقدر كبير من القبول والمصداقية من كل الأطراف، الأمر الذي يُرجى أن ينعكس على الأزمة بين إثيوبيا والصومال.