يرغب ولي العهد الجديد أن يُضفي لمحة تكنولوجية على المملكة ويجعلها رائدة ومحورًا للتكنولوجيا في الشرق الأوسط، وفي حين تخطو كثير من البلاد العربية خطوات ملحوظة في تنمية الشركات الناشئة المحلية في مجال التكنولوجيا، فإن ابن سلمان كانت له وجهة نظر مختلفة، وهي أن يسعى لنقل وادي السيليكون شيئًا فشيئًا إلى المملكة العربية السعودية.
حققت كثير من البلاد العربية الكثير من الإنجازات الصغيرة في تنمية قطاع التكنولوجيا الرقمية، كان من بينها لبنان والأردن والمغرب، حيث تدعم الحكومة الشركات المحلية الناشئة وتُخصص لها صناديق استثمار وتمويل خاص بها، إلا أن الأسلوب السعودي كان مختلفًا، ليأتي الأخير بوادي السيليكون نفسه إلى المملكة، وتبدأ شركات مثل آبل وأمازون في مباحثات ترخيص مع الرياض بشأن الاستثمار في السعودية.
في تقرير حصري لوكالة رويترز، أشارت الوكالة فيه إلى مباحثات بين أكثر شركات وادي السيليكون أهمية في مجال التكنولوجيا وهما آبل وأمازون، والحكومة السعودية بشأن استثمار يسعى من خلاله ولي العهد الجديد لكسر الطابع المحافظ للمملكة من خلال تخصيص مكانة متميزة فيها للتكنولوجيا، حيث أكد مصدر لوكالة رويترز أن تلك المباحثات تجري مع الهيئة العامة للاستثمار في السعودية.
أول منفذ بيع لآبل في السعودية في 2019
لم يكن هناك وجود رسمي لشركات التكنولوجيا العالمية على أرض المملكة، حيث يتم بيع منتجاتها المختلفة من خلال وسيط ثالث، فلا يبيعون منتجاتهم مباشرة من منافذ البيع الرسمية الخاصة بهم، ولكن مع المباحثات المتوقع عقدها في شهر فبراير/شباط 2018، فمن الممكن جدًا أن نرى منافذ بيع رسمية لشركة مثل آبل في المملكة السعودية.
لن تقوم شركة آبل وحدها ببدء منافسة شرسة في السوق السعودية حينما توجد رسميًا، فهناك من سيشن حربًا على كل الشركات السعودية المحلية، وهي شركة أمازون لخدمات الإنترنت التي ستوجد رسميًا قريبًا على أراضي المملكة السعودية، لتعلن الحرب على الشركات المحلية مثل شركة الاتصالات السعودية وموبايلي.
كانت أمازون قد استحوذت على شركة “سوق” لمبيعات التجزئة عبر الإنترنت التي تتخذ من دبي مقرًا لها في العام الحاليّ؛ مما يفتح المجال لبيع سلع التجزئة الخاصة بأمازون في المملكة أيضًا، أما عن اتفاق أمازون مع الهيئة العامة للاستثمار بشأن وجودها الرسمي، فصرح مصدر وكالة رويترز أن المباحثات ما زلت مبكرة ولم يتحدد موعد معين لخطط الاستثمار.
ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” أن السعودية تحاول انتشال نفسها من الأزمة الاقتصادية بعد أزمة أسعار النفط عن طريق الاعتماد على الاستثمارات القادمة من وادي السيليكون، وذلك ضمن خطة تنويع الاقتصاد والتقليل من اعتماده على النفط، إلا أن استمالة المملكة لشركات مثل أمازون وآبل لم تكن الأولى من نوعها.
تاريخ السعودية مع استمالة شركات التكنولوجيا
للملكة تاريخ طويل مع شركات التكنولوجيا، فهي أكبر مستثمر من الشرق الأوسط في قطاع التكنولوجيا، فمن المتوقع أن تستثمر السعودية قريبًا 45 مليار في مجموعة سوفت بنك اليابانية الداعمة لشركات التكنولوجيا والاتصال، كما أنها استثمرت 3.5 مليار دولار كأكبر حصة استثمار في شركة أوبر من مستثمر واحد، بالإضافة إلى 350 مليون دولار حصتها في شركة تويتر.
على الرغم من أنه لا توجد تعليقات رسمية بشأن استثمار المملكة في شركة سناب شات وذلك بعدما زار مدير الشركة التنفيذي إيفان شبيجل المملكة عام 2015 لتلبية دعوة دعاه فيها الأمير الوليد بن طلال لزيارة المملكة، توقع البعض أن يستثمر الأمير في الشركة مثلما استثمر في شركة تويتر، إلا أنه لم يكن هناك أخبار رسمية بذلك، ولكن لم يبق الأمر سرًا لوقت كبير في مدى تحكم الحكومة السعودية بشركات التكنولوجيا من خلال أموال الاستثمارات.
للملكة تاريخ طويل مع شركات التكنولوجيا، حيث إنها أكبر مستثمر من الشرق الأوسط في قطاع التكنولوجيا
أغلقت منصة سناب شات الحساب الرسمي لقناة الجزيرة في السعودية بعد أن كانت التهمة الموجهة من الجانب السعودي لشركة سناب شات بخصوص حساب الجزيرة على منصتها هي “انتهاك القوانين المحلية”، حيث بيّن ذلك المتحدث الرسمي لشركة سناب شات، لتستخدم السعودية شركات التكنولوجيا وسيلة بين أطراف النزاع السياسية لتنقل سياسية الرقابة الإلكترونية على منصاتها بدلًا من دفاعها عن مبدأها في تأييد حرية التعبير عن الرأي.
أول عقد استثماري للتكنولوجيا في المملكة
وزير التجارة والاستثمار “ماجد القصبي” يمنح شهادة الاستثمار لشركة هاواوي في بكين
كانت بداية الاستثمار من شركات التكنولوجيا على أرض المملكة مع شركة هاواوي، إحدى أضخم شركات التكنولوجيا والاتصال الصينية، مع احتفاظ الشركة بحق ملكية بنسبة 100% لكي تبدأ عملها على أرض المملكة، وهو العقد الذي سيسمح للشركة بأن تبيع منتجاتها بشكل مباشر في المملكة دون الحاجة لوسيط ثالث يبيع المنتجات كما هو الحال في كل منتجات شركات التكنولوجيا.
يعتبر هذا العقد واحدًا من بين عقود كثيرة ضمن خطة الهيئة العامة للاستثمار في السعودية لانتقال أضخم شركات التكنولوجيا في العالم مثل أمازون وآبل ليكون لها وجود رسمي في المملكة، وذلك لرفع مكانة التكنولوجيا الرقمية التي سيعتمد عليها الاقتصاد السعودي ضمن خطة تنويع الاقتصاد 2030.
خطة ابن سلمان من أجل مزيد من التقنية
بعدما أعلن ولي العهد ابن سلمان عن خطة تنويع الاقتصاد والاعتماد بشكل كبير على التقنية، وبدء خطوات ملحوظة نحو تنفيذ تلك الخطة مثل إعلان مشروع “نيوم” العملاق الذي تتجاوز تكلفته 500 مليار دولار، ستضخ خلال الأعوام القادمة من صندوق الاستثمارات العامة الذي يرأسه، بالإضافة إلى المستثمرين المحليين والعالميين الذي يتضمن مستقبل الطاقة والمياه ومستقبل التنقل ومستقبل التقنيات الحيوية ومستقبل الغذاء ومستقبل العلوم التقنية والرقمية ومستقبل التصنيع المتطور ومستقبل الإعلام والإنتاج الإعلامي ومستقبل الترفيه ومستقبل المعيشة.
كان ذلك الإعلان بعد مؤتمر “دافوس في الصحراء” أو “حج” الشركات الضخمة إلى السعودية، حيث تحول مركز قوة العالم في شهر أكتوبر/تشرين الأول السابق، من نيويورك وطوكيو ولندن إلى مدينة في الصحراء، لبداية حدث يدعوه المستثمرون مجازًا “دافوس في الصحراء” ليُقابلوا أميرها محمد بن سلمان من أجل المشاركة في سلسلة من المحادثات والاجتماعات بخصوص مستقبل السعودية الاقتصادي بعيدًا عن البترول.
يبدو أن الخطوات التي تنفذها السعودية نحو رؤية 2030 يوم المستثمرين الأسعد وخصوصًا المستثمرين القادمين من وادي السيليكون أو المستثمرين أصحاب أضخم الشركات التكنولوجية، إلا أنه الأتعس على الشركات المحلية التي لن تستطيع الصمود طويلًا أمام منافسة شرسة كهذه، لا سيما أيضًا الشركات التكنولوجية الناشئة في البلاد العربية المجاورة التي تحاول أن تفرض نفسها على الساحة رويدًا رويدًا، إلا أن هيئة الاستثمار السعودي لن تسمح لها بذلك طويلًا.