ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: إيزابيل كيرشنر و إيريك شميت وآن برنارد
اشتبكت إسرائيل مع قوات عسكرية سورية وإيرانية، يوم السبت الفارط، في سلسلة من الضربات الجوية الجريئة عبر الحدود، التي يمكن أن تمثل مرحلة جديدة وخطيرة في الحرب الأهلية طويلة الأمد في سوريا. واندلعت هذه المواجهات، التي تهدد بجر إسرائيل بصفة أكثر مباشرة إلى هذا الصراع، قبل الفجر، وذلك عندما اعترضت إسرائيل ما قالت إنه كان طائرة إيرانية دون طيار قادمة من سوريا كانت قد اخترقت مجالها الجوي. ونتيجة لذلك، هاجم الجيش الإسرائيلي ما أسماه مركز القيادة والتحكم الذي أطلقت منه إيران طائرتها، وذلك من قاعدة جوية سورية بالقرب من مدينة تدمر.
في طريق عودتها من هذه المهمة، تحطمت إحدى المقاتلات الإسرائيلية من طراز إف-16 شمالي إسرائيل، بعد تعرضها لإطلاق نار كثيف من طرف مضادات الطائرات السورية. ويعتقد أن هذه أول طائرة إسرائيلية تتحطم بسبب نيران معادية منذ عقود. وقد أدى هذا الأمر إلى موجة واسعة من الضربات الإسرائيلية ضد عشرات الأهداف السورية والإيرانية على الأراضي السورية. ومن جهته، أفاد الجيش الإسرائيلي بأنه تمكن من إصابة ثمانية أهداف سورية، على غرار ثلاث وحدات للدفاع الجوي، وأربعة مواقع إيرانية وصفتها بأنها “جزء من التحصينات العسكرية الإيرانية في سوريا”.
في واقع الأمر، هددت هذه الأحداث، بما في ذلك اشتباك إسرائيل مع القوات الإيرانية بصفة مباشرة، بزيادة حدة الأزمة في سوريا، وأظهرت مدى تحول البلاد إلى ساحة قتال بين العدوين اللدودين في المنطقة، إسرائيل وإيران. حيال هذا الشأن، صرح المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، روبرت ساتلوف، أن “هذا الوضع يعتبر تصعيدا خطيرا سيتسبب في إثارة شبح الصراع المباشر بين إسرائيل وإيران في سوريا. وسيكون الوضع أكثر جدية من رسم الخطوط الحمراء ومبادلات المعاملة بالمثل التي جدت في السابق”.
في الوقت الراهن، تخوض العديد من القوات الروسية والتركية، فضلا عن القوات العسكرية الأمريكية، حربا على عدة جبهات في الأراضي السورية. كما تواجه بموجب هذه الحرب فصائل متعددة، على غرار العناصر المتبقية من تنظيم الدولة وغيرها من الجماعات الإسلامية المسلحة.
وجه مسؤولون عسكريون إسرائيليون أصابع الاتهام إلى السوريين والإيرانيين محذرين من أنهم “يلعبون بالنار”، لكنهم بينوا أن إسرائيل أرادت احتواء الوضع
خلال الأسبوع الفارط، أسقطت طائرات تابعة لثلاث دول أجنبية، على غرار الطائرة الإسرائيلية والمروحية التركية التي تم إسقاطها يوم السبت بعد هجومها على المليشيات الكردية، فضلا عن الطائرة الروسية التي هوجمت في إدلب بعد قيامها بقصف الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة.
لطالما حذرت إسرائيل من خطر نشوب النزاعات، وذلك مع تقدم القوات الإيرانية رفقة حلفائها، على غرار حزب الله والجماعات اللبنانية المسلحة، داخل الأراضي السورية واقترابها من حدود المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل في مرتفعات الجولان. وتسعى إسرائيل، التي تعتبر إيران عدوها الأقوى في المنطقة، إلى الضغط على القوى العالمية لدفع هذه القوى بعيدا عن المناطق الحدودية.
خلال السنوات الأخيرة، نفذت إسرائيل عشرات الضربات في سوريا، واستهدفت إلى حد كبير ما وصفتها بأنها مخازن أسلحة متقدمة أو مواكب تحمل الأسلحة لحزب الله في لبنان. بالإضافة إلى ذلك، أفادت التقارير بأن إسرائيل قصفت منشآت حكومية سورية تعنى بتطوير الأسلحة، فضلا عن قاعدة إيرانية قيد الإنشاء في سوريا.
مع ذلك، يفيد محللون بأن هذه هي أول ضربة إسرائيلية على موقع يتمركز فيه جنود إيرانيون. في المقابل، قال مسؤولون عسكريون إسرائيليون إن هذه المرة الأولى التي تخترق فيها طائرة دون طيار تابعة لإيران المجال الجوي الإسرائيلي خلال الحرب في سوريا. وتجدر الإشارة إلى أنه لم تكن هناك مؤشرات دالة على أن الطائرة كانت مسلحة.
على خلفية ذلك الهجوم، وجه مسؤولون عسكريون إسرائيليون أصابع الاتهام إلى السوريين والإيرانيين محذرين من أنهم “يلعبون بالنار”، لكنهم بينوا أن إسرائيل أرادت احتواء الوضع. في هذا الصدد، صرح المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، العميد رونين مانيليس، “نحن مستعدون لجعل كل من يقف ضدنا يدفع ثمنا باهظا، لكننا لا نسعى إلى التصعيد”.
أفاد محللون إسرائيليون بأنه يبدو أن ثقة السوريين بأنفسهم قد تعززت، لكن إسرائيل أرسلت من جهتها رسالة قوية من خلال الموجة الواسعة من الضربات التي قادتها يوم السبت
عموما، شكل تحطم الطائرة ضربة قاسية لهيبة إسرائيل، ويمكن أن تشكل تغييرا كبيرا بعد سنوات من العمل ضد بعض الأهداف في سوريا مع إفلات نسبي من العقاب. فقد ادعت سوريا زورا أنها أسقطت طائرة إسرائيلية، علما بأن آخر مرة استهدفت فيها طائرة إسرائيلية بسبب نيران العدو كانت في أوائل ثمانينيات القرن الماضي.
يوم السبت الماضي، أعلن حزب الله أن إسقاط الجيش السوري لطائرة إف-16 يعد “بداية مرحلة استراتيجية جديدة”، التي ستحد من الاستغلال الإسرائيلي للمجال الجوي السوري. حيال هذا الشأن، قالت المجموعة الشيعية اللبنانية في بيان لها إن التطورات الحالية تعني أن المعادلات القديمة انتهت بشكل قاطع.
أما في سوريا، كان ينظر إلى أحداث اليوم على أنها مغيرات محتملة لقواعد اللعبة. فقد احتفل مؤيدو الحكومة في شوارع دمشق، وقدموا الحلويات وأشادوا بالأسد والجيش السوري. وتعتبر هذه المرة الأولى التي تحقق فيها الحكومة السورية وعودا بإسقاط طائرة إسرائيلية، وذلك بعد سنوات من توجيه التهديدات إلى إسرائيل والقوات العسكرية الدولية التي تنفذ طلعات جوية فوق سوريا دون إذن.
حيال هذا الشأن، أفاد حيدر، أحد مؤيدي الحكومة البالغ من العمر 30 سنة، أثناء توزيعه للحلوى في المدينة، “أشعر بالفخر لرؤية ردة فعل سوريا، وذلك من خلال إسقاط طائرة إف-16 الإسرائيلية. لقد انتظرنا لسنوات لنشهد رد فعل سوري ضد الانتهاكات الإسرائيلية والغارات الجوية”.
في الجانب المقابل، أفاد محللون إسرائيليون بأنه يبدو أن ثقة السوريين بأنفسهم قد تعززت، لكن إسرائيل أرسلت من جهتها رسالة قوية من خلال الموجة الواسعة من الضربات التي قادتها يوم السبت. كما أشاروا إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تضرب بها إسرائيل الأراضي السورية في وضح النهار خلال السنوات الأخيرة، مضيفين أن إسرائيل ألحقت أضرارا جسيمة بنظام الدفاع الجوي السوري.
ساعدت روسيا وإيران حكومة الرئيس بشار الأسد في سوريا من خلال تقديم الدعم لها، حيث أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانا تدعو فيه “جميع الأطراف المعنية إلى التحلي بضبط النفس، وتجنب جميع الأعمال التي يمكن أن تؤدي إلى تعقيد الوضع أكثر”
وفق الجيش الإسرائيلي، فإنه على الرغم من إطلاق الجيش السوري النار من مضادات الطائرات، إلا أن جميع الطائرات الإسرائيلية قد عادت إلى قواعدها بسلام بعد المهمة الثانية، التي أعقبت فقدان المقاتلة الأولى. ويعتقد أن سوريا قد أطلقت ما لا يقل عن عشرة صواريخ مضادة للطائرات، بالإضافة إلى بقايا صاروخ عثر عليه في لبنان.
لكن، لم يتضح بعد ما إذا كانت طائرة إف-16 الإسرائيلية قد أصيبت مباشرة بنيران مضادات الطائرات السورية. في هذا الصدد، أفاد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، المقدم جوناثان كونريكوس، بأن التقييمات المبكرة تشير إلى ذلك، ومشددا أيضا على غياب أي تأكيد رسمي.
إلى جانب ذلك، صرح الجيش الإسرائيلي بأنه تم سحب طيارين من الطائرة بحسب الإجراء المعتاد، وقد أصيب أحدهما بجراح بليغة. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد أمضى معظم ساعات يوم السبت الماضي في مشاورات مع وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي ومسؤولين عسكريين آخرين.
لقد ساعدت روسيا وإيران حكومة الرئيس بشار الأسد في سوريا من خلال تقديم الدعم لها، حيث أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانا تدعو فيه “جميع الأطراف المعنية إلى التحلي بضبط النفس، وتجنب جميع الأعمال التي يمكن أن تؤدي إلى تعقيد الوضع أكثر”.
كما أضافت الوزارة بأنه “من غير المقبول أبدا تهديد حياة وأمن الجنود الروس الموجودين في الجمهورية العربية السورية، بناء على دعوة من الحكومة الشرعية لمساعدتها في مكافحة الإرهاب”. وبعد اجتماع مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في موسكو الذي انعقد قبل أسبوعين، قال نتنياهو في تصريح له إن إسرائيل تنظر “بقلق شديد” إلى جهود إيران لتأسيس وجود عسكري لها في سوريا، مشيرا إلى أنه أبلغ بوتين بأن إسرائيل “ستتحرك وفق الحاجة”
مع وجود الكثير من القوات الأجنبية الناشطة في سوريا، فإن مخاطر تمدد النزاع خارج حدودها بات أمرا واقعا
في هذا الإطار، قال نتنياهو إنه تحدث مع بوتين يوم السبت، ليعلمه بالموافقة على استمرار التنسيق الأمني بين البلدين. كما أفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه تحدث مع وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، حول مواجهات يوم السبت. وفي بيان لها، صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، هيذر نويرت، بأن “الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء تصاعد العنف على الحدود الإسرائيلية اليوم”. وأضافت أن “التصعيد الإيراني المتعمد للتهديد، وطموحاتها لفرض سيطرتها وهيمنتها، يعرض جميع سكان المنطقة، بدءا من اليمن وصولا إلى لبنان، للخطر”.
في شأن ذي صلة، صرح المتحدث باسم البنتاغون، أدريان رانكن غالاوي، بأن الجيش الأمريكي يدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وقال في بيان له “نشارك الكثيرين في المنطقة مخاوفهم باعتبار أن أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار تشكل تهديدا للسلام والأمن الدولي، وإننا نسعى بتصميم دولي أكبر لمواجهة أنشطة إيران الضارة”.
مع وجود الكثير من القوات الأجنبية الناشطة في سوريا، فإن مخاطر تمدد النزاع خارج حدودها بات أمرا واقعا. ولكن، يرى المحللون أن من مصلحة جميع الأطراف التأكد من أن أحداث يوم السبت لن تتحول إلى شيء أكثر خطورة. في هذا السياق، قال المتخصص بشؤون الشرق الأوسط في كلية أمهرست، ستيفن سايمون، الذي كان مسؤولا كبيرا في مجلس الأمن القومي للرئيس باراك أوباما، “أعتقد أنه سيتم احتواء الحادثة في الوقت الحالي، بيد أن الوضع متقلب للغاية، وهو على صفيح ساخن منذ فترة طويلة، وقد بلغ الآن حد الغليان”.
في ظل الأوضاع الراهنة، تساءل سايمون عن موضوع غاية في الأهمية، عما إذا كان البيت الأبيض سيلجأ لضبط النفس. فأورد “يمكن للولايات المتحدة وإسرائيل أن تفكرا في طبيعة عملياتهما في سوريا، فإذا كانتا تريدان تطبيق نظرية المطرقة والسندان ضد الوجود الإيراني في سوريا، فسنشهد تصعيدا في مختلف جبهات القتال”.
نفت وزارة الخارجية الإيرانية أن تكون الطائرة من دون طيار قد حلقت فوق المجال الجوي الإسرائيلي
في هذا الإطار، صرح عاموس يادلين، رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية سابقا والمدير التنفيذي لمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، بأن سوريا وإيران وروسيا سيبدون اهتماما ضئيلا الآن للدخول في صراع شامل ضد إسرائيل. كما أكد يادلين أن “إسرائيل لديها القدرة على تدمير المشروع الروسي والإيراني المتمثل في إنقاذ نظام الأسد”، وأضاف “هذه ليست المعارضة السورية الضعيفة. هذه إسرائيل القوية”.
في حين أن القوة العسكرية الإسرائيلية هي عامل مهم في أي رد فعل، فإن تحسن حالة حكومة الأسد معطى يجب أن يؤخذ أيضا بعين الاعتبار. وحيال هذه المسألة، قال ستيفن سليك، العضو السابق في هيئة المخابرات المركزية الأمريكية الذي يدير الآن مشروع الدراسات الاستخباراتية في جامعة تكساس في أوستن، إنه “ليس هناك حافز لدى الإيرانيين أو السوريين أو الروس لجر الإسرائيليين إلى وضع عسكري، وهذا عامل لصالحهم في بعض الأوقات”.
كما نفت وزارة الخارجية الإيرانية أن تكون الطائرة من دون طيار قد حلقت فوق المجال الجوي الإسرائيلي، ورفضت تلك التقارير التي تفيد بأن إسرائيل قد تعرضت لطائرة من دون طيار قادمة من سوريا، ووصفتها بالادعاء المضحك.
وفقا لموقع قناة المنار الإخباري، أشار المسؤولون في الجيش السوري إلى أن الطائرة كانت تقوم بمهمة روتينية ضد تنظيم الدولة فوق المجال الجوي السوري. في المقابل، أكد الكولونيل كونريكوس بأن الطائرة كانت بصدد إنجاز مهمة إيرانية محددة، وأنها أسقطت في عمق الأراضي الإسرائيلية، غير أن بعض المحللين الإسرائيليين لم يستبعدوا احتمال عبور الطائرة الإيرانية إلى إسرائيل بسبب عطل أصابها.
فيما يخص هذا الادعاء، أكد إيهود يعاري، المحلل التلفزيوني الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العربية والزميل بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، “لا أرى أي منطق وراء إرسال الإيرانيين طائرة من دون طيار إلى إسرائيل”. وأضاف قائلا “فهم لديهم أولويات أخرى في سوريا الآن”. فحسب يعاري، بمجرد عبور الطائرة المجال الجوي الإسرائيلي لن يكون أمام الإسرائيليين خيار سوى الرد، “فالاحتكاك المستمر تقريبا بين الوجود الإيراني في سوريا والجيش الإسرائيلي له ضريبته”.
المصدر: نيويورك تايمز