ضمن سلسلة تحذيراته لروسيا من خطورة ما تقوم به من تدخل عسكري في أوكرانيا، أشار وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى بعض الخطوات التي قد تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لمعاقبة روسيا اقتصاديا.
ومن بين الإجراءات التي تحدث عنها كيري، يمكن أن تقوم أمريكا بتجميد أرصدة الشركات الروسية في الخارج ودفع شركات أمريكية نحو سحب استثماراتها من روسيا، كما نبه جون كيري من أن استمرار هذا الوضع سيجعل الروبل (العملة الروسية) يخسر قيمته التي بدأت فعلا في التدهور.
وإن كان الاقتصاد الروسي أحد أكبر اقتصاديات العالم، فإن اقتصاديات أخرى تصنف على أنها اقتصادات نامية تعرضت إلى نكسات اقتصادية بسبب اجراءات مشابهة للتي تحدث عنها جون كيري، وذلك بسبب “قرار دولي” معلن أو غير معلن بمعاقبة حكوماتها.
البرازيل:
في مطلع سنة 2012 وصل الاقتصاد البرازيلي إلى ذروته، فأعلنت الحكومة رسميا أن البرازيل باتت سادس أكبر اقتصاد في العالم متخطية بريطانيا في نسبة النمو التي تحققت في عام 2011، وقال وزير المالية البرازيلي أن بلاده حققت في سنة 2011 نموا بنسبة 2.7 في المئة بينما حقق الاقتصاد البريطاني نموا بنسبة 0.8 في المئة.
كما اكتشفت البرازيل في السنوات التي سبقت سنة 2011 احتياطات نفطية ضخمة تقدر بمليارات براميل النفط في المياه العميقة قبالة الشواطئ البرازيلية، الأمر الذي قال خبراء أنه سيجعل من البرازيل أحد أكبر 5 منتجين للنفط في العالم.
ولكن نفس العام، أي 2011، شهد هبوطا مفاجئا للعملة البرازيلية بنسبة 11 في المائة مقابل الدولار، بعد أن كانت العملة البرازيلية قد شهدت ارتفاعا بنسبة 34 بالمائة في سنة 2009 وارتفاعا آخرا بنسبة 5 بالمائة في سنة 2010 -المصدر: شبكة بي بي سي-، وهو ما فتح الباب للخبراء والمحللين للتساؤل عن الأسباب التي دفعت العملة البرازيلية للانهيار بهذا الشكل.
وللإجابة على هذه التساؤلات، يقول الصحفي الاقتصادي، محمد سيدي، أن “أسباب انخفاض العملات كثيرة ومختلفة، منها ما تتحكم فيه الدولة، ومنها ما يخضع لتقلبات السوق والمضاربة في الأوراق المالية، ففي بعض الحالات تعمد الدول لخفض قيمة عملتها أمام الدولار لرفع قدرة منتجاتها على المنافسة خارجيا، ودخول الأسواق بسعر أقل”.
ولكن محمد سيدي يؤكد في نفس الوقت أن انهيار العملة البرازيلية لم يكن مرتبطا بسياسة حكومية وإنما أسباب أخرى، وهو ما يتطابق مع تصريح لوزير المالية البرازيلي في نهاية سنة 2013 قال فيه أن: “ضغوط الدولار، في حالتنا، لا تحدث بسبب هروب رأس المال أو فقدان الاحتياطي كما هو الحال في دول أخرى، والوضع هنا هو تحوط ومضاربة”.
والتحوط والمضاربة، حسب الصحفي الاقتصادي، محمد سيدي، هما “مصطلحان ظهرا بشكل واضح في الأحداث الاقتصادية التي شهدتها النمور الآسيوية حيث تهاوت قيمة عملاتها نهاية التسعينات بسبب مضاربات قام بها ملاك صناديق التحوط المالي ممن يقبلون على شراء العملات المتوقع ارتفاعها وبيعها دفعة واحدة وبشكل مفاجئ يؤدي غالبا لتهاوي قيمتها بعد أن يستفيدوا من أرباح الفارق في السعر”.
ويذكر أن البرازيل عاشت في شهر يونيو من سنة 2013 حالة من الاحتجاجات الشعبية رفعت في البداية مطالبا اجتماعية متعلقة بأسعار النقل العمومي، وتحولت فيما بعد إلى احتجاجات منادية بإسقاط الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف، وهو ما قال محللون أنه كان مؤامرة لإضعاف الرئيسة ديلما التي بدأت تحول النجاحات الاقتصادية لفترة حكمها إلى نجاحات سياسية داخلية وخارجية.
وقد كتبت تحاليل كثيرة تشير إلى أن القوى المسيطرة على صندوق النقد الدولي وظفت قوتها الاقتصادية والإعلامية لإثارة الفوضى في البرازيل ولإضعاف اقتصادها ومنعها من الحصول على الحجم السياسي الدولي الذي كانت تسعى إليه.
مع العلم أن البرازيل في منتصف سنة 2012، كانت تفاوض باسم الدول النامية لتقديم المزيد من المساعدات المالية لحل أزمة الديون في منطقة اليورو مقابل أن تحصل هي على المزيد من النفوذ في صندوق النقد الدولي، وقد تعثرت هذه المفاوضات بسبب الأزمة التي سببتها الاحتجاجات في البلاد.
تركيا:
خلال أكثر من عقد من حكم حزب العدالة والتنمية وحكومات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، حققت تركيا قفزة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخها، مما جعل حجم الاستثمارات المباشرة في البلاد منذ سنة 2003 وحتى سنة 2013 تقدر بما يفوق 100 مليار دولار، في حين قدر حجم الصادرات التركية سنة 2012 ب152 مليار دولار – المصدر: شبكة سي أن أن-.
وفي أحد تصريحاته التي وصف من خلالها القفزة الاقتصادية التركية، قال نائب رئيس الوزراء التركي بولنت آرينتش: “تركيا مرت بفترات عصيبة للغاية وكانت تطرق الأبواب من أجل اقتراض مليون دولار في الفترة ما بين عامي 2000 و2001، عندما أعلن 20 بنكا تركيا إفلاسه، وارتفع سعر الدولار مقابل الليرة التركية من0.69 ليرة تركية إلى 1.7 ليرة تركية فى يوم واحد”.
مضيفا أن بلاده لم تتوقف عند سداد كل ديونها بصندوق النقد الدولي في سنة 2013، وإنما دخلت في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لإقراضه مبلغ 5 مليار دولار.
وبالتزامن مع ما عاشته البرازيل من احتجاجات، تطورت مظاهرة صغيرة نظمتها إحدى جمعيات الدفاع عن البيئة من تجمع لبضع عشرات إلى مظاهرات ضخمة في معظم المدن التركية، لتلحق أضرارا جسيمة بالاقتصاد التركي وتتسب في انخفاض قيمة الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها.
وإذ تطابقت تحليلات أخصائيين كثيرة مع الخطاب الرسمي للحكومة التركية الذي وجه أصابع الاتهام إلى الالقوى المسيطرة على الاقتصاد العالمي واتهمها بالعمل على إضعاف الاقتصاد التركي، فقد توجهنا بالسؤال إلى الصحفي الاقتصادي محمد سيدي حول فائدة اقتصادات الكبرى من اضعاف الاقتصادات الناشئة فكان جوابه بأن “العلاقات بين الاقتصادات تارة تكون تنافسية وتارة تكون تكاملية، وعادة ما تعتبر الدول المتقدمة الاقتصادات الناشئة والمتطورة بسرعة تهديدا لها، خاصة إن كانت تعتمد على الإنتاج الصناعي الوفير، الذي قد يهدد منتجات هذه الدول ويستحوذ على نسب من حصتها في الأسواق الاستهلاكية”.
مضيفا: “تركيا أصبحت اليوم الاقتصاد السابع عشر في العالم ونظرا لقربها من أوروبا باتت منتجاتها رخيصة الثمن تمثل تهديدا للشركات الكبرى في ألمانيا وفرنسا وغيرهما، ناهيك عن دور العلاقات السياسية في هذا الاستهداف”.
وحول ما إذا كان للانهيار الاقتصادي المفاجئ في الدول الناشئة أثر سلبي على الاقتصادات الكبرى، قال محمد سيدي: “لا شك أن التهاوي السريع لاقتصادات ناشئة مثل الاقتصاد التركي أو البرازيلي يسبب بعض المشاكل للبلدان الغربية إلا أن استفادتها أيضا مطروحة من هذا السقوط، فدولة كالبرازيل تنتج كمية كبيرة من النفط والمواد الزراعية ستلجأ عندما تضعف اقتصاديا لشراء احتياجاتها من الغرب، والاقتراض من المؤسسات المالية الغربية، وهو ما يمثل دخلا محتملا للاقتصادات الكبرى”.