مع بداية الحراك العربي في المنطقة نمت المخاوف الإسرائيلية على الأصعدة كافة، فسقوط بعض الأنظمة العربية الحليفة وزوال شرعية البعض الآخر غير موازين القوى في الشرق الأوسط والمنطقة العربية عامة، في مقابل ذلك كثفت “إسرائيل” من تسلحها خلال السنوات الأخيرة، رغم قناعة الكثيرين بأن فكرة الأمن الإسرائيلي و”خرافة الجيش الذي لا يقهر” باتت هشة منذ 2006 (تاريخ حربها مع حزب الله اللبناني وثبوت فشلها في التعامل مع نمط حرب العصابات).
وذكر تقرير “معهد ستوكهولم للسلام” 2017 أن “إسرائيل” باعت السلاح لثلاثين دولة، كما لها صفقات سرية مع كل من الإمارات وباكستان والمغرب، وتجاوزت مبيعاتها من السلاح عتبة الـ6 مليارات دولار أمريكي سنة 2016.
بقيام موجة الحراك العربي حدد بوعاز غانور – وهو باحث إسرائيلي في شؤون الجماعات المسلحة – ثلاثة سيناريوهات:
– على المدى القصير: زعزعة استقرار الأنظمة العربية تؤدي إلى سهولة مهاجمة “إسرائيل”.
– على المدى المتوسط: الأنظمة الجديدة يُحتمل أن تشجع مهاجمة “إسرائيل”.
– على المدى البعيد: قيام حكومات إسلامية ستشجع تنظيمات جهادية جديدة.
وقد تزايد التدخل الإقليمي والدولي بأشكال مباشرة وغير مباشرة في البيئة السورية، نتيجة غياب رؤى واضحة وموحدة تجمع السوريين على اختلاف مشاربهم لتصور حل ومستقبل مشترك، بالتالي اشتد التنافس بشأن إدارة الوضع في سورية بين القوى الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وهذا يدخل في إطار صراع النفوذ والمصالح.
فقد استخدمت روسيا والصين حق النقض لصالح النظام السوري، رافضتين تدخل حلف الشمال الأطلسي، كما تدخلت روسيا في العام 2015 لحماية النظام، وفي المقابل واصلت إيران دعمها العسكري لنظام بشار الأسد وتدريب الميليشيات التابعة له، فهي حليف إستراتيجي ومصلحتها تندرج ضمن مواجهة الغرب الأمريكي تحديدًا.
“إسرائيل” باعت السلاح لثلاثين دولة، كما لها صفقات سرية مع كل من الإمارات وباكستان والمغرب، وتجاوزت مبيعاتها من السلاح عتبة الـ6 مليارات دولار أمريكي سنة 2016
وظلت “إسرائيل” تتعامل مع الوضع الشائك من موقع المراقب، وتنظر إلى الوضع في سورية كأزمة أمنية “متعددة الأبعاد”، خاصة مع رغبتها في تقليص النفوذ الإيراني وتضييق النطاق على مصالح غيرها، وهي تهتم بحفظ أمنها وبقائها في خضم حالة الفوضى التي أنتجتها الأزمة السورية، خاصة أنّ منطقة الجولان مكسب تاريخي بالنسبة لها، بالإضافة إلى تنامي ظاهرة التطرف الإرهابي وإبداء الرغبة في التعاون مع دول المنطقة العربية للتصدي لها، مستفيدة في ذلك من التدخلات الدولية وعدم الانسجام في المواقف الإقليمية.
إن “إسرائيل” تسعى للاستفادة من جو “الفوضى الخلاّقة” الذي تعيشه المنطقة وتوظيف “منظور المؤامَرة” لتمرير مخططاتها، فالتدخل الروسي لصالح نظام الأسد على سبيل المثال – وإن كان في صالح الطائفة الشيعية بالمنطقة، ولو نسبيًا، بما في ذلك حزب الله – خدم “إسرائيل” أمنيًا ودبلوماسيًا للتقرب – ربما – من الدول السنية.
وقد عبر وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغادور ليبرمان عن أنّ بلده مستعد لتشكيل محور “عربي – إسرائيلي” للتصدي لظاهرة التطرف والإرهاب “الإسلامي” في المنطقة، وهي مفارقة حقًا، بحيث لا تُصنَّف جرائم “إسرائيل” ضد الإنسانية ضمن الأعمال الإرهابية، بالإضافة إلى عدم وجود تعريف جامع وشامل لمفهوم الإرهاب وتصنيف للجهات الممارسة له.
بالنسبة للتدخل العسكري، عبرت “إسرائيل” مرارًا عن عدم رغبتها في التورط في بيئة مشتعلة كالبيئة السورية، لكن تزايُد النفوذ الإيراني ونفوذ حزب الله في سورية، وانصراف الولايات المتحدة والفواعل الإقليمية إلى تركيز جهودها على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، جعل “إسرائيل” في موقف جد متأزم، وهي التي اعتادت التدخل في شؤون المنطقة بكل السبل، ولم يكن هجوم الجيش الإسرائيلي على مركز الأسلحة الكيماوية بمنشأة “مصياف” في حماه صيف 2017 غريبًا على العقلية الإسرائيلية في المنطقة، خاصة أن الهجوم أتى في توقيت مدروس بعناية.
“إسرائيل” تحرص دومًا على ضمان تفوقها العسكري في المنطقة، بحيث ترفض صعود أي قوة نووية منافسة مثل إيران أو غيرها
والمعلوم أنّ “إسرائيل” تحرص دومًا على ضمان تفوقها العسكري في المنطقة، بحيث ترفض صعود أي قوة نووية منافسة مثل إيران أو غيرها، مثلاً، في عهد رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك تم تحديد ثلاثة أهداف إستراتيجية تتصل أساسًا بالحفاظ على قوة الجيش وقوة الردع، ومنع أي دولة من التفوق على “إسرائيل”.
إن بيئة الأزمة السورية ساهمت – منذ البداية – في تكريس “الفوضى” في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية بوجه عام، وتعمل “إسرائيل” على استغلال الظرف لصالحها، بالحياد والمتابعة عن بُعد تارة، وبالردع والتدخل تارة أخرى بهدف توجيه رسائل شديدة اللهجة لأعدائها الإقليميّين، فهي ليست مستعدة للسماح بقضم مكاسبها التاريخية واستنزاف مصالحها الحيوية.