ترجمة وتحرير: نون بوست
ازدادت حدة التوتر بين”إسرائيل”وسوريا، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد اللاعب الرئيسي في الشرق الأوسط، حيث اضطلعت روسيا بهذا الدور في الوقت الحاضر. وفي ظل هذا الوضع، أصبح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، المنسق “الماهر” بين القوى الفاعلة.
في العادة، عندما يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بقادة حكومته، يبدو واثقا من نفسه، إلا أن هذه الثقة قد اختفت تماما عندما زار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، منذ أسبوعين، حيث بدا منفعلا. وأثناء كلمته أمام بوتين، كان نتنياهو يمسك مجموعة من الأوراق في يده، ومن الواضح أن هناك كلمات كتبت على ظهر هذه الأوراق بيد مرتجفة. في المقابل، بدا بوتين هادئا مبتسما، ولم يتطرق إلى ما قاله نتنياهو إلا في مناسبات قليلة.
في الواقع، لقد بدا واضحا تفوق جندي النخبة السابق بوتين، على العميل السابق نتنياهو، الذي يعكس في نفس الوقت تفوق السياسة الروسية على نظيرتها الإسرائيلية. أما في الآونة الأخيرة، باتت قرارات الكرملين تمثل أهمية كبيرة بالنسبة لأمن “إسرائيل”، لاسيما أن النفوذ الروسي في الشرق الأوسط أصبح أكبر من أي وقت مضى. وظهر ذلك بعد التصعيد الذي شهدته المنطقة في نهاية الأسبوع الماضي بين سوريا و”إسرائيل”.
لأول مرة، تظهر روسيا أنها غير منحازة لطرف من أطراف النزاع، ولكنها تدير اللعبة بين كافة الأطراف بمهارة شديدة
يوم السبت الماضي، اخترقت طائرة إسرائيلية المجال الجوي السوري، فأسقِطت على الفور، إلا أن الطياريّن الإسرائيليّين تمكنا من القفز من الطائرة قبل تحطمها. ويذكر أنه منذ سنة 1982، لم يتم إسقاط أي مقاتلة إسرائيلية.
تمكّن الطياران من القفز من الطائرة، ولكنهما أصيبا بجروح نقلا على إثرها للمستشفى
على خلفية هذه الواقعة، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي هجمات على مواقع عسكرية سورية وإيرانية في سوريا. وفي اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي يوم الأحد، أكد نتنياهو أن”إسرائيل”على استعداد لتنفيذ عمليات عسكرية أخرى. كما هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي قائلا “إننا سنؤذي كل من يحاول إلحاق الأذى بنا”. ومن جهتها، اتهمت إيران”إسرائيل”بالكذب، وأكدت أن”إسرائيل”تحاول أن تغطي على جرائمها في المنطقة.
منذ عقود، تقف الولايات المتحدة بجانب”إسرائيل”في نزاعها الدائم مع سوريا. ومن جانبها، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن تدعم حق”إسرائيل”في الدفاع عن نفسها. ومن جانب آخر، أعلنت روسيا، التي تساند النظام السوري وإيران في الحرب السورية، أنها تقف على قدم المساواة مع كافة الأطراف. وفي أكثر من مناسبة، دعت روسيا أطراف النزاع في سوريا إلى ضبط النفس وعدم التصعيد.
لأول مرة، تظهر روسيا أنها غير منحازة لطرف من أطراف النزاع، ولكنها تدير اللعبة بين كافة الأطراف بمهارة شديدة. وفي الوقت الذي تقدم روسيا الدعم الكامل لإيران والنظام السوري، فهي تتعاون مع حكومة نتنياهو منذ سنوات طويلة. وفي الحقيقة، تعقب كل زيارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي لموسكو ضربة عسكرية لإسرائيل في بلد مجاورة، ويعتقد البعض في”إسرائيل”أن بوتين هو من يعطي الضوء الأخضر للحكومة الإسرائيلية لتنفيذ هذه الضربات الحساسة. ومن جهتها، تنكر”إسرائيل”هذه الادعاءات، إلا أن هناك أدلة واضحة على التعاون بين بوتين ونتنياهو.
على الأراضي السورية، تمتلك روسيا قاعدة صواريخ أرض-جو من طراز “إس-400″، ولم توجه هذه الصواريخ مطلقا إلى “إسرائيل”، ولو أرادت لفعلت. وفي هذا الصدد، قال الخبير في الشؤون الروسية، أليكس تينزر، “بالفعل، تستطيع روسيا أن تضرب “إسرائيل”، ولكن في المقابل، تستطيع “إسرائيل” أن تعيق كافة الخطط التي تنفذها روسيا في المنطقة، فضلا عن أن بوتين لا يريد حربا بين”إسرائيل”وسوريا”. كما أكد تينزر أن “إن بوتين يريد الحفاظ على التوازن الإستراتيجي في المنطقة، فهو يحتاج إلى”إسرائيل”كوزن إستراتيجي مقابل للإيرانيين”.
لا تقدم موسكو دعمها لنظام بشار الأسد دون مقابل، ففي الوقت الحالي، تقوم بإبرام مزيد من صفقات السلاح والنفط، بالإضافة إلى الصفقات التجارية
علاوة على ذلك، لدى روسيا خطط أكبر من مجرد الانتصار في الحرب السورية. فمن جهته، يرغب بوتين في أن يتجاوز نفوذه في منطقة الشرق الأوسط النفوذ الأمريكي. فتراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط في عهد الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، ترك فراغا سياسيا كبيرا، الذي تحاول روسيا مؤخرا ملأه. ولم يختلف الوضع بعد تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، فمازال هذا التراجع مستمرا. وفي ظل هذا التراجع، تسعى روسيا للعب دور المنسق في المنطقة. وفي الآونة الأخيرة، ازداد النفوذ الروسي بالفعل في ليبيا ومصر والسعودية.
عموما، لا تقدم موسكو دعمها لنظام بشار الأسد دون مقابل، ففي الوقت الحالي، تقوم بإبرام مزيد من صفقات السلاح والنفط، بالإضافة إلى الصفقات التجارية. والأهم من ذلك كله، الموانئ والقواعد العسكرية التي أنشأتها في سوريا، والتي يوليها بوتين اهتماما خاصا. ويعتبر ذلك مناورة عسكرية جيوستراتيجية كبيرة من بوتين، الذي يرغب في تفادي قاعدة الدفاع الصاروخي الأوروبية في الجنوب الشرقي، وتضييق الخناق على الولايات المتحدة.
بالنسبة لبوتين، تعتبر كافة الدول في الشرق الأوسط على نفس القدر من الأهمية، بما في ذلك،”إسرائيل”القوية عسكريا. ومع ذلك، تجاهلت موسكو المطالب الإسرائيلية بالحد من التوسع العسكري لإيران داخل الأراضي السورية، بالإضافة إلى استمرارها في دعم سوريا، وربما حزب الله كذلك، عسكريا، ومدّهم بالأسلحة المتطورة. وفي الحقيقة، يوجد تعاون عسكري حقيقي بين الروس والإيرانيين، فضلا عن الدعم الذي تلقاه إيران من الدبلوماسيين الروس في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
هناك اختلاف أيديولوجي كبير بين إيران الثيوقراطية وروسيا العلمانية. ويعتبر الانتصار على تنظيم الدولة والمعارضة المسلحة، المدعومة من الغرب، نهاية العدو المشترك الأخير بين البلدين
في عدة مناسبات، أظهرت موسكو وقوفها في وجه “إسرائيل” وتقاربها مع الجانب الإيراني. ولكن في النهاية، مازال بوتين يحافظ على مسافة متساوية بينه وبين كافة الأطراف، ليصبح بذلك العقل المدبر في الشرق الأوسط. ولكن من الواضح أن مصالح طهران وموسكو ستتعارض على المدى البعيد، وستبدأ أولى مراحل المنافسة فيما بينهما في الحصول على العقود المربحة لاستغلال المواد الخام في سوريا أو إعادة إعمارها.
إلى جانب ذلك، هناك اختلاف أيديولوجي كبير بين إيران الثيوقراطية وروسيا العلمانية. ويعتبر الانتصار على تنظيم الدولة والمعارضة المسلحة، المدعومة من الغرب، نهاية العدو المشترك الأخير بين البلدين. وبينما تسعى إيران إلى تحويل سوريا إلى معقل لمواجهة”إسرائيل”والحكومات السنّية، تطمح روسيا للسيطرة على الشرق الأوسط وتكوين جبهة كبيرة في مواجهة الغرب.
حيال هذا الشأن، أورد تينزر أن “هناك عاملا شخصيا لا يمكن إغفاله، وهو تعاطف بوتين مع إسرائيل”. وأضاف تينزر “أن بوتين هو أول رئيس روسي يمتلك شقة صغيرة في شارع بنسكر في تل أبيب. وخلال سنة 2005، أهدى بوتين هذه الشقة لمعلمته المفضلة، التي علمته الألمانية، وقد تمكن من العمل جاسوسا في الاستخبارات السوفييتية فيما البعد بفضل اتقانه لهذه اللغة”.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المعلمة هاجرت إلى”إسرائيل”سنة 1972 وكانت فقيرة للغاية، وبعد ذلك، التقى بها بوتين في إحدى زياراته لإسرائيل وأهداها هذه الشقة. وبعد وفاتها في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ورث الشقة الشخص القائم على رعايتها، لأنها لم تنجب أطفالا.
المصدر: فيلت