ترجمة حفصة جودة
حذرت منظمة الصحة العالمية من الأزمة الصحية التي يعاني منها العالم وتزداد سوءًا كل عام، فبحلول عام 2030 سيعاني أكثر من نصف سكان العالم من السمنة وزيادة الوزن إذا استمر الوضع الحاليّ على ما هو عليه، هناك بالفعل اليوم نحو 124 مليون طفل يعانون من السمنة؛ مما يعني زيادة 10 أضعاف خلال 4 عقود.
أكثر من مليون من هؤلاء الأطفال يعيشون في المملكة المتحدة التي تعاني من أسوأ معدلات سمنة في أوروبا الغربية، فنحو 4 من بين كل 5 أطفال سوف يكبرون ليعانوا من السمنة المفرطة وهم بالغون، وحذر رئيس هيئة طب الأطفال من أن ذلك سوف يكلفهم نحو 10 إلى 20 عامًا من العيش في حياة صحية.
هذه المشكلة اجتماعية في أسبابها وعواقبها، فقد حذر المدير التنفيذي لخدمة الصحة الوطنية بالمملكة المتحدة سيمون ستيفنز من أن السمنة قد تؤدي إلى إفلاس الخدمات الصحية، ومع ذلك كانت استجابة الحكومة ضعيفة وغير مناسبة لهذه النتائج الصادمة، فقد وصف الخبراء الطبيون إستراتيجية التعامل مع سمنة الأطفال بأنها ضعيفة ومحرجة ومهينة.
قال الباحثون إننا بحاجة لمزيد من الإجراءات الأكثر طموحًا
ورغم أن جورج أوسبورن فرض الضرائب على المشروبات المحلاة -وتطبيقها بداية من هذا العام – إلا أن القيود تراجعت على التخفيضات والتسويق والإعلان عن الوجبات السريعة، وبدلاً من ذلك ركزت الإستراتيجية على تدابير مثل برامج الأنشطة المدرسية.
حذر المحتجون من أن هذه الإجراءات ليست كافية، وهذا ما أثبتت الأبحاث صحته رغم أن تلك المبادرة تعاملت مع النظام الغذائي وممارسة الرياضة وبذلت الكثير من الجهود للوصول إلى عائلات الأطفال، ففي ويست ميدلاندز حصل الأطفال على جلسات رياضية إضافية لمدة عام كامل، كما وفروا لهم برنامجًا وورشة عمل للطبخ والطعام الصحي مع والديهم، إلا أن هذه الجهود كلها لم تحقق أي تأثير ملحوظ على وزن الأطفال، وقد قال الباحثون إننا بحاجة لمزيد من الإجراءات الأكثر طموحًا.
يبدو أن أسباب مرض السمنة كثيرة ومعقدة، فقد ذكر أحد التقارير الاستشرافية التي صدرت منذ 10 أعوام، أننا نعيش في بيئة مسببة للسمنة والوضع لا يختلف في البيئات الفقيرة عن الغنية (عدد الأطفال المصابين بالسمنة متساوٍ غالبًا في كلا البيئتين)، يلعب وجود التلفاز والهواتف الذكية في غرف النوم والاعتماد على السيارات دورًا كبيرًا في ذلك، كذلك تلعب الأطعمة المحلاة دورًا كبيرًا في ظل عدم توافر الفواكه والخضراوات طوال الوقت وارتفاع ثمنها، فمن الأرخص أن تعطي طفلاً جائعًا بعض الدوناتس بدلاً من التفاح.
أحد العوامل المهمة أيضًا هو الجشع، فالمشكلة ليست في شراهة الجيل نحو “أوجستس جلوبز” (شركة غذائية عالمية) لكنها في جشع ويلي ونكا (شخصية كرتونية في فيلم مصنع الشيكولاتة) الذي يعمل على تصدير الأطعمة السريعة للمستهلكين ثم يتظاهر بتفاجئه بالنتائج، هذه الطريقة في التعامل مع الطعام تشبه طريقة التعامل مع التبغ، لكن الفارق أن الجميع بحاجة إلى تناول الطعام لكنهم ليسوا بحاجة للتدخين، وتناول المقرمشات لن يعادل في ضرره تناول السجائر.
عادة ما تكون الأطعمة المعالجة والممتلئة بالملح والسكر رخيصة مما يساهم في تشكيل عادات غذائية مختلفة
هذه الشركات تخبرنا ألا نفرض القيود على الحرية الفردية، وأن نترك الأمر للأفراد ليظهروا انضباطهم الذاتي، وأن منتجاتهم جيدة للاستهلاك في المناسبات، ورغم ذلك فهم يقدمون أحجامًا عائلية من منتجاتهم على أنها مناسبة للأفراد، كما أن الأطعمة المعالجة والممتلئة بالملح والسكر دائما ما تكون رخيصة مما يساهم في تشكيل عادات غذائية مختلفة.
هناك بلدان أخرى كانت أكثر جرأة في التعامل مع صناعة الغذاء بدلاً من الاعتماد على الأنشطة التطوعية، ففي أمريكا اللاتينية، أجبرت الحكومات شركات الأغذية على إزالة الشخصيات الكارتونية من عبوات الحبوب، وفرضت الضرائب على الوجبات السريعة، وأجبرت محلات الأطعمة المدرسية على استبدال المنتجات المليئة بالسكر والملح بالفواكه والخضراوات، هذه القواعد الصارمة أعادت تشكيل رؤية المستهلك وقراراته، وأدى ذلك إلى دفع الشركات الغذائية لتغيير منتجاتها.
الحظر المفروض على إعلانات الوجبات السريعة قبل التاسعة مساءً ليس كافيًا، يجب أن يتبع ذلك حظر عروض تخفيضات عبوات الشيكولاتة، كما يجب أن تمتد الضرائب المفروضة على المشروبات المحلاة لشتمل المنتجات الغذائية أيضًا، ويوجه العائد إلى مبادرات توفير الخضراوات والفواكه بشكل جذاب للمستهلك، ففشل الحكومة في فرض هذا التغيير يعني أن البقية سيدفعون الثمن سواء في صحتهم أو في ضرائب أعلى، بينما ستزداد أرباح الشركات الغذائية.
المصدر: الغارديان