في أوقات الشك وعدم اليقين، يميل الكثير من الأفراد للتوجه لكتب المساعدة الذاتية أو ما يتعلّق بهذه الحركة بحثًا عن التشجيع والتوجيه والإلهام، وسعيًا لتحقيق التأكيد الذاتي والإيجابية، في مواجهة مشاكل الحياة واضطراباتها وصعوباتها.
يمكن تعريف المساعدة الذاتية، والتي تندرج تحت مصطلح علم النفس الشعبي، بأنها الحركة التي تنطوي على استراتيجيات عملية وعاطفية وأخلاقية تسعى لتغيير سلوكياتنا وأفكارنا وعاداتنا العقلية واعتقاداتنا من خلال الكتب والدورات والبرامج ووسائل مختلفة أخرى.
جاءت تلك الحركة استمرارًا وربما بديلًا معاصرًا للحكمة أو الفلسفة التقليدية القديمة، إذ تهدف أساسًا لمساعدة الفرد على التحكم في عقله ليكون قادرًا على تحقيق تطلعاته وحالة من السعادة، إضافةً للانتعاش العلاجي، وتركّز على التفكير الإيجابي وإمكانية تحقيق السعادة وتغيير الذات والتغلبّ على صعوبات الحياة.
ظهر علم النفس الشعبي في منتصف القرن العشرين حاملًا رسالته الأساسية التي تتمحور حول إمكانية تغلب الفرد على عقبات حياته وصعوباتها من خلال إرادته الحرة ورغبته الكامنة
تاريخيًا، كانت الفلسفة والحكمة القديمة بمثابة المصدر الأساسيّ للأخلاق ومرجعًا مهمًّا يقدّم ميتافيزيقيا لمنشأ ومصير الحياة والإنسان في شكل كتبٍ، سماوية كانت أم غير ذلك، محاولةً العثور على إجابات الأسئلة المتعلقة باحتياجات الإنسان الوجودية والفردية والنفسية والعاطفية وهدفه في الحياة وتخييره وإرادته الحرة وغير ذلك.
فالكتب السماوية مثل القرآن والكتب المقدسة المسيحية أو فلسفة كونفوشيوس والبهاغافاد غيتا وتأملات ماركوس أوريليوس وكتابة الفلاسفة أو المفكرين الأكثر شهرةً أفلاطون وأرسطو وشيشرون وسينيكا وبلوتارخ، شغلت جانبًا واضحًا وصريحًا في حياة الأفراد على مدى التاريخ، إذ لجؤوا وما زالوا يلجؤون إليها بصفتها مراجع أساسية للتعامل مع النفس البشرية والحياة بتعقيداتها وبساطتها والأسئلة الكبرى فيها، إضافةً لكونها أداةً للتهذيب والتعليم العاطفي والأخلاقي.
ظهر علم النفس الشعبي في منتصف القرن العشرين حاملًا رسالته الأساسية التي تتمحور حول إمكانية تغلب الفرد على عقبات حياته وصعوباتها من خلال إرادته الحرة ورغبته الكامنة، فضلًا عن توجيهاته المستمرة نحو التفاؤل وتعطيل اليأس الذي هو إحدى العقبات الرئيسية في طريق حياة الفرد، وتعزيز اعتقاده واسع النطاق بأنّ التفكير الإيجابي يمكن أنْ يحسّن من مزاجنا ويؤدي إلى تغييرات مفيدة في حياتنا.
وبكلمات أخرى، ظهر علم النفس الشعبي وحركة المساعدة الذاتية بهدف تمكين سيطرة الفرد على عقله ووظيفته. وفي جميع الحالات ترتكز صناعات هذه الحركة حصرًا على دور الفرد في تحقيق التمكّن أو الإتقان الذاتي، مع تجاهل أغلب أو جميع العوامل الأخرى التي تلعب دورًا في مصيره مثل الفقر أو الصراع الأسري أو الوضع الاجتماعي أو الحالة السياسية للمحيط الذي يعيش فيه، إذ يركّز على كيفية تشكيل العادات الفردية وكسرها أو التخلص منها، وكيفية تمكينها أو عرقلتها بصفتها المحرّك الأساسي للانضباط الذاتي والخطوة الأولى نحو تحقيق الذات.
ولو استعرضنا تاريخ المساعدة الذاتية، فيمكننا أن نرى أنّ بدايتها كانت ترتكز على الكتب والمقالات الداعية للمساعدة في تمكين الذات، وقد ظهرت هذه الحركة بدايةً في أمريكا في منتصف القرن الماضي، بعد الانتشار الكاسح الذي انتشر بين السكّان إبان الحرب العالمية الثانية، مستندةً على حركة الفكر الجديد الذي يعتقد في قوة التفكير الإيجابي.
تعتمد أساسيات هذه الحركة على استنتاج العلاقة بين الأشياء أو الأشياء من خلال ارتباطها دون التأكيد على وجود علاقة سببية مباشرة بينهما
إذن فينطوي علم النفس الشعبي وأساليب المساعدة الذاتية على تلك التصورات أو الادعاءات التي تضخها يوميًا وسائل الإعلام وكتب مساعدة الذات وأفلام هوليوود والصحف الصفراء، وتختلط فيها الخرافات والأساطير والمفاهيم المغلوطة المنافية للبحث العلمي في علم النفس عن السلوك الإنساني، وتصبح مقبولة أو صحيحة لدى الناس مع تداولها والترويج لها، خاصة وأنّنا نتحدث عن أنّ هذه الصناعة تبلغ حوالي 12 مليار دولار سنويًا في أمريكا لوحدها.
تعتمد أساسيات هذه الحركة أو الصناعة لنقل، على استنتاج العلاقة بين الأشياء أو الأحداث من خلال ارتباطها، ضاربةً بعرض الحائط أحدّ أهم القواعد العلمية التي تنصّ على أنّ ارتباط شيئين أو حدثين لا يعني مؤكّدًا وجود علاقة سببية مباشرة بينهما، فهناك دومًا تفسيرات أخرى محتملة وعوامل مغايرة مؤثرة. وهذا يقودنا للقول على أنّ الكثير من منتجات تلك الصناعة تفتقد للصحة العلمية.
يغلب على منتجات حركة المساعدة الذاتية خاصة كتبها، أنها تعطي وهمًا بالتحسن دون تحقيق نتائج ملموسة
وعلى اختلاف وسائلها، يلعب علم النفس الشعبي على نفس النغمة مستخدمًا أدواته المختلفة؛ قوة الفكر وأهمية التنظيم وقدرة الفرد على التغيير. والمشكلة الأساسية فيها ليس في عدم اعترفه بضعف الإنسان، بل على العكس، بترويجه لفكرة أنّ النفس البشرية لا تقهر طالما امتلكت القدرة، وأنها قادرة على إنجازات لا حدود لها، وهكذا يصبح الفرد محكومًا بآلام خيبة الأمل في حال فشل في التغيير.
يغلب على منتجات حركة المساعدة الذاتية خاصة كتبها، أنها تعطي وهمًا بالتحسن دون تحقيق نتائج ملموسة، يقرأ الفرد الكتب فيشعر بالرضا ويستمدّ أملًا بالنجاح والإنجاز، لكن غالبًا ما يكون ذلك دون أي إرشادات حقيقية واقعية، خاصة وأنّ الفرد يكون واقعيًا يفتقد للخبرة في العالم الحقيقيّ، أو عدم القدرة على مواجهته.
عوضًا عن أنّها تعمل على خلق لُبس أو عدم تأكد مما يرغبون به في حياتهم أو ما الذي يطمحون إليه، ويسعى معظمهما إلى محاولة تطوير الذات أو تحقيقها من خلال ملء الفراغات في حياة الفرد، أو تزويده بدفعة أدرينالين مؤقتة تنتهي بانتهاء اللحظة، فيصبح الفرد دائمَ البحث عن ما هو مؤقت هاربًا من السعي والعمل لما هو طويل الأمد أو ما يحتاج جهدًا كبيرًا وطويلًا.