يواجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قبل أيام من إعلان ترشحه لولاية رئاسية جديدة – كما يرجح مقربون – أزمة اجتماعية لم تكن في الحسبان، تتعلق باندلاع احتجاجات في ولاية تيارت غربي البلاد جراء أزمة عطش تعرفها المنطقة، وذلك بعد سنوات من الهدوء الاجتماعي الذي ميز البلاد خلال حكم تبون الذي وصل إلى سدة الحكم بعد حراك 22 فبراير/شباط 2019، فكيف سيتعامل مع مشكلة المياه التي تظهر أنها ستكون من أبرز الملفات الواجب معالجتها في السنوات القادمة جراء الجفاف الذي تعرفه البلاد.
واستطاع الرئيس تبون خلال فترة حكمه أن يضمن هدوءًا اجتماعيًا طويلًا مقارنة بما كان يسجل في عهد الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة، بعدما رفع أجور الموظفين الحكوميين والمتقاعدين، لمواجهة تدني القدرة الشرائية، إضافة إلى مراجعته للقوانين الأساسية الخاصة بالأطباء والأئمة والأساتذة الجامعيين والمعلمين، وهي الفئات التي كانت تشعل الاحتجاجات في الجزائر، إلا أن أزمة العطش المندلعة في الفترة الأخيرة بتيارت وضعت حدًا لهذا الهدوء الاجتماعي.
احتجاجات
نقل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أن منطقة الرحوية بولاية تيارت عرفت في اليومين الماضيين تجدد الاحتجاجات بسبب غياب مياه الشرب عن الحنفيات لمدة أسبوعين كاملين، وذلك رغم الوعود التي أطلقتها الحكومة لاحتواء هذه الأزمة التي تضرب الولاية جراء انخفاض منسوب السدود بسبب الجفاف الذي عرفته الولايات الغربية للجزائر.
وأكدت عدة صفحات وحسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تجدّد الاحتجاجات وغلق الطرق وإشعال النيران أمام السيارات، خلال يومي الأحد والاثنين المصادفَين لعيد الأضحى، الذي يكثر فيه استخدام الماء بعد ذبح الأضاحي، مع تسجيل هدوء حذر يوم الثلاثاء.
وظهر الطريق رقم 14 بين فرندة ووسط عاصمة الولاية تيارت مقطوعًا بواسطة أحجار ومتاريس لمنع مرور السيارات، فيما رصدت مشاهد أخرى قيام شباب محتجين بغلق هذه الطرقات، وفق ما نقلت وسائل إعلام وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي.
واحتج سكان حي 220 سكن بوسط مدينة تيارت بإغلاق الطريق الرابط بين وسط مدينة وبلدية بوشقيف البعيدة بنحو 18 كيومترًا عن عاصمة الولاية التي يوجد بها مقر سكن الوالي علي بوقرة الذي يلقى انتقادًا واسعًا من المحتجين ويتهمونه بالتستر على هذه الأزمة وعدم إبلاغ الحكومة عنها لاحتواء المشكلة في وقتها قبل أن تتطور إلى ما هي عليه اليوم.
وتلقى صفحة الجزائرية للمياه وهي الشركة الحكومية المسؤولة عن توزيع المياه بتيارت وبعدة ولايات انتقادات وتعليقات مستهجنة لعدم التجاوب مع هذه الأزمة في تيارت، وحتى في مناطق محدودة من ولايات أخرى.
وعلق أحد المتابعين “وعودكم لسكان ولاية تيارت راحت هباءً منثورًا… أول أيام العيد عدة مناطق دون ماء!”.
صورة مباشرة من حي الرحمة #تيارت غلق الطريق بسبب ازمة الماء
اعلامكم يتستر نحن نوصل لكم الرسالة صوتا وصورة ومن مواقعكم
اعلامكم العاهراللذي علمكم النباح والصياح والفواح pic.twitter.com/z5zGgc6Nn7
— باي_باي🇲🇦🇲🇦🇲🇦 (@MMohamed17925) June 16, 2024
وقبل يومين، كتبت صفحة “صوت الرحوية” على فيسبوك “تواصل الاحتجاجات من المواطنين في الرحوية بعدما قضوا عيد الأضحى بدون ماء، أغلب الأحياء لم تصلها المياه لأزيد من 15 يومًا، وحي طاهرات بغدادي مثالًا”.
وما زاد من هذه الاحتجاجات أن الواقع ينافي الوعود التي كان وزير الري طه دربال قد أطلقها الجمعة الماضي، حينما وضع حيز الخدمة مشروع تزويد مدينة تيارت بالمياه الصالحة للشرب من الشط الشرقي على مسافة 42 كيلومترًا، وذلك للقضاء على أزمة المياه قبل حلول عيد الأضحى، إلا أن ذلك لم ينعكس على بعض المناطق كالرحوية مثلًا التي تظل من أكثر مناطق الولاية تضررًا.
وأقر والي ولاية تيارت علي بوقرة في تصريح للإذاعة المحلية الحكومية بعدم تزويد المواطنين بالمياه أيام العيد، مؤكدًا في الوقت ذاته أن مصالحه حاولت تزويد المواطنين بشاحنات صهاريج المياه، لكن وقعت اختلالات.
وقال بوقرة: “كانت هناك ضغوطات على السائقين لتغيير وجهات الشاحنات من طرف مواطنين، نحن نقدّر الظروف، ونحن اعتذرنا للمواطنين الذين لم يتزودوا بالمياه لأن بعض المواطنين اعترضوها في الطريق”.
قبل عشر دقاءق
ايها الكرغولي اذا كان شنقريحة واعلامه يحجب عنك الاخبار المباشرة
تفضل انظر الى اخوانك العطشى
تيارت الان
حي زمالة طريق مغلوقة بسبب ازمة المياه pic.twitter.com/36hUk8uFff
— باي_باي🇲🇦🇲🇦🇲🇦 (@MMohamed17925) June 14, 2024
وقالت مؤسسة الجزائرية للمياه في بيان نشرته على صفحتها في فيسبوك “تم تسجيل عطب مفاجئ في ساعة متأخرة من الليل على قناة الجر قطر 500 مم الممونة لخزانات الزمالة في منطقة الشمال الشرقي لمدينة تيارت، ما دفع بفرق الصيانة والإصلاح التابعة للمؤسسة إلى الانتقال على الفور لإصلاح القناة”.
وأضافت “من المتوقع أن تستمر الأشغال لعدة ساعات حتى يتم إصلاح القناة بشكل كامل ويتم استئناف توزيع المياه بشكل طبيعي في المنطقة”.
إقالات
نقلت وسائل إعلام محلية الثلاثاء أن مصالح الأمن أوقفت عددًا من المسؤولين عن تزويد سكان الرحوية بولاية تيارت، بمياه الشرب، بعد فتح تحقيق في القضية للوصول إلى ملابسات الحادثة ومن يقف وراءها، حيث كشفت التحقيقات أن المسؤولين عن فتح قنوات المياه، تعمّدوا عدم تأدية مهامهم، ما أدى إلى حرمان المواطنين من التزود بالماء رغم وفرة الماء الصالح للشرب.
وتأتي هذه التوقيفات لتضاف إلى سلسلة من الإجراءات العقابية التي اتخذتها الحكومة ضد مسؤولين تعتبرهم متورطين في حدوث هذه الأزمة التي تتزامن مع ظرف حساس تعرفه البلاد يتمثل في إجراء انتخابات رئاسية في 7 سبتمبر/أيلول المقبل.
وفي 5 يونيو/حزيران الجاري، نقلت صحيفة الخبر المقربة من الحكومة أن وزير الري أقال كلًا من المدير الولائي للموارد المائية ومدير الجزائرية للمياه على خلفية أزمة المياه التي عرفتها مدينة تيارت، بعدما رأت الوزارة أن هذه الأزمة ليست مرتبطة فقط بالجفاف الذي مس المنطقة، إنما أيضًا بسوء التسيير لملف تزويد السكان بالماء.
ورغم إقرار البعض أن الجفاف أثر بشكل كبير على تزويد السكان بالماء، جراء تدني مستوى منسوب السدود أو انتهائه بالكامل، فإن البعض لا يستبعد أن يكون الأمر مفتعلًا بالنظر إلى الاستحقاقات السياسية التي تعرفها البلاد، حيث كرر الرئيس تبون في مرات عدة منع مؤسسات توزيع المياه من قطع الماء على المواطنين في الأعياد، وخاصة عيد الأضحى الذي يتزامن مع الفترة الصيفية، ويتطلب استهلاك كميات إضافية جراء نحر الأضاحي.
وقال تبون في 2 أغسطس/آب 2020 عندما واجهت البلاد أزمة مشابهة حتى بالعاصمة الجزائر التي لا تشتكي من انعدام الكميات اللازمة باعتبارها تعتمد بشكل كبير على محطات تحلية مياه البحر إنه “تم قطع الماء عمدًا عن المواطنين أيام عبد الأضحى”.
وليست المرة الأولى التي يواجه فيها تبون هذه الأزمة، رغم توجيه تعليمات لشركات التوزيع بـ”عدم حرمان المواطنين من المياه ليومين متتاليين أو أكثر، فحتى لو شح الماء، هناك إمكانية لتزويد المواطنين بالمياه بعض الساعات في اليوم في انتظار تحسن الأمور”، وفق ما صرح به في أحد اللقاءات.
وقال تبون قبل عامين في يونيو/حزيران 2022: “الماء قضية تسيير أكثر منها قضية ندرة”.
ولم تستطع الحكومة حتى اليوم تحقيق الإنصاف في التزود بالمياه، حيث يحصل عليها القاطنون بالمدن الكبرى، وبالخصوص الساحلية بشكل يومي في الغالب، فيما تعاني المناطق النائية من شح برغم إطلاق الحكومة برنامجًا لحفر آبار للمياه الجوفية لتحقيق العدالة الاجتماعية.
امتحان
رغم أن أزمة المياه ما زالت منحصرة حتى اليوم فقط بشكل أكبر بولاية تيارت، ما يعني أنها مشكلة يمكن احتواءها، فإنها تشكل في الوقت ذاته اختبارًا لإدارة الرئيس تبون لتجاوز هذه الأزمة التي عمل طوال عهدته على إنهائها من خلال برامج معالجة مشكلات ما سمي بـ”مناطق الظل”، وهي المناطق التي كانت تفتقر للتزويد بالغاز والماء وأحيانًا الكهرباء، حيث تم تسطير برامج استعجالية لتزويد سكانها بهذه الضروريات الحياتية.
غير أن اندلاع احتجاجات في الظرف الحالي يحتم على الحكومة التصدي لها في أسرع وقت، خاصة إن صحت نظريتها بأنها أزمة مفتعلة تهدف إلى التشويش على ترشح الرئيس تبون لولاية ثانية، وفق ما يرى مؤيدوه.
وكان تبون قد أمر في 2 يونيو/حزيران الحالي خلال ترؤسه اجتماعًا لمجلس الوزراء بوضع برنامج استعجالي واستثنائي، خلال 48 ساعة، على أقصى تقدير، لحل مشكلة تذبذب تزويد الساكنة بـ”تيارت” بماء الشرب.
وأمر تبون بإنجاز مشروع لتحويل المياه انطلاقًا من منطقة شط الشرقي على مسافة 42 كيلومترًا، حيث الأشغال جارية وأُسدِيت تعليمات من أجل تدعيم الورشات والانتهاء من المشروع في أجل أقصاه 20 يومًا، إضافة إلى إنجاز مشروع تحويل مياه جوفية بمنطقة أجَرْماية من أجل تدعيم المياه الصالحة للشرب للجهة الشرقية لولاية تيارت، وإنجاز 8500 متر طولي من الآبار بما فيها التجهيز والربط بالكهرباء على مستوى ولاية تيارت، وإنجاز 4000 متر طولي لآبار استكشافية عميقة في مناطق الرشّايقة، والرّحوية التي شهدت عدة احتجاجات، وسيدي بختي، وامْشَرّع الصْفا، من أجل تدعيم المياه الصالحة للشرب، على مستوى البلديات التي تسجّل عجزًا في التموين.
لكن تجدد الاحتجاجات يوحي بأن تعليمات تبون للحكومة لم تنفذ بالشكل المطلوب، وتفتح المجال لاستخدام هذا الملف من خصومه، خاصة أن كل الترتيبات الجارية تشير إلى توجهه للترشح لولاية رئاسية جديدة، حيث لا يُستبعد أن يعلن ذلك في ذكرى عيد الاستقلال المصادف لـ5 يوليو/تموز من كل عام.
ولا تكمن المشكلة بالجزائر في طاقة استيعاب المياه وعدد السدود، إنما في سوء تسيير المياه الموجودة، وعدم التعامل بالطريقة المثلى مع التغيرات المناخية التي تسببت في موجة جفاف مست البلاد في السنوات الأخيرة، وبالخصوص الولايات الغربية.
وتمتلك الجزائر 81 سدًا قيد التشغيل بسعة تخزين 8.6 مليار متر مكعب، لكن مخزون هذه السدود لم يتجاوز 40.79% في مارس/آذار الماضي أي ما يعادل 3.15 مليار متر مكعب، فيما يوجد 18 مشروعًا في طور الإنجاز، منها 6 مشروعات سدود قيد الإنجاز و12 مشروع تحويل مياه.
ورغم الاحتجاجات التي تحدث في البلاد بشأن قلة التزويد بالمياه، وبالخصوص في فصل الصيف، تظل الحكومة تحمل في جعبتها أوراقًا رابحةً تتعلق بأن ما يحدث هو نتاج سياسيات سابقة، إضافة إلى أنها يمكن أن تدافع عن نفسها ببرنامج تحلية مياه البحر الذي وضعته، والذي يعتبر الأضخم في المنطقة المغاربية.
وقال المدير العام للشركة الجزائرية للطاقة، محمد بوطابة، لرويترز منتصف مايو/أيار الماضي إن الجزائر ستنتج 3.7 مليون متر مكعب يوميًا من المياه المحلاة بحلول نهاية عام 2024، وهو ما سيغطي 42% من احتياجات السكان.
وتعمل الجزائر على الوصول إلى 5.6 مليون متر مكعب يوميًا من المياه المحلاة بحلول عام 2030، فقد باشرت استثمارات في هذا المجال بقيمة 2.1 مليار دولار، وتخطط لضخ 2.4 مليار دولار أخرى لتنفيذ خطتها، مع العلم أنها تمتلك اليوم 15 محطة لتحلية مياه البحر.
وتعرف هذه المشروعات وتيرة سريعة في الإنجاز، حيث أوكل تنفيذها لأكبر مؤسستين حكوميتين هما: عملاق النفط سوناطراك التي تضمن التمويل المالي والخبرة التي اكتسبتها في هذا المجال، إضافة لشركة كوسيدار المتخصصة في إنجاز البنية التحتية والمنشآت الكبرى.
من المؤكد أن الحكومة لم تكن تفضل اندلاع احتجاجات العطش بتيارت في الوقت الحالي، بالنظر إلى أنه قد يستعمله البعض في انتقاد حصيلة الرئيس تبون في ولايته الأولى، وهو المتوجه للترشح لعهدة ثانية، إلا أن الإمكانات المالية واللوجيستية التي تتوافر عليها البلاد اليوم تسمح لتبون بأن يجعل من هذه الأزمة ورقة رابحة في يده حال استطاعت الحكومة تطويقها في أسرع وقت وجعلت معالجتها من إنجازات الرئيس التي تصب في مصلحته لا ضده.