إدلب تواجه “داعش”.. هل سنشهد “رِقة” أخرى؟

_syr2668

شهدت الأيام الماضية اختراقًا أمنيًا كبيرًا في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة في إدلب التي كانت تهدف لاغتيالات قادة عسكريين في صفوف المعارضة وعبوات ناسفة بين الأحياء السكنية، وأبرزها انفجار عبوة ناسفة قرب ساحة الساعة في مدينة إدلب وسط سوق شعبي يكتظ بالمدنيين، مما أدى لمقتل سبعة مدنيين وإصابة نحو عشرين، وعبوات ناسفة أخرى استهدفت كل من جسر الشغور وأريحا ومعرة مصرين، ومدينتي خان شيخون وسراقب.

في الوقت نفسه كانت محاولات الاغتيال تطال قادة عسكريين بارزين منهم عبد الرحمن الفاعور قائد كتيبة عقيربات إحدى الكتائب التابعة لحركة نور الدين الزنكي، وأفادت المصادر أن فاعور تعرض لرمي بالرصاص في أحد الطرق بريف إدلب من سيارة مجهولة، تعرض على إثرها للإصابة وتم نقله للمشفى.

وفي السياق استهدفت يوم السبت 10 من فبراير عبوة ناسفة سيارة تقل قياديًا مع مجموعة من العسكريين التابعين لفصيل “صقور الشام” في منطقة “وادي الضيف” قرب مدينة معرة النعمان بريف إدلب الغربي، أسفرت عن إصابة جميع من كانوا داخل السيارة، كما انفجرت عبوة ناسفة أخرى بسيارة تابعة لإحدى الفصائل العسكرية التابعة للجيش السوري الحر على الطريق الواصل بين مدينتي إدلب ومعرة مصرين، أسفرت عن إصابة ثلاثة من الأشخاص كانوا بداخلها.

في حين شن مجهولون هجومًا مسلحًا بالرصاص ثم ألقوا قنبلتين يدويتين على سيارة تقل مجموعة من العسكريين التابعين لـ”تحرير الشام” بالقرب من تقاطع طريق قرية اليعقوبية القريبة من الحدود التركية بريف إدلب الغربي، مما أسفر عن مقتل خمسة من العناصر الذين كانوا داخل السيارة وإصابة سادس بجروح بليغة، وهربت المجموعة التي نفذت هذه العملية بعد ذلك بشكل مباشر.

ورجحت المصادر أن إحدى الخلايا النائمة التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وراء كل تلك الاختراقات الأمنية، فيما سبق وألقت قوات المعارضة القبض على خلايا نائمة لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في المدينة كانت تقوم بتفجيرات تستهدف فيها المدنيين والقادة العسكريين.

في ظل العمليات العسكرية وتقدم قوات النظام والميليشيات التابعة له على حساب قوات المعارضة كان الفضل الأبرز لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي لم يتوان عن مساعدة قوات النظام في معاركه

وذكرت مصادر خاصة في قوات المعارضة بإدلب، يوم الجمعة 9 من فبراير، وصول عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” إلى ريف إدلب الجنوبي الشرقي بمساندة من قوات النظام، من جانبه أكد النقيب ناجي الناطق الرسمي باسم غرفة عمليات “دحر الغزاة” التابعة لقوات المعارضة في تصريح لقناة الجزيرة: “النظام السوري قام بفتح طريق لتنظيم الدولة الإسلامية داعش والتنسيق مع عناصره بهدف التقدم باتجاه المناطق المحررة”.

وأضاف النقيب “التنظيم كان محاصرًا بشكل كامل إلا أن قوات النظام فتحت الطريق له ولآلياته للتحرك من قرية إلى أخرى حتى وصلوا إلى قرية إم صهريج وفصائل غرفة دحر الغزاة قاموا باستهداف التنظيم بالأسلحة والمدفعية الثقيلة”، وكان التنظيم قد تمت محاصرته في جيب على مساحة 800 كيلومتر في ريف حماة الشرقي، وكان هناك 20 كيلومترًا يفصل التنظيم عن مناطق قوات المعارضة المسلحة.

وفي سياق متصل ألقت غرفة عمليات “دحر الغزاة” القبض على خلية للتنظيم في أثناء قيامهم بزرع عبوات ناسفة خلف خطوط رباط فصائل المعارضة لاستهداف أرتالهم وسياراتهم، بالتزامن مع محاولات تقدم لعناصر التنظيم المحاصرين بريف حماة إلى مناطق المعارضة بريف إدلب الجنوبي.

وحاول تنظيم الدولة يوم أمس التقدم إلى عدة نقاط بريف إدلب الجنوبي الشرقي قرب ناحية التمانعة، إلا أن فصائل غرفة عمليات “دحر الغزاة” عززت تلك المنطقة لمنع أي اختراق من عناصر التنظيم، كما قتل ثلاثة عناصر، وأسر اثنان لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، يوم الأحد باشتباكات مع “تحرير الشام” في ريف إدلب الجنوبي، على محور أم الخلاخيل بعد اشتباكات عنيفة دارت بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة بين “تحرير الشام” وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” حتى تم تحرير هذا المحور.

وفي ظل العمليات العسكرية وتقدم قوات النظام والميليشيات التابعة له على حساب قوات المعارضة كان الفضل الأبرز لتنظيم “داعش” الذي لم يتوان عن مساعدة قوات النظام في معاركه، وكان آخرها السيطرة على مطار أبو الظهور العسكري، وكان التنظيم هو الذراع العسكري لقوات النظام في خطوط التماس من المعركة، ضد فصائل المعارضة، وهو من جانبه انسحب من عشرات القرى في ريف حماة الشمالي لحساب قوات النظام وميليشياته مقابل تسهيل خروجه من المنطقة المحاصرة.

أصبح تنظيم الدولة الذراع الأول لقوات النظام في حين كان يسانده في شتى عملياته الأخيرة على المناطق المحررة

هل سنشهد الرقة مرة أخرى؟

يعود الحديث عن تاريخ الرقة المعقل الرئيسي السابق لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي يعد العاصمة لدولة الخلافة، كما يزعم أفراد التنظيم التي كانت مركزًا لهجماته على ريفي حلب ودير الزور والحسكة، ومدينة الرقة التي حررتها المعارضة بعد طرد قوات النظام منها بشكل كامل عام 2013، لتعد أول محافظة محررة في سوريا، ولكن التنظيم سيطر على المدينة بين ليلة وضحاها عام 2014، وكان التنظيم في تلك الفترة على سروج عروشه يذبح من يشاء ويكفر من يشاء، وفي الوقت ذاته كان الذراع الخفية للمخابرات الدولية يعمل عبر منهج سياسي مخابراتي قادر على تدمير أكبر قوة وعندما كان مئات الأمراء يعمل كل فرد منهم لصالح دولة معينة أو يتبع لمخابراتها ولها مصالح في إطالة الحرب السورية.

تمددت دولة الخلافة على مساحات شاسعة وربما طغت على مؤسسيها وتعالت التصريحات المهددة من خطر التنظيم في المنطقة، والتنظيم الذي هدد أمن عدة دول مجاورة في حين كان هدفه الأول كبت جماح الثورة السورية والقضاء على المعارضة المسلحة، لإنشاء دولة الخلافة، لكن التنظيم بقي يصارع حتى قامت الولايات المتحدة الأمريكية بدعم لميليشيا الوحدات الكردية التي تغير اسمها إلى “قوات سوريا الديموقراطية” وضعتها الولايات المتحدة ذراعًا لها للقضاء على التنظيم في الرقة أولاً ثم يليها حلب ودير الزور اللتان تخضعان لعدة قوات تختلف بأهدافها.

أصبح التنظيم يصول ويجول في الرقة، يذبح هذا لأنه خائن كما يدعي ويسجن آخر بأنه مرتد، ويجلد آخرين لأنهم يدخنون ويسرقون، ويتزوج ما طاب له من النساء، لكن حصل ما لم يكن بالحسبان، فقدان أمراء التنظيم مملكتهم بعد خسارة مدينة الرقة في أواخر 2017 التي هدمت وأبيدت بشكل كلي خلال محاولات السيطرة عليها من قوات سوريا الديموقراطية، والمعارك الدائرة لم يبق في تلك المدينة حجر على آخر، خسر المدنيون هناك خلال المعارك آلاف الأشخاص الذين كانوا ضحية عمل دولي مخطط ومعد قبل إنتاج وبث فعلي.  

التنظيم سيستهدف المراكز الحيوية والعسكرية التي تغذي المنطقة عبر خلاياه النائمة أو عناصره على خطوط التماس ولتهيئة محور تقدمه البري المفترض في ريف إدلب

وأما الآن أصبح التنظيم الذراع الأول لقوات النظام في حين كان يسانده في شتى عملياته الأخيرة على المناطق المحررة، وأصبح التنظيم على مشارف إدلب خلال اتفاقية بين قوات النظام والتنظيم تقضي بإخراج عناصر التنظيم ووضعهم على خطوط التماس مع قوات المعارضة المسلحة، لكي يتوسع حسبما يشاء في المنطقة.

هذا ما جعلنا نتخوف من رقة ثانية تعيد مجد التنظيم في إدلب ربما يطول ذلك وربما ينجح التنظيم سريعًا، ولكن لم تبد إلى الآن أعداد التنظيم في المنطقة والأسلحة التي في حوزته وقدرته العسكرية، وبدأ الآن عمله بشكل فعلي خلال عمليات الاغتيال والعبوات الناسفة التي تستهدف قوات الجيش الحر وهيئة تحرير الشام.

ويتبع التنظيم تكتيك حرب العصابات، وزعزعة صفوف المجموعات المعادية له في المواقع المستهدفة من خلال العمليات الأمنية والتفجيرات والمداهمات الليلية لمواقع المعارضة، تمامًا كما فعل بالرقة وكل المناطق قبيل شن عملياته عليها، ولا يخفى على أحد أن للتنظيم مناصرين كثر في صفوف “تحرير الشام”، مما يهدد قوات المعارضة التي رفعت جاهزيتها لاستقبال أي هجوم من التنظيم ومناصريه من الخلايا النائمة في المنطقة.

وعلى الأرجح أن التنظيم سيستهدف المراكز الحيوية والعسكرية التي تغذي المنطقة عبر خلاياه النائمة أو عناصره على خطوط التماس ولتهيئة محور تقدمه البري المفترض في ريف إدلب، ونعلم أن للتنظيم سوابق في العمليات العسكرية التي يشنها على المعارضة، من خلال جاهزيته العسكرية، ومفخخات وانتحاريين مما يجعل قوات المعارضة في مأزق إن لم ينهوا أمره قبل تمدده في إدلب لتكون الضحية الثانية بمشهد آخر.

ويحاول تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” اتباع تكتيك حرب العصابات، وزعزعة صفوف المجموعات المعادية له في المواقع المستهدفة من خلال العمليات الأمنية والتفجيرات والمداهمات الليلية لمواقع المعارضة، وتهيئة محور تقدمه البري المفترض في ريف ادلب، قبل أن يشتبك مع المعارضة المسلحة في منطقة مفتوحة ليس لديه فيها موطئ قدم.

الخلايا الأمنية التابعة للتنظيم في ريف إدلب والمناطق المجاورة التي تسيطر عليها المعارضة، والعناصر التي تسللت إلى المنطقة، ستعمل جهدها لتحقيق ذلك في أسرع وقت، فالمعارضة تقول إنها نشرت حواجز أمنية في المناطق الداخلية القريبة من المنطقة، وهي تتوقع زيادة في عمليات التنظيم الأمنية في موازاة محاولاته المفترضة للتقدم نحو المنطقة.