ذكر الملياردير الأمريكي بيل جيتس في حديث له في أحد المنتديات الاقتصادية في أبوظبي: “إذا لم نضاعف مبالغ الاستثمار الخاصة بالمشاريع الإبداعية، سوف يموت مزيد من الأطفال بسبب سوء الخدمات الصحية، وسيؤثر ذلك على الملايين من الناس، وسوف يمنع الكثير من الدول النامية من الوصول إلى أي تقدم اقتصادي”.
كانت نية عملاق التكنولوجيا بيل جيتس، في تخصيص جزء ضخم من ثروته لقطاع الصحة في الدول النامية سببًا رئيسيًا في إعجابه ومؤسسته الخيرية هو وزوجته “مؤسسة بيل وميلندا جيتس” بدور الإمارات، كونها دولة صغيرة ولكنها مُتبرع كبير، فبحسب تقييم منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) احتلت الإمارات المرتبة الأولى بين أكثر الدول التي تقود التبرعات الدولية كنسبة مئوية من الدخل القومي الإجمالي في نهاية العام الماضي متفوقة بذلك على بلاد مثل النرويج والولايات المتحدة الأمريكية.
كان هذا ما دفع الملياردير الأمريكي صاحب ومؤسس شركة مايكروسوفت بيل جيتس أن يدعم رغبة الإمارات في محاربة أمراض المناطق المدارية والقضاء على الأوبئة التي تقضي على حياة مئات الآلاف من الأطفال في كثير من الدول الإفريقية وفي اليمن، ذلك أنها توافقت مع رغبته ورغبة مؤسسته الخيرية التي كرست جزءًا ضخمًا من ثروته لمساعدة القطاع الصحي ودعم الدول النامية على تطوير الخدمات الصحية لديها.
وفي نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، أعلن بيل جيتس في منتدى للصحة بمدينة أبوظبي بحضور محمد بن زياد زيادة دعمه وتبرعه للإمارات بمبلغ يُقدر بـ100 مليون دولار، بعدما كانت المؤسسة تنوي التبرع بـ20 مليون دولار فقط، بالإضافة إلى تبرع الإمارات بـ20 مليون دولار لتحقيق حلم القضاء على الأمراض والأوبئة في العديد من المناطق المنكوبة، حيث شدد ابن زايد حينها على أهمية التعاون الدولي من أجل الوصول إلى ذلك الهدف في منتدى الصحة في أبوظبي بحضور رئيس منظمة الصحة العالمية ورئيس البنك الدولي.
Proud to announce launching #ReachingTheLastMileFund to raise $100 million and donating $20 million. The fund reflects our long term vision to save lives and put an end to NTDs. pic.twitter.com/5l1xHJcgRs
— محمد بن زايد (@MohamedBinZayed) November 15, 2017
تغريدة من الحساب الرسمي لمحمد بن زايد يقول فيها “أفخر بأن أعلن أن المبلغ النهائي لمبادرة “الوصول للميل الأخير” هو 100 مليون دولار تتبرع الإمارات بـ20 مليون دولار في المبادرة، هذا الدعم يعكس خطتنا طويلة المدى للقضاء على الأمراض والأوبئة”.
في ظل ذلك كانت شركة أبراج الإماراتية للاستثمار، قد استحوذت على سلسلة مستشفيات هندية ومركز رعاية صحية كيني ومركز لتشخيص الأمراض في باكستان بحلول مارس/آذار 2017، كانت أبراج وفقًا للتقارير ربع السنوية قد وافقت أيضًا على تمويل مستشفى في مدينة لاهور الباكستانية واستحوذت على قطعة أرض تبلغ مساحتها 1.5 فدان لبناء مستشفى في مدينة كراتشي.
وعلى الرغم من تركيز الشيخ محمد بن زايد وشركات الإمارات الخاصة في ذلك الوقت على أهمية القضاء على الأمراض والأوبئة لأنه لا يوجد إنسان يستحق أن يُعاني طوال حياته من مرض لا يستطيع البشر مقاومته بحسب كلامه في منتدى الصحة بأبوظبي، حيث أشار أن مقاومة تلك الأمراض ستحمي الملايين من الأطفال وستساعد اقتصاد الدول النامية على النمو لتلحق بركب الدول الناشئة، فإن أفعال محمد بن زايد لم تكن موائمة لكل ما صرح به بفخر قبل بضعة شهور من الآن، ليسأله بيل جيتس ومستثمرون آخرون: أين ذهبت أموالنا؟
بيل جيتس يسأل “أبراج الإمارتية” عن أمواله؟
منتدى الصحة في أبوظبي بحضور بيل جيتس و محمد بن زايد
يبدو أن الأمور لم تسر طبقًا للخطة التي اتفق عليها الجميع في مؤتمر الصحة في أبوظبي، ويبدو أن محمد بن زايد لم يضع وقاية ملايين من الأطفال من خلال بناء مستشفيات وتطوير الخدمات الصحية في بلادهم من خلال استثمار الأموال الخاصة بمؤسسة بيل جيتس الخيرية في أولوياته، حيث كان هناك مشروعات أخرى تسببت في تأخير بناء العديد من المستشفيات في الكثير من البلاد النامية، وهو ما جعل بيل جيتس يتساءل عن مصير أمواله بحسب ما ورد في صحيفة “وول ستريت جورنال“.
نشرت الصحيفة الأمريكية وول ستريت جورنال نقلاً عن مصادر موثوقة، أن الملياردير ومالك شركة “مايكروسوفت” و3 مستثمرين في صندوق رعاية صحية قيمته مليار دولار أمريكي، تُديره مجموعة أبراج الإماراتية، قرروا تعيين مُدققًا قانونيًا للحسابات، شركة “كي بي إم جي”، لبحث مصير أموالهم، حيث كان الغرض المعلن لاستثمار أموالهم في هذا الصندوق هو مشاريع لم تُقام بعد مثل بناء المستشفيات وتطوير الخدمات الصحية في عدة مناطق مختلفة، إلا أن المشاريع لم تُقم، وتأخر البدء في الكثير منها.
في الفترة ما بين أكتوبر/تشرين الأول 2016، وأبريل/نيسان 2017، طلبت أبراج الإماراتية من المستثمرين بالصندوق إرسال 545 مليون دولار أمريكي من أموالهم المُتعهَّد بها على 3 دفعاتٍ، وفقًا للتقارير ربع السنوية للصندوق التي أُرسلت للمستثمرين، واطلعت عليها صحيفة وول ستريت جورنال، وبدلاً من جمع الأموال مُقدَّما عند الحصول على تمويل، تطلب شركات الأسهم الخاصة عادةً من المستثمرين إرسال مبالغ نقدية لدفع مقابل الصفقات عندما تُبرَم.
كان من المعلن في تقارير الصندوق من قبل شركة أبراج الإماراتية، أن هذه المبالغ النقدية ستُستَخدَم في مشروعات طبية بالهند وباكستان وكينيا ونيجيريا، ولكن بنهاية سبتمبر/أيلول الماضي، كان قد أُنفِقَ 266 مليون دولار فقط من الأموال، وهو أقل من نصف الأموال المطلوبة، وفقًا للتقارير ربع السنوية.
لم يكن في نية شركة “أبراج” إعادة جزء من الأموال للمستثمرين، لأن في رواية الشركة أن المشاريع تم تأجيلها وليس إلغاءها
لا يبدو هذا طبيعيًا في حالة الشركات الخاصة في العموم، فعادة ما تُنفق شركات الأسهم الخاصة الأموال في غضون أسابيع من طلبها، وهو ما أثار حفيظة بيل جيتس وأربعة آخرون من المستثمرين منهم مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي، ومنظمتا تمويل التنمية المدعومة من الحكومة ومجموعة سي دي سي البريطانية ومجموعة بروباركو الفرنسية، فطالبوا شركة أبراج الإماراتية في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي بتفسير رسمي من الشركة بمصير بقية الأموال، إلا أن الشركة رفضت التفسير ولم ترسل لهم البيانات المصرفية والحسابية التي طلبوها بحسب مصادر “وول ستريت جورنال”.
“عارف ناقفي” مؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة أبراج في منتدى الاقتصاد الدولي
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعادت أبراج 140 مليون دولار للمستثمرين بالصندوق، ولكن هذا لم يرضهم بشكل كامل، حيث تم تأجيل الكثير من المشروعات من بينهم مستشفى في مدينة كراتشي، بسبب حظرٍ على بناء المنشآت الجديدة بارتفاع أكثر من طابقين، في حين كانت المستشفى المُخطَّط لها تتكوَّن من 17 طابقًا، وتم تأجيل بناء مستشفى آخر في نيجريا بحسب مصادر التقرير.
مؤسسة جيتس الخيرية ومستثمرون آخرون يطلبون التدقيق في حسابات صندوق الرعاية الصحية لمعرفة مصير الأموال الخاصة بالاستثمار في مشاريع صحية
لم يكن في نية شركة “أبراج” إعادة جزء من الأموال للمستثمرين، لأن في رواية الشركة أن المشاريع تم تأجيلها وليس إلغاءها، فهم ملزمون فقط بإعادة الأموال في حالة الإلغاء الكامل للمشاريع، وفقًا لما تم الاتفاق عليه في صندوق الرعاية الصحية المتفق عليه من الأطراف المستثمرة كلها.
لم يُقنع كل هذا مؤسسة جيتس ولا المستثمرين الآخرين في صندوق الرعاية الصحية، وقررت الأطراف الأخيرة التحقيق في الحسابات والبيانات المصرفية لصندوق المستثمرين من طرف رسمي محايد لتدقيق الحسابات، وذلك لمعرفة ما إن غادرت أموالهم حسابات الصندوق المصرفية لأغراض الاستثمار أم لأغراض أخرى، وإن كانت قد خرجت من الصندوق فلماذا لم يتم البدء بالفعل في المشاريع المعلنة طبقًا لخطة الأطراف المستثمرة في الصندوق؟
على الرغم من أن الإمارات تدعي أنها أكثر الدول العربية شفافية في الاستثمارات الخارجية، وأكثر الدول تنافسية في هذا الشأن بالذات في التعاملات المالية الدولية كونها تميل دومًا إلى حماية المستثمر، فإن هذه الحادثة تُشكك في مدى شفافيتها، ومدى حمايتها الواقعية للمستثمرين، وبُعد الواقع عن الصورة التي ترسمها الإمارات لنفسها في مجال الاقتصاد الدولي.