في الوقت الذي انشغل فيه قطاع كبير من المصريين، مؤيدين ومعارضين، بأزمة الفريق سامي عنان وتداعياتها وخلفياتها السياسية، ومن قبلها قصة تراجع أحمد شفيق عن الترشح لرئاسة مصر، بل واكتشافه فجأة، أنه رجل لا يصلح لهذا المقام الرفيع، بعدما كان يتنمر قبل تراجعه بأسابيع في مواجهة نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويعلن استعداده لإزاحه تاريخ رجل 30 يونيو من الساحة السياسية، ثم لاحقًا محاولة خطف المستشار هشام جنينة، بحسب وصفه، لما حدث معه الأسبوع الماضي، كان هناك “حرب تجويع” لمحمد سعد خير الله منسق جبهة مناهضة أخونة مصر، الحليف السابق للنظام والمعارض الشرس له حاليًّا.
لفظ “حرب التجويع”، هو الوصف الأدق الذي ارتأه خير الله مناسبًا لما يحدث معه حاليًّا، ما يعانيه الرجل من تضييق سياسي وخنقه ومحاصرته إعلاميًا، بعدما تبدلت أفكاره، وصار يتحدث بعيدًا عن الدور المرسوم والهامش المسموح به، فكانت النهاية مزعجة بكل المقاييس، حيث جرى فصله من عمله رئيسًا للعلاقات العامة بشركة بترول سيدي كرير بالإسكندرية، وتجريده من حقوقه المادية والأدبية كافة.
كيف تحول سعد الله من حليف إلى معارض؟
باختصار لأنني أصبحت أتخطى كل الخطوط الحمراء، يقول ابن مدينة الإسكندرية الذي ينتمي فكريًا وسياسيًا إلى الاشتراكية الديمقراطية لـ”نون بوست”، ويضيف: يطاردني النظام لأن معارضتي له، تحولت من مجرد نقد لتصرفات السيسي وحكومته، في كيفيات إدارة الدولة بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، إلى الإشارة وبشكل واضح للجذور وأصل الكارثة في مصر، بحسب وصفه.
مراجعات خير الله الفكرية طوال الفترة الماضية، كانت توضح له شيئًا فشيئًا، أن الأزمة ليست في شخص من يجلس على كرسي الحكم في مصر، ولكن أصل الداء في “جمهورية يوليو” التي بدأت منذ حركة يوليو عام 1952 والمستمرة في الحكم حتى الآن، التي يراها انقلابًا مكتمل الأركان، لذا يقاوم رجالها سنن الحياة والحداثة في مسايرة الأمم الجادة، عبر القوة والبطش وغلق المجال العام، للابتعاد عن المسار الإجباري للأفول والتحلل الذاتي.
يتابع منسق جبهة أخونة مصر: “كنت أول الداعين لانتخابات رئاسية مبكرة، وشرحت ذلك في بيان للتجمع الحر من أجل الديمقراطية والسلام الذي تم إنشاؤه من رحم جبهة مناهضة الأخونة في 11 من نوفمبر 2015، ودعوت وقتها لإجراء الانتخابات بإشراف كامل ومباشر للمجتمع الدولي، وكان ذلك البيان وعملية إلقاء الضوء عليه، من بعض وسائل الإعلام المعارضة للسيسي، وخصوصًا التليفزيون العربي، بداية إعلان الغضب عليّ، ومحاربتي من النظام المصري، ليس سياسيًا فقط بل واجتماعيًا وإنسانيًا.
https://www.youtube.com/watch?v=M0AgNQSEz8U
محمد سعد خيرالله يطلق بيانًا تحت عنوان “صرخة للتوحد والاصطفاف للخلاص من الطاغية”
خلال عامين، شن محمد سعد خير الله، هجمات شرسة على النظام المصري، قال في كل منصة إعلامية معارضة إن مصر تمضي إلى كارثة عن عمد، برأي منسق جهة أخونة مصر، خراب ودمار الدولة المصرية، ينحصر في استمرار احتلال السياسة وتأميم المجال العام والمجتمع المدني.
حالة الإفاقة الفكرية والنفسية لمؤسس جبهة مناهضة الأخونة التي انطلقت بعد أشهر قليلة من حكم مرسي، وكان هدفها مواجهة فرض الهيمنة الإخوانية على كل مؤسسات الدولة، بعدما تولى رجال الجماعة رئاسة الدولة المصرية ورئاسة البرلمان ومجلس الشورى والنقابات، واحتلوا غالبية “كراسي المحافظين”، بمختلف أنحاء القطر المصري، جعلت النظام يطارده، بعدما زاد في إعلان تمرده، برفض عضوية البرلمان الحاليّ، قبل عامين، خصوصًا أن ملف الأخونة الذي يتولاه خير الله، كان أهم مسالك الشرعية التي يعتمدها السيسي في بناء شرعيته، ومثل منسق جبهة مناهضة الأخونة، كان يعتبر “رجل المرحلة”.
“تضييقات تعرضت لها، وتصاعدت إلى منع كامل من الإعلام، ثم حرب تجويع ممنهجة في الرزق وأكل العيش”، يقول خير الله، ويضيف: “فضلت الاتساق مع ذاتي واحترام كرامتي كمصري، ورفضت منهج التفريط والبيع، لذا كان قراري بالاتجاه في المسار المعارض، هو الحل الوحيد”.
من هنا بدأ منسق أخونة مصر يوجد بشكل دائم وشبه يومي، في منصات إعلام إسطنبول، فبرأيه تتيح له التحدث بمنتهى الحرية وتلتزم بالحدود المهنية والموضوعية في التعامل معه، إذا ما قورنت بإعلام الصوت والرأي والفكر الواحد والتوجيه المعنوي القائم في القاهرة، بحسب وصفه.
التنكيل ومصادرة “أكل العيش”
يحكي سعد خير الله عن عملية التضييق عليه واللجوء إلى السلاح البتار في قصف أعمار المعارضين، ويقول: “صدر قرار بالفصل من عملي، اعتبارًا من يوم 31 من ديسمبر 2017، كان آخر يوم عمل لي بشركة سيدي كرير “سيدبك”، للبتروكماويات بعد 17عامًا في قطاع البترول، وفصلت دون الحصول على “مليم أحمر” عن سنوات الخدمة، عقابًا لي على الآراء والمقابلات السياسية التي عبرت فيها عن قناعتي بحجة بلهاء، وهي التحريض على الدولة المصرية ومؤسساتها.
بعد العودة من عدة لقاءات أجراها خير الله في تركيا، فوجئ في نوفمبر من العام المنصرم، بإيقافه عن العمل، وإحالته للتحقيق في 12 من ديسمبر 2017 داخل مقر عمله بالشركة، كان تحقيقًا سياسيًا من الدرجة الأولى
يتذكر مؤسس جبهة مناهضة أخونة مصر: “محمد سعد خير الله الذي كان يجوب العواصم الأوروبية لإثبات أن 30 يونيو ثورة شعب، أصبح محرضًا على الدولة المصرية”.
بعد العودة من عدة لقاءات أجراها خير الله في تركيا، فوجئ في نوفمبر من العام المنصرم، بإيقافه عن العمل، وإحالته للتحقيق في 12 من ديسمبر 2017 داخل مقر عمله بالشركة، كان تحقيقًا سياسيًا من الدرجة الأولى، يقول منسق جبهة مناهضة الأخونة، وهو طبقًا لمدونة السلوك الوظيفي، “غير دستوري” وهو ما شجعه على اتخاذ إجراءات مضادة للطعن بذلك في المحكمة الدستورية، لأن ما حدث معه، يعصف بكل الحريات التي يكفلها الدستور.
التحقيق كان فكاهيًا، يقول، منسق أخونة مصر: “تم اتهامي بالانشغال بالسياسة، وكأنهم تفاجأوا بنشاطي السياسي، والكتابة والنشر والتدوين في عدة مواقع، فضلاً عن عملي منسقًا لأحد الكيانات السياسية، التي كانت ملء السمع والبصر قبل سنوات”، ويتساءل: أين كان هذا التساؤل؟ عندما كانت قناعاتي تخدم تمامًا على سياسات رأس السلطة، ولماذا ظهرت عندما أبديت معارضة وامتعاضًا من السياسات الكارثية التي نحياها.
“اعترضت على التحقيق وصممت على إثبات ذلك في البداية”
خلال 3 ساعات وربع الساعة، لم أرد على خانات الأسئلة كافة، إلا بما تم الاتفاق عليه مع المستشار الجليل هشام جنينة رئيس هيئة الدفاع عني بإثبات مواد الدستور 65 و73 و87 و92 التي تكفل حرية الرأي والتعبير، بعد ذلك علمت من مصادري أن أحد الأجهزة السيادية في مصر برئاسة طارق الملا وزير البترول، وعضوية إبراهيم خطاب وكيل أول الوزارة للشؤون الإدارية لهيئة البترول وسيد الخراشي، هم وراء عملية تصفيتي من العمل، يقول منسق أخونة مصر.
أكثر ما يقوي سعد خير الله، ويجعله صامدًا أمام الضغوط، خبراته القديمة في مواجهة الخوف من مصارعة الأنظمة، فيحمل الرجل أرشيفًا في العمل العام يقترب من 20 عامًا، قضاها في معارضة مبارك
العودة من إسطنبول للقاهرة.. مخاطرة أم واجب وطني؟
خلال رحلة سعد خير الله إلى إعلام تركيا، التي فتحت عليه نيران غضب النظام، نصحه الكثيرون بالبقاء خارج البلاد، فالتنكيل وربما السجن سيكون في انتظاره، وهي الخطوات التي تزحف إليه يومًا بعد الآخر، بعدما تم طرده من عمله واستدعائه في مكتب الأمن الوطني بالإسكندرية، حسبما قيل له، وانتهى إلى ما لا يعلم حتى الآن، ولكنه يشعر بمن يتتبعه في كل لحظه، يقول: “لك أن تتخيل ما الذي أفكر فيه، من نظام يوجد بسجونه عشرات الآلاف، غير المختفين قسريًا، وعملية اختطاف شفيق وإجباره على التنازل، وسجن رئيس ـركان سابق، ومحاول اغتيال هشام جنينة.
ربما أكثر ما يقوي سعد خير الله، ويجعله صامدًا أمام الضغوط، خبراته القديمة في مواجهة الخوف من مصارعة الأنظمة، فيحمل الرجل أرشيفًا في العمل العام يقترب من 20 عامًا، قضاها في معارضة مبارك، مرورًا بعضويته في الجمعية الوطنية للتغيير ومعارضة المجلس العسكري والمشاركة في عرض أفلام “عسكر كاذبون”، والتصدي لاحقًا لأخونة مصر.
يختتم سعد خير الله حواره لـ”نون بوست” قائلاً: “التحول للحكم المدني الكامل هو غايتنا، مهما كانت التكلفة، شريطة أن يكون وفق ميثاق أخلاقي وسياسي ملزم، لا تشوبه مناورات من أي فصيل سياسي، حتى تتجاوز البلاد حجر الزاوية في عملية الانتقال الديمقراطي، فالنصر ممكن دائمًا، بشرط توافر الإرادة العامة والجدارة الإنسانية”.