تمنى الحاج أبو محمد، أحد أهالي مدينة الموصل القديمة الذي فقد منزله نتيجة الحرب الأخيرة على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، خيرًا بمؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق، رغم خوفه الشديد من أن تسرق الأموال التي قد تتبرع بها الدول والمؤسسات.
رغم بساطة نظرة أبو محمد للحدث وتفاصيله وحقيقته، لكنه لخص لنا الواقع العام الذي يعيشه العراق والآمال والمخاوف التي تصاحب أي كلام عن عملية إعادة إعمار أو منح تقدم للبلد الذي خرج لتوه من حرب كلفته 100 مليار دولار حسب ما صرحت به الحكومة العراقية، ونخره الفساد بحسب أغلب مؤشرات الفساد التي تصدر عالميًا، حيث نجد العراق في ذيل كل قائمة تتعلق بالشفافية والنزاهة.
مؤتمر الكويت في سطور
انطلقت اليوم أعمال مؤتمر إعادة إعمار العراق في الكويت الذي سيستمر على مدار ثلاثة أيام 12و13 و14 من فبراير/شباط الحاليّ، وسيكون على رأسة العراق والكويت والأمم المتحدة والبنك الدولي والولايات المتحدة وبمشاركة نحو 70 دولة أبرزها الولايات المتحدة والسعودية وتركيا وإيران إضافة للكويت وقطر.
سيناقش في اليوم الأول للمؤتمر عبر ثلاث جلسات، أضرار الحرب والخسائر المترتبة عليها والأزمات الناتجة، مع نقاش لدعم المشاريع الخاصة بالاستقرار والمصالحة المجتمعية والتعايش السلمي، وسيشارك في اليوم الأول نحو 70 منظمة إنسانية منها 30 منظمة إقليمية ودولية و25 منظمة عراقية و15 منظمة كويتية، سيستفاد من تجاربهم السابقة إضافة للمنح التي يقدموها في المستقبل.
اليوم الثالث” الختامي” للمؤتمر سيخصص لرؤساء الدول والوفود الرسمية يرعاه أمير الكويت بحضور الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البنك الدولي ومنسق الاتحاد الأوروبي، حيث سيتضمن إعلان الدعم الذي ستقدمه الدول المشاركة لإعادة إعمار العراق
فيما خصص اليوم الثاني لطرح مشاريع قدمتها الحكومة العراقية للاستثمار، ويتوقع أن تقدم الحكومة العراقية خلاله 212 مشروعًا استثماريًا لجميع القطاعات، على أرض عراقية بمساحة تصل لنحو مليون ونصف دونم.
تتضمن قائمة المشاريع استثمارات لبناء 7 مشافي في 6 محافظات عراقية، إضافة لفرص تأهيل مطاري الموصل والناصرية، مع طرح لمشروع مترو بغداد وخط سكة حديد، إضافة لمصافٍ في ثلاث محافظات عراقية هي البصرة والأنبار وذي قار، حيث يتوقع العراق أن يتجاوز 80 مليار دينار عراقي فيما يتعلق بالاستثمار و15 مليار كمنح متعددة الأشكال خلال المؤتمر.
اليوم الثالث الختامي للمؤتمر سيخصص لرؤساء الدول والوفود الرسمية يرعاه أمير الكويت بحضور الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البنك الدولي ومنسق الاتحاد الأوروبي، حيث سيتضمن إعلان الدعم الذي ستقدمه الدول المشاركة لإعادة إعمار العراق.
الواقع العراقي قبيل المؤتمر
يعيش العراق واقعًا منهكًا على عدد من الأصعدة، حيث أعلنت منظمة اليونسيف أن ربع أطفال العراق يعيشون تحت خط الفقر، فيما هناك 750 ألف طفل في مدينة الموصل ومحيطها يعانون من عدم وجود رعاية صحية يمكن أن تقدم لهم، فيما أعلنت في وقت سابق أن 4 مليون طفل في محافظتي نينوى والأنبار تأثروا بالعنف الشديد.
مدن مثل الموصل والرمادي والفلوجة وبيجي وتكريت، وعدد من المدن الصغيرة في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين تعرضت لنسب دمار متفاوتة تتعلق بمنازل الأهالي بالتحديد، ويتوقع أن عدد ما تم تدميره من وحدات سكنية تجاوز الـ100 ألف، مما يعني فقدان نصف مليون مواطن عراقي منازلهم
ما زالت المئات من جثث المدنيين عالقة تحت الأنقاض في مدينة الموصل القديمة إلى الآن ولم تصلهم بعد جهود الدفاع المدني رغم مرور أكثر من 7 أشهر على نهاية المعركة!
كذلك فإن مدن مثل الموصل والرمادي والفلوجة وبيجي وتكريت، وعدد من المدن الصغيرة في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين تعرضت لنسب دمار متفاوتة تتعلق بمنازل الأهالي بالتحديد، ويتوقع أن عدد ما تم تدميره من وحدات سكنية تجاوز الـ100 ألف، مما يعني فقدان نصف مليون مواطن عراقي منازلهم.
أما قطاعات الطرق والجسور والزراعة والتعليم فليست أفضل من البقية، فقد فقدت المدن العراقية العشرات من الجسور الرئيسية والفرعية، إضافة لدمار كامل للمئات من المدارس وجزئي للآلاف.
كل هذا مع جهود حكومية شبه معدومة؛ مما يجعل مؤتمر الكويت بصيص أمل لواقع الشعب العراقي خاصة الذي يقبع في المدن والمناطق التي جرت عليها الحرب.
مخاوف من فشل المؤتمر
تتركز المخاوف العراقية على ثلاث نقاط رئيسية من فشل المؤتمر، أبرزها الدور الأمريكي السلبي، حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها لن تكون ضمن قائمة الدول المانحة في المؤتمر ولن ترصد أي مبالغ لإعادة الإعمار في العراق؛ الأمر الذي خلق حالة من التخوف من عدم مساهمة الولايات المتحدة أيضًا بالضغط على بقية الدول المناحة لتقديم مساعدات للعراق، مما يعني نزول سقف التوقعات الذي رسمته الحكومة العراقية لمبالغ الاستثمار ومبالغ المنح التي ستقدم في المؤتمر.
يتخوف أهالي المدن والمحافظات المدمرة أن تخصص الأموال والمنح لمشاريع خارج محافظاتهم ومدنهم التي تعاني من الدمار والانهيار الشبه كامل في الواقع الخدمي والبنى التحتية
فيما تقبع المشكلة الثانية في خوف العراقيين والمانحين على حد سواء من عمليات الفساد التي قد تشوب المشاريع والمنح التي ستطرح في المؤتمر، فالجميع يعلم حجم الفساد المالي والإداري المزروع في جسد الدولة العراقية، وهذا ما قد يمنع وصول المبالغ لمستحقيها وصرفها في مجالات التنمية الحقيقية ودعم استقرار البلد بعد الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، خاصة أن المبالغ التي فقدها العراق نتيجة الفساد مبالغ أكبر بكثير مما فقده في معاركه مع التنظيم أو من المبالغ التي يتوقع أن يحصل عليها في مؤتمر إعادة إعمار العراق في الكويت، وهذا ما يجب الانتباه له ووضع آليات لمراقبة الأموال والمشاريع والحد من ضياع الآمال بسبب الفساد المالي والإداري المستشري عراقيًا.
فيما يتخوف أهالي المدن والمحافظات المدمرة أن تخصص الأموال والمنح لمشاريع خارج محافظاتهم ومدنهم التي تعاني من الدمار والانهيار الشبه كامل في الواقع الخدمي والبنى التحتية، إضافة للأضرار النفسية المتولدة من الحرب على أهالي تلك المناطق؛ مما دفع ناشطين موصليين لإطلاق حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاج “إعمار الموصل” لتوليد حالة ضغط إعلامي خلال أيام عقد المؤتمر في الكويت لعلهم يجدون بعض الإنصاف لمناطقهم المدمرة التي تشهد إهمالاً حكوميًا ودوليًا كبيرًا جدًا.
لماذا الكويت؟
يتسأل الكثير حول سبب إختيار دولة الكويت كمكان لعقد مؤتمر خاص بإعادة إعمار العراق، والحقيقية فإن الكويت بعد نهاية أزمتها مع العراق وتسوية الأمور المتعلقة بالغزو العراقي لها وموضوع التعويضات وخروج العراق من البند السابع، وجدت هذا المؤتمر مبادرة طيبة لفتح صفحة جديدة في العلاقة بين البلدين، إضافة أن الكويت دولة إقليمية تمتلك علاقة طيبة مع دول الإقليم مجتمعة وهي خارج لعبة المحاور.
حيث تطرح الكويت نفسها وسيط بين دول الخلاف الخليجي الواقع بين قطر ودول الإمارات والبحرين والسعودية، كما أنها تمتلك علاقات طيبة من دول الإقليم المتنافسة “السعودية، إيران، تركيا” الأمر الذي جعلها مكان يمكن أن يجتمع فيه الفرقاء في المنطقة لتباحث في شأن إعادة إعمار العراق الذي يلقي بظلاله على الشرق الأوسط بشكل عام.
إضافة لكل هذا فإن الكويت رصدت مبالغ جيدة، لدعم إعمار العراق وإنجاح المؤتمر مما يجعلها الأكثر أهلية في إستضافة مثل هذا الحدث المهم بالنسبة لعراق ما بعد داعش، ولتكون بداية طيبة لعودة عراقية للعمق الخليجي.