ترجمة حفصة جودة
في يوم الأربعاء الماضي حدث أمران، في سوريا؛ قُتل 80 شخصًا بغارات جوية شنتها حكومة الأسد، وفي الوقت نفسه في فلوريدا؛ أرسل إيلون ماسك سيارة رياضية إلى الفضاء، خمِن أي الخبرين تصدر عناوين الصحف والمواقع الإخبارية؟
كان انطلاق صاروخ “فالكون هيفي” المنتظر هو أقوى انطلاق قامت به شركة خاصة، وقد تم الأمر دون أي عقبات، لقد أرسل إيلون ماسك سيارة تسلا “روود ستار” نحو المريخ ليسجل ما وصفته شبكة سي إن إن “عصر فضاء جديد”.
يتوقع ماسك أن يدور الصاروخ والسيارة حول الشمس لمئات ملايين السنين، لكن الخبراء يعتقدون أنهما سيتفككان خلال عام، كان الحدث ظاهرة عامة، ففي وقت الانطلاق كان هناك نحو 2.3 مليون شخص يشاهدون بثًا مباشرًا للحدث، مما جعل انطلاق الصاروخ عملاً دعائيًا مميزا لتسلا.
يقول ماسك إنه يرغب في المشاركة في سباقات الفضاء لأن السباقات مثيرة وممتعة
في الوقت نفسه في سوريا؛ هناك مئات الآلاف من اللاجئين السوريين ربما يضطرون للعودة إلى منازلهم غير الآمنة وسط رد فعل عالمي مناهض للاجئين، يقول أحد النشطاء المعارضين للحكومة بإحباط: “لماذا أزعج نفسي بتصوير آثار التفجير والدمار الذي يتبعه، وليس هناك من يهتم على الإطلاق”، ويتساءل منسق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في سوريا عن مستوى العنف الذي يجب أن نصل إليه حتى يهتم العالم بما يحدث، فلم يعد هناك أي كلمات كافية لوصف الأزمة.
ربما لا توجد طريقة أفضل لإدراك مأساة هذا التفاوت العالمي في القرن الـ21؛ من مشاهدة هذا الملياردير وهو ينفق 90 مليون دولار لإرسال سيارة ثمنها 100 ألف دولار إلى الفضاء لتدور في النظام الشمسي.
يقول ماسك إنه يرغب في المشاركة في سباقات الفضاء لأن السباقات مثيرة وممتعة، ورغم أن إرسال سيارته مع صاروخ إلى الفضاء أمرًا تافهًا وممتعًا فإنه يرى أن الأشياء التافهة والممتعة مهمة، وبالتالي فأي شخص يذكر هذا التبديد الضخم الذي يتضمنه المشروع أو يتحدث عن الاستخدامات الاجتماعية المتنوعة التي يمكن أن نستغل فيها هذه الموارد المهدرة، سوف ينبذه الجميع ويعتبرونه “قاتل البهجة”.
لكننا لسنا بحاجة لأن نكره المتعة حتى نتساءل عن الهدف والمبرر من السعي وراء هذه السباقات الفضائية المكلفة في هذا الوقت تحديدًا، فإذا بحثنا في الموقف بكل صدق وتغلبنا على شعورنا الطبيعي بأن الصواريخ شيء لطيف وممتع، فسنجد أنه من الصعب أن ندافع عن مثل هذا المشروع.
إذا كان هناك توزيعًا عادلاً للثروة في تلك البلاد؛ لم يكن ليتمكن أي شخص من تمويل برنامج فضاء خاص به
تبدو بعثة المريخ أمرًا مثيرًا بالفعل؛ لكن من المهم أن نبدأ بالأولويات، ربما يجب أولاً أن نقوم بحملة حتى لا يموت طفل كل دقيقتين بسبب الملاريا، أو ربما يجب أن نبدأ بمعالجة مستوى الفقر الذي وصلت إليه ولاية ألاباما؛ فقد وصلت إلى مستوى لا يصدق مفتش الأمم المتحدة أنه ما زال موجودًا في إحدى دول العالم الأول، ربما يجب أن نبدأ بحل مشكلات العنف والفقر والأمراض أولاً ثم نتوجه بعد ذلك إلى النجوم والفضاء.
يعتقد الكثيرون أن ما اختار إيلون ماسك أن يفعله بملايينه من شأنه فقط، فإذا اختار أن ينفقها على علاج الأطفال فهو أمر جيد، أما إذا اختار أن ينفقها في أشياء مثيرة وإرسال سيارته إلى الفضاء البعيد فمن حقه تمامًا.
لكن ماسك أصبح غنيًا بما فيه الكفاية لكي يتحمل تكلفة هذه المشاريع المثيرة لأننا سمحنا في البداية بظهور مثل هذه الفوارق الاجتماعية الكبيرة، فإذا كان هناك توزيعًا عادلاً للثروة في تلك البلاد؛ لم يكن ليتمكن أي شخص من تمويل برنامج فضاء خاص به.
لأننا جميعًا نمنح إيلون ماسك أموالنا، فما يفعله بهذه الأموال يُعدّ من شأننا أيضًا
وحتى مع النظرية التي تقول إنه لا توجد مشكلة أخلاقية من تبديد هذه المئات من الملايين، فهناك سبب آخر يجعلنا قلقين إزاء ما يفعله ماسك؛ فجزء كبير من ثروته ليس ملكه حقًا، إنه حقنا، فإمبراطورية ماسك تدعمها ملايين الدولارات الحكومية، فقد كشفت صحيفة لوس أنجلوس تايمز عام 2015 عن استفادة شركات ماسك من المنح والإعفاءات الضريبية والخصومات على القروض والائتمانات البيئية، بالإضافة إلى الإعفاءات الضريبية والخصومات التي تقدم للمستهلكين الذين يشترون من منتجاتهم.
يبلغ متوسط دخل الأسرة التي تشتري منتجات تسلا مئات الآلاف شهريًا ومع ذلك تدفع الحكومة الفيدرالية نحو 7500 دولار لكي يشتري هؤلاء المستهلكون منتجاتهم معفاة ضريبيًا، لذا ولأننا جميعًا نمنح إيلون ماسك أموالنا، فما يفعله بهذه الأموال يُعدّ من شأننا أيضًا.
كان إيلون ماسك على حق عندما قال إن الأشياء التافهة الممتعة ضرورية للغاية، لكن بعض هذه الأشياء يعد هدرًا للموارد ولا يمكن استعادته، فما زال هناك الكثير من الأزمات الإنسانية مثل الحرب في سوريا، وبالتالي لا يمكن لأي شخص أن يبرر هذا الإنفاق الضخم على مثل هذه التجارب الصاروخية، هذه القضية تحدث عنها الشاعر جيل سكوت هيرون في قصيدته عام 1970 “رجل أبيض على سطح القمر” (Whitey On the Moon) التي ينتقد فيها إنفاق الحكومة الأمريكية لملايين الدولارت لإرسال الرجال في مغامرة لا هدف لها إلى القمر، بينما تعاني المدن الداخلية في البلاد من الفقر.
ربما لن يعود الرجل الأبيض إلى القمر مؤخرًا، لكن سيارته الرياضية تسبح الآن في الفضاء.
المصدر: الغارديان