أعرب مراقبون عن خشيتهم من تنازلات أردنية تجاه “إسرائيل” بشأن ملف القدس، فرضتها حالة الضعف العربي الذي يعيش في أزمات وحروب، بحيث باتت محاربة التنظيمات الإسلامية المتشددة أولوية عن القضية الفلسطينية الجوهرية، كواحد من الأسباب.
إذ جاءت حالة الانفراج الأردني مع “إسرائيل” غداة زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس الأخيرة إلى الأردن، التي أعلن من خلالها تجديد بروتوكول المساعدات الأمريكية للأردن بواقع 1.5 مليار دور سنويا على مدى خمس سنوات.
الأمر الذي أكده المتحدث الرسمي باسم السفارة الأمريكية في الأردن إيريك باربي، بقوله إن “بلادي ما تزال ملتزمة التزاما راسخا بازدهار الأردن واستقراره وأمنه”.
وقال باربي في تصريح لوكالة الأنباء الأردنية “بترا”، إننا “نتطلع إلى وضع اللمسات الأخيرة للاتفاقية الخاصة بالمساعدات الأمريكية للأردن في المستقبل القريب”.
تجديد بروتوكول المساعدات المالية
ومع تجديد بروتوكول المساعدات المالية للأردن، إضافة إلى تسلم القوات المسلحة الشحنة النهائية من مروحيات طراز بلاك هوك من أمريكا، يتساءل البعض هل هناك ثمة تراجع أو ضعف في الموقف الأردني الرافض لقرار الرئيس الأمريكي، اعتبار القدس عاصمة “إسرائيل” الأبدية.
ما يعزز هذا التساؤل تصريح الملك عبد الله الثاني خلال لقاءه عددا من طلبة الجامعة الأردنية في الفترة الأخيرة، الذي قال فيه: “تصلنا رسائل تقول لنا امشوا معنا في موضوع القدس ونحن نخفف عنكم في الشأن الاقتصادي”.
ممدوح العبادي: التخلي عن القدس مقترن بتدفق المساعدات
لكن الملك يرى نفسه مسؤولاً عن المقدّسات الدينية، بالتالي لا يمكن التنازل عن هذا الموقف الاستراتيجي لصالح موقف استراتيجي آخر يتعلق بالاقتصاد، بعبارة أخرى لن يرضى الملك بالتنازل عن القدس مقابل بعض الدولارات المقدّمة من جهات إقليمية ودولية.
وهو الأمر الذي أكده رئيس الوزراء بالوكالة ممدوح العبادي، “أن على المواطن الأردني أن يعي بأن بلاده تدفع ثمن مواقفها تجاه القدس، وإن التخلي عنها مقترن بتدفق المساعدات”.
وأضاف العبادي في تصريحات للإذاعة الأردنية أنه لا يوجد دعم من السعودية كما كان سابقا، وأن الاعتماد على النفس هو الحل الوحيد، مؤكدا على غياب الدعم من الأشقاء.
هل ترك الأردن وحده؟
وليس ببعيد، فإلى جانب المساعدات الأمريكية فإن التسوية المفاجئة لملف السفارة الإسرائيلية، وادعاء الحكومة أن “إسرائيل” اعتذرت عن حادثة السفارة ومقتل القاضي رائد زعيتر، يثير الشكوك ويطرح التساؤلات حول دور أردني مشارك في إنهاء قضية القدس عبر ما يسمى “صفقة القرن”.
وهذه الشبكة معقدة ومن الصعب أن يتم تفكيكها بهذه البساطة، لكن عندما يُطرح المشروع ويصبح في متناول يد الناس خارج التسريبات من هنا وهناك، وبالنظر للحقائق على الأرض الأمور لا تبشر كثيراً بالخير، لا للفلسطينيين ولا للأردنيين، حيث يتعرض الأردن لضغوط إقليمية ودولية، أهمها إقتصادي، وضغوطاً أخرى متعددة.
ربيحات: حالة الخذلان العربي عملت على إضعاف الموقف الأردني تجاه القدس
ولمزيد من الفهم، أشار وزير التنمية السياسية الأسبق الدكتور صبري اربيحات إلى أن “الموقف الأردني تجاه القدس بالرغم من تقدمه على كثير من الدول العربية، إلا أن صاحب القرار الأردني آثر الاستدارة بعقلانية حتى تتبين الخطط التي تحاك للقدس عبر ما أطلق عليه صفقة القرن”.
وقال اربيحات لـ”أردن الإخبارية” إن “حالة الخذلان العربي عملت على إضعاف الموقف الأردني، في الوقت الذي تبحث فيه عمان عن تسوية ترضي الفلسطينيين والأردنيين، أمام الأبواب المغلقة والمسارح الخلفية للسياسة الدولية التي تحاك للمنطقة عامة وللقدس خاصة”.
لكن اربيحات شدد على أن “القدس كانت وستبقى موضع الاهتمام الكبير والرعاية المطلقة للقيادة الأردنية”، معتبرا أن “ما تتعرض له المدينة المقدسة من حملة شرسة من قبل “إسرائيل” تحتاج إلى وقفة جادة من للحفاظ على عروبتها وإسلاميتها”، منوها إلى أن “الإعمار الهاشمي ما هو إلا شهادة حية على حب الهاشميين للقدس”.
هل تبدل الخطاب تجاه القدس؟
بعبارة أخرى، يظهر تبدل الخطاب وتراجع اللهجة الأردنية تجاه القدس، لصالح ملفات داخلية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، مع خطاب يعلي من شأن المصالح الوطنية التي هي فوق كل الاعتبارات.
حمود: “المرحلة مرحلة سحب السفراء وقطع العلاقات ووقف التطبيع مع الكيان الصهيوني، وليست مرحلة تطبيع العلاقات”
فيبدو أن عمان تعتذر عن الاستمرار وحدها دون سند عربي أو بديل دولي، حتى مع موقف فلسطيني غير ثابت حسبما يقال في أروقة الدبلوماسية الأردنية، لكنها تعتذر عن عدم التصدي والمواجهة بجرعة محسوبة، تعيد ملف القضية الفلسطينية إلى مسؤولية المجتمع الدولي.
حيال ذلك، قالت مؤسسة “القدس الدولية” إن “استئناف عمل السفارة الإسرائيلية في عمان في ظل العدوان المتصاعد على القدس والأقصى، وبعد أيام من اقتحام مقر لجنة إعمار الأقصى الأردنية ومنعها من العمل، يتناقض مع المسؤولية الأردنية التاريخية تجاه القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية”.
واعتبرت المؤسسة على لسان مديرها العام ياسين حمود أن “المرحلة مرحلة سحب السفراء وقطع العلاقات ووقف التطبيع مع الكيان الصهيوني، وليست مرحلة تطبيع العلاقات”.
ورأى حمود أنه “ينبغي تعزيز التوافق الشعبي والرسمي الرافض لقرار الرئيس الأمريكي بشأن القدس، وعدم تقويضه أمام زيارة نائب الرئيس الأمريكي وابتزاز الإدارة الأمريكية بالمساعدات والوضع الاقتصادي”، منوها إلى أن “الأردن سبق أن أعلن أنه لن يقبل مقايضة موقفه السياسي بالدعم الاقتصادي”.
ويبدو أن الأردن بعد أن وجد نفسه وحيدا في معركة القدس، قرر عدم المواجهة وتجنب الصدام مع محور الحلفاء الذي يتشكل من أمريكا والسعودية ومصر، حتى وإن كانت الخلفية ملف القدس وما يلحقها من توابع لها علاقة بالقضية الفلسطينية ومستحقات ما تدعى بـ “صفقة القرن”.
الأردن شهد مسيرات واحتجاجات شعبية ورسمية رافضة للقرار الأمريكي
هل تستمر فاعلية الوصاية على القدس؟
ولإيضاح أكثر للموقف تجاه القدس، أكد رئيس لجنة فلسطين النيابية النائب يحيى السعود، على أن “مواقف الأردن تجاه القدس مشرفة بفضل جهود الملك عبد الله الثاني التي تهدف للإجماع على أن القضية الفلسطينية هي أساس حل الصراع بالمنطقة”، على حد تعبيره.
وقال السعود لـ”أردن الإخبارية” إن “الدفاع عن المقدسات في القدس الشريف، في أعلى سلم أولويات القيادة الأردنية والأردنيين، وإن أي قرار بخصوص القدس لن يغير الوضع القانوني والتاريخي لها”. واعتبر النائب أن “الرعاية الهاشمية للمقدسات في القدس، التزام ديني وتاريخي لن يتخلى أو يتراجع عنه الأردن”، مشددا على أن “الأردن سيبقى رأس الحربة المستند إلى قرار استراتيجي مبدئي حازم تجاه القدس”.
ومن المعلوم أن الأردن شهد مسيرات واحتجاجات شعبية ورسمية رافضة للقرار الأمريكي، فضلا عن زيارات وتحركات دبلوماسية قادها الملك عبد الله الثاني نصرة للقدس، فضلا عن ترؤسه لمؤتمر قادة منظمة التعاون الإسلامي بشأن القدس الذي انعقد في اسطنبول.
“إسرائيل” تسعى علانية إلى سحب السيادة الأردنية على المسجد الأقصى برغم كل الاتفاقيات
في حين تشرف وزارة الأوقاف على غالبية موظفي المسجد الأقصى ومرافقه ضمن 144 دونما، تضم الجامع القبلي ومسجد قبة الصخرة، وجميع مساجده ومبانيه وجدرانه وساحاته وتوابعه فوق الأرض وتحتها، والأوقاف الموقوفة عليه أو على زواره.
وتعترف “إسرائيل” التي وقَّعت معاهدة مع الأردن في 1994 بإشراف المملكة على المقدسات الإسلامية في مدينة القدس، كما أنه يلزمها إعلان واشنطن الذي ينص على تعهد “إسرائيل” باحترام الدور الأردني في الأماكن المقدسة بالقدس الشريف، عدا عن اتفاقية وادي عربة التي تؤكد على الوصاية الأردنية، إلا أن “إسرائيل” تسعى علانية إلى سحب السيادة الأردنية على المسجد الأقصى.
وتعود الوصاية الهاشمية على القدس إلى العام 1924، عندما بايع المقدسيون الشريف الحسين بن علي، قائد الثورة العربية الكبرى والمدفون في الحرم القدسي راعياً للمقدسات. وهي الرعاية أو الوصاية التي جرى التأكيد عليها في مناسبات عدة، آخرها الاتفاقية الموقعة بين الملك عبد الله الثاني، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مارس/آذار 2013، المعروفة باسم اتفاقية “حماية الأماكن المقدسة في القدس”، وجاء فيها أن الوصاية آلت إلى الملك عبد الله الثاني.
فهل تستمر فعالية هذه الوصاية في ظل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وفي ظل عملية التهويد اليومي التي تتعرض لها المدينة المحتلة، حيث لا يمر يوم دون تعرض المسجد الاقصى لاقتحامات من قبل اليهود المتطرفين، على مرأى ومسمع من الدول العربية والإسلامية جمعاء، التي بات مؤخرًا يربط أكبرها مثل السعودية والبحرين وغيرها، علاقات ودية مع دولة الاحتلال.
المصدر: أردن الإخبارية