يأتي أنمي “إينوياشيكي: البطل الأخير” المقتبس عن العمل الخامس في مسيرة المانغاكا هيرويا أوكو، ليتابع خلاله بحثه المستمر وفضوله للوصول إلى تخيل ما، للإجابة عن التساؤل الخفي الذي تنطلق منه بعض أعماله: هل سنكون نحن هو نحن حقًا إذا ماتت النسخة الأصلية الأولى منا، وبتكنولوجيا فضائية مجهولة بعثنا للحياة بجسد جديد ومماثل لجسدنا الأصلي يحمل وعينا؟
في الأنمي الجديد يتابع هيرويا إبراز تفرده في كتابة قصصه الرسومية في مجال الخيال العلمي، التي لا تتوقف عند حد المشاهد القتالية عالية المستوى فحسب، بل إضفاء المزيد من أفكار وتيمات الخيال العلمي الجادة، بما يوسع حدود المانغا ويكسبها أرضًا جديدة لتناول أفكار وأطروحات خيالية أكثر جرأة عن قبل.
ظل باهت وقلب كبير
إيتشيرو إينوياشيكي، رجل عجوز، يكاد يصل إلى سن المعاش، أهلكته الحياة الوظيفية الروتينية اليومية، وبالإضافة إلى ذلك يكتشف أنه مصاب بسرطان المعدة، ولديه ثلاثة أشهر متبقية للعيش فقط.
عندما يهاتف زوجته وأطفاله ليخبرهم بتلك الحقيقة المريرة، لن يحصل سوى على رنين متواصل دون إجابة، فهم لا يرغبون في الرد عليه، وعند عودته للمنزل تعنفه زوجته بسبب سلوك كلبه الأليف الجديد، فيتراجع عن نيته بإخبارها، كما تخجل ابنته من هيئته عند سؤال صديقتها عن هويته وهل هو جدها؟ فتوافقها بأنه بالفعل جدها بهزة من رأسها.
إن إينوياشيكي وسط تجاهل عائلته وتبرمهم من وجوده يجد سلواه وعزاءه في حيوانه الأليف الذي هجره صاحبه السابق، فيقرر أن يصحبه في نزهة ليلية بعيدًا عن برودة عائلته بينما يعتصر قلبه مرارة تساؤل وحيد: يا ترى لو أخبرتهم هل سيبكون حتى؟ هل سيبكون لأجلي؟
وفي تلك الليلة، تتسبب حادثة اصطدام مركبة فضائية بالأرض بموت إنيوياشيكي وفتى آخر “هيرو شيشيجامي” اللذين تصادف وجودهم في موقع الحادثة. ونستمع لحوار يدور بين فضائيين دون أن نراهما بشأن إصلاح الضرر الذي تسببته حادثتهم بإعادة إحيائهم بتكنولوجياتهم الفضائية في هيئة وحدات حربية بمقدورها أن تدمر كوكب الأرض تمامًا.
حاول إينوياشيكي التغلب على الشكوك التي ساورته وطمر طبيعته الجديدة، بأن يعظم ويزيد من تلك اللحظات التي يشعر فيها بكونه بشريًا
يصاب إينوياشيكي بالفزع عندما يرى ماهيته الجديدة، آلة دمار شامل، وأنه لم يعد بشريًا، ويبدأ في التساؤل عن حقيقة وجوده؟ ولماذا حدث ذلك معه بالضبط؟ وعلى الرغم من حزنه الطاغي فليس بوسعه أن يذرف دمعة واحدة.
يكتشف إينوياشيكي عند إنقاذه لشخص مشرد من مجموعة من اليافعين المشاغبين بأنه قادر على الشعور، يردد لنفسه “أنقذت شخصًا ما، ما زلت قادرًا على الشعور، إنني ما زلت بشريًا”، وعندها فقط يذرف دموعه.
ربما حاول إينوياشيكي التغلب على الشكوك التي ساورته وطمر طبيعته الجديدة، بأن يعظم ويزيد من تلك اللحظات التي يشعر فيها بكونه بشريًا، تلك اللحظات التي يصبح فيها بطلًا خارقًا ينقذ الضعفاء ويغضب لأجلهم، فهو لا يتورع عن اقتحام أحد مقرات عصابات الياكوزا لأجل إنقاذ فتاة واحدة، ويلحق بهم عقوبة قاسية لأجل كل المآسي التي ألحقوها بالجميع، ويتركهم على قيد الحياة ليعيدوا النظر فيما اقترفوه وليندموا على أفعالهم.
يواصل إينوياشيكي أعماله البطولية في الخفاء بعيدًا عن أعين عائلته التي لا تبدو مهتمة بتغيباته، ويقول للفتى إندو عند لقائه به لأول مرة: “إنني فقط أساعد الناس، وأنقذ الحيوات، لأنني خائف من مواجهة فكرة كوني مجرد محض آلة قتل”.
وعندما تكتشف عائلته كما الجميع أنه ملاك طوكيو تتغير نظرتهم إليه، ولأول مرة يلتفتون إلى وجوده كما لو كانوا يعيدون استكشافه مرة أخرى على الرغم من إنه كان موجودًا هناك دائمًا وأبدًا لأجلهم، ولكنهم في تلك الفترة – التي لم يكن بطلًا خارقًا خلالها – جعلوه ظلاً باهتًا منعدم القيمة والوجود، ومصدرًا للإحراج.
في مواجهة آلة قتل
يضع المانغاكا هيرويا أوكو في مواجهة العجوز إينوياشيكي الفتى “هيرو شيشيجامي”، شاب نابض بالحياة كخصم للبطل، كما لو كانت حكمة الشيخوخة في مواجهة رعونة وطيش الشباب.
على عكس من إينوياشيكي، من اللحظة الأولى يقتنع شيشيجامي أنه لم يعد بشريًا، ويجد أن طريقته للشعور بالحياة مجددًا عن طريق القتل، فهو عندما قتل عائلة كاملة في مجزرة مريعة، ردد تلك الجملة “إنني أشعر بالحياة”.
شخصية شيشيجامي أكثر شخصية مليئة بالتناقضات على طول الأنمي، وأكثرها تعقيدًا وتطرفًا، هناك مشهدان بالأنمي يمكن الرجوع إليهما للوقوف على فهم طبيعته الحقيقية، ففي المشهد الأول نراه من منظور صديقه إندو عندما يتذكر أحد نقاشاتهم في طفولتهم وقوله: “إذا لم يكونوا عائلتك أو أصدقائك، فلماذا أهتم بذلك؟ أنا لا أهتم إن ماتوا أم لا”.
أما المشهد الثاني، فخلال حوار قصير بين شيشيجامي والفتاة التي أحبته وترفض الاعتراف بفكرة أنه قاتل، فيقول: “ألم أخبرك؟ إنني القاتل الحقيقي، عذرًا، ولكني لم أعد بشريًا، لقد مت ذات ليلة من قبل وأصبحت شيئًا آخر، ومنذ ذلك الوقت لم أعد أفكر في نفسي عدا إنني آلة مصنوعة من المعدن من دون قلب، ليس حيًا، لقد كنت خائفًا فحسب، وفي يوم تذكرت الوقت الذي رأيت فيه شخص ينتحر بالقفز أمام القطار، عندها شعرت بالضياء، بأن حياة شخص ما محت من الوجود، وراهنت على إحساسي آنذاك بأن أقتل الناس بيدي حتى أشعر بشيء ما، وعندها أحسست بالحياة”.
قرر شيشيجامي لمرتين أن يتوقف عن القتل، ولأجل شخصين فقط: أمه والفتاة التي أحبته وأحبها
رغم تناقضات شيشيجامي العديدة، فإن أحلامه تفضح اشتياقه ورغبته الدفينة في أن يعود بشريًا فحسب، وعندما يسأل والدته ماذا ستفعل لو كان هو القاتل الذي تتحدث عنه الأخبار، فتأتي إجابتها سريعة وحاسمة، بأنها ستموت معه.
لقد قرر شيشيجامي لمرتين أن يتوقف عن القتل، ولأجل شخصين فقط: أمه والفتاة التي أحبته وأحبها، وأن يكفر عن أفعاله الشنيعة بإنقاذ عدد كبير من الناس، وفي كلتا المرتين يكسر المجتمع والسلطة عزيمته عن طريق إيذاء المقربين إليه بما يقطع عليه الطريق للخلاص؛ فيقرر الانتقام ويجعل اليابان عدوه الأول.
في المواجهة الأخيرة بين البطل إينوياشيكا والبطل شيشيجامي، تحدث مكاشفة صريحة بين الشخصيتين لإبراز التعارض فيما بينهما، وإن بدت بطريقة مباشرة، ولكنها كانت ضرورية لشيشيجامي، فهو عندها يدرك يقينًا أنه الشرير، ويتساءل في آسى وحزن، وربما حسد باتجاه إينويشيكا: “لماذا عليّ أن أكون الشرير؟” كأن نبرة صوته تفضح ما يعتمل في صدره: “لماذا هذا العجوز أصبح بطلًا بينما أصبحت أنا الشرير”، ناسيًا أو متناسيًا رده على اقتراح صديقه إندو عند اكتشاف قدراته بأن يصبح بطلًا خارقًا بـ”هذا سيكون أمرًا متعبًا”.
معًا.. ينقذا العالم
بعد فترة قصيرة من معركتهم، ينشغل العالم بمتابعة آخر أخبار الجهود العالمية المبذولة لإيقاف نيزك عملاق من تدمير الأرض، وعندما يصل إينوياشيكا إلى النيزك، يجد شيشيجامي وقد سبقه في الوصول، ويبدي دهشته من اهتمامه المفاجئ بإنقاذ الأرض، فيخبره شيشيجامي بأنه حتى هو لديه أشخاص يهتم بوجودهم على الأرض.
في نهاية، وكما لو كان يريد هيرويا أوكو، أن يؤكد على حقيقة يكاد يعرفها جميع من في العالم، أن ترامب أبله ومجنون، يظهره في تصريح تليفزيوني بسبب قدوم النيزك يقول فيه: “ستختبر البشرية في خلال الفترة المتبقية لنا قبل سقوط النيزك، لقد عشت طويلًا بما يكفي، حتى إنني أصبحت رئيسًا لذلك البلد العظيم، ليس لدي أي شيء لأندم عليه، أما عن بقيتكم أيها الحثالة، فلم يعد هناك أي ثمن تدفعونه جراء أفعالكم، اسرقوا، اغتصبوا، اقتلوا، ارتكبوا ما تريدونه من أمور سيئة، لأنه منذ هذه اللحظة أصبح القتل مباحًا قانونيًا”.
وهو ما تم تعديله بالطبع في نسخة الأنمي ليصبح أقل حدة.