كثيرًا ما يخرج رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، مدافعًا عن الجبهة الشعبية ذات التوجه اليساري، حتى في حال ثبوت التهم ضدها مثلما حصل مؤخرًا عقب الأحداث التي شهدتها تونس بداية شهر يناير الماضي، فقد أكد الغنوشي دفاعه عن الجبهة اليسارية ورفض اتهامها قضائيًا على خلفية أعمال الحرق والنهب التي رافقت الاحتجاجات.
غير أن الاتهامات المتكررة من قيادات الجبهة وأنصارها لحركة النهضة وزعيمها بالإرهاب وتعطيل التنمية في البلاد، وضعت حدًا لدفاع الغنوشي عنهم، ليخرج أمس متهمًا الجبهة بالسعي وراء الحرب الأهلية في البلاد.
المراهنة على الحرب الأهلية
في تصريح هو الأقوى من نوعه ضدهم، اتهم راشد الغنوشي، الجبهة الشعبية وهو ائتلاف أحزاب يسارية، بمحاول افتعال “حرب أهلية” في تونس، عبر محاولة تغييب حركة النهضة وتحميلها مسؤولية الإرهاب وإفساد العملية الديمقراطية في البلاد.
في أكثر من مرة تتهم قيادات الجبهة حركة النهضة بالإرهاب والمسؤولية السياسية عن مقتل شكري بلعيد ومحمد البراهمي
وقال الغنوشي في تصريح إذاعي أمس تعليقًا على اعتبار أحد نواب “الجبهة” أن حركة “النهضة” ليست حزبًا سياسيًا: “هناك مراهنة على إفساد العملية الديمقراطية لأنه عندما تُغيب حزبًا سياسيًا انتخبه مليون أو مليون ونصف مليون مواطن، وتقول إنه ليس حزبًا سياسيًا وتصفه بأنه إرهابي وتحمله مسؤولية الإرهاب، ذلك يعني أنك راهنت على حرب أهلية وتريد رمي مليون ونصف في عرض البحر.
وأضاف زعيم حركة النهضة “من أنت حتى تحكم على مليون ونصف وتلقي بهم في البحر؟” واعتبر الغنوشي أن من يتهمون حركة النهضة بقتل شكري بلعيد والإرهاب ويجرمون قيادات النهضة دون إدانة قضائية هم دعاة إقصاء.
اتهام راشد الغنوشي للجبهة الشعبية بالسعي وراء الحرب الأهلية
هذا التصريح الأخير للغنوشي تزامن مع قرار المكتب التنفيذي لحركته مقاضاة الأشخاص والمؤسسات الإعلامية المنخرطة في حملات التشويه الممنهجة ضدها، مشيرة إلى أن هذا القرار “هو دفاع عن منجزات الثورة في بيئة ديمقراطية نظيفة، وفي إعلام حر ومهني يحترم عقول التونسيين ويخدم الأجندة الوطنية، كما هو دفاع عن مشروع الحركة وإسهاماتها في خدمة تونس وعن نضالات شهدائها ومساجينها ومهجريها من النساء والرجال”.
وفي أكثر من مرة تتهم قيادات الجبهة حركة النهضة بالإرهاب والمسؤولية السياسية عن مقتل شكري بلعيد ومحمد البراهمي، فيما تروج صفحات ومواقع إعلامية تابعة لهم لإشاعات تستهدف الحركة وقياداتها.
مساعٍ متكررة
محاولات الجبهة الشعبية جر تونس إلى الحرب الأهلية، لم تكن عبر التشكيك في مدنية حركة النهضة فقط، بل كانت أيضًا عبر محاولاتها بث العنف والفوضى في البلاد في مناسبات عديدة آخرها الاحتجاجات التي شهدتها البلاد مطلع هذه السنة.
ويتهم تونسيون ائتلاف الجبهة الشعبية، بتشويه هذه التحركات الاحتجاجية من خلال اللجوء إلى العنف وتأجيج الوضع في البلاد واستغلال التحركات السلمية للتخريب والنهب وفرض نظامها من خلال استغلال تحركات الشباب المشروعة.
محاولات زج البلاد في أتون حرب أهلية، كانت أيضًا من خلال استدعاء الجيش للانقلاب على السلطة
وانتقد حينها رئيس الحكومة يوسف الشاهد ائتلاف “الجبهة الشعبية” المعارض، بسبب دعمهم لأعمال العنف التي رافقت الاحتجاجات، وقال الشاهد أنها شبكات إجرامية تثير الفوضى، وأضاف أن مثيري الشغب والفوضى الذين استغلوا الوضع للسلب والنهب يخدمون شبكات الفساد والتهريب، وتابع بالقول: “ما جرى هو تخريب غير مقبول والدولة ستحاسب المسؤولين”.
هذه الرغبة تجسدت أيضًا في تحالف أحزاب الجبهة الشعبية اليسارية في صيف سنة 2013، مع رموز نظام ابن علي ودعوتهم إلى إسقاط مؤسسات الدولة وحل المجلس الوطني التأسيسي وتشكيل هيئة بديلة له تتولى استكمال صياغة الدستور، بالإضافة إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني، في مسعى للقيام بانقلاب ناعم على مؤسسات الدولة آنذاك حسب عديد من المتابعين للشأن التونسي.
تتهم الجبهة بالاشراف على عمليات العنف
محاولات زج البلاد في أتون حرب أهلية، كانت أيضًا من خلال استدعاء الجيش للانقلاب على السلطة، حيث دعا النائب في البرلمان مباركة البراهمي عن حركة الشعب (أحد مكونات الجبهة) خلال اجتماع شعبي لها بأنصارها في باريس يوم 24 من أكتوبر/تشرين الأول 2013، قوات الجيش الوطني إلى المساعدة في إسقاط حركة النهضة ومحاكمة قيادتها.
كما وجه الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية – ائتلاف أحزاب يسارية – حمة الهمامي، رسالة من على منبر قناة تونسية خاصة أواخر سبتمبر 2013 أكد خلالها أنه على يقين أن الجيش والأمن سيدعمان الانقلاب على النهضة.
إفشال الثورة التونسية
هذه المساعي المتكررة لجر البلاد إلى حرب أهلية، تسعى من خلالها الجبهة الشعبية اليسارية التي عرفت بانتهاج العنف والفوضى، إلى إفشال مسار عملية الانتقال الديمقراطي في تونس وإرباك الديمقراطية الناشئة في البلاد بغية السيطرة على الحكم، وفي ذلك إقرار علني منها بعدم إيمانها بمبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال الوسائل المدنية والخيار الانتخابي.
جمعت الجبهة عند تأسيسها في أكتوبر/تشرين الأول 2012، عشرة أحزاب يسارية التوجه
عدم نجاحها سلميًا في الانتشار الذي تصبو إليه وعدم تمكنها من توظيف الثورة لصالحها، جعل الجبهة الشعبية تسعى إلى إفشال الثورة التونسية وإدخال البلاد في صراعات إيديولوجية خدمة لمصالحها ومصالح بعض القوى الأجنبية التي لا تريد خيرًا لتونس، فرغم مرور عقود طويلة على تأسيس أغلب الأحزاب اليسارية المكونة للجبهة الشعبية، لم تتمكن هذه الأحزاب من الانتشار الشعبي واقتصرت على التغلغل في بعض النقابات أو صلب طلاب الجامعات.
وجمعت الجبهة عند تأسيسها في أكتوبر/تشرين الأول 2012، عشرة أحزاب يسارية التوجه هي: حزب العمال وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين وحركة البعث وحزب الطليعة العربي الديمقراطي وحزب النضال التقدمي والحزب الوطني الاشتراكي الثوري ورابطة اليسار العمالي وحزب تونس الخضراء والحزب الشعبي للحرية والتقدم، بالإضافة إلى جمعيات وأشخاص مستقلين.