ترجمة وتحرير: نون بوست
جُمدت ثروة الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي، إلا أن فوائد هذه الأموال المجمدة تحولت إلى حسابات بنكية بلوكسمبورغ والبحرين، فكيف تم ذلك؟ في الحقيقة، منذ اغتيال الرئيس الليبي السابق، معمر القذافي، في تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2011 بعد الإطاحة به خلال فصل الربيع من السنة نفسها، تساءلت العديد من الأطراف حول مصير ثروته المقدرة بحوالي 200 مليار دولار.
في الواقع، وقع تجميد أموال الرئيس الليبي الراحل بموجب قرار أممي، الذي كان محل ترحيب من قبل الشعب الليبي خاصة وأن هذا القرار كفيل بعودة الهدوء إلى ليبيا بعد الحرب الأهلية التي دمرت البلاد. وعلى الرغم من العقوبات الدولية، إلا أن بعض الأطراف لا زالت تستفيد من أموال القذافي. فقد تبين، خلال السنوات الأخيرة، أنه تم تحويل جزء من فوائد الأموال المجمدة ببنوك بروكسل إلى حسابات مصرفية أخرى في لوكسمبورغ والبحرين.
وفقا لتحقيق أجرته مجلة “بوليتيكو” الأمريكية، واستنادا إلى البيانات المصرفية والرسائل الإلكترونية وتصريحات بعض المسؤولين، تحتفظ البنوك البلجيكية بحسابات الرئيس الليبي الراحل المقدرة بحوالي 16 مليار يورو، علما بأن فوائده تزيد بانتظام ومن ثم تتدفق إلى حسابات تابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار، التي تعد بمثابة صندوق الثروة السيادية في ليبيا، التي تأسست في سنة 2006 بهدف الاستثمار في أرباح النفط. وبناء على ذلك، انطلقت الأبحاث بشأن المنتفعين من أموال القذافي.
لطالما مثلت المؤسسة الليبية للاستثمار محل نزاع بين الأطراف الحاكمة في ليبيا. ولكن، لا أحد يعلم هوية الجهة المشرفة على هذه المؤسسة خاصة وأن ليبيا تعيش تحت وطأة الانقسام بين حكومتي طبرق وطرابلس، الأمر الذي ألقى بظلاله على المؤسسة الليبية للاستثمار. ولعل الأمر المثير للجدل هو أن كلا الحكومتين عينتا شخصيتين تتوليان مهمة تسيير هذه المؤسسة، مما خلق مجالا للمنافسة بين هذين الشخصين لاسيما وأن كلاهما يدعي أحقيته بتسيير دواليب المؤسسة.
في عهد القذافي، استثمرت المؤسسة الليبية للاستثمار أصولها لاقتناء أسهم تابعة لمؤسسات كبرى بالمملكة المتحدة وإيطاليا؛ على غرار شركة “فيات” للسيارات ونادي يوفنتوس
في إطار هذا التحقيق، بادرت مجلة “بوليتيكو” بالاتصال بالمحامين التابعين لهذه المؤسسة، ومستشاريها ورؤسائها السابقين، إلى جانب الشخصيتين اللتين تتنافسان على شرعية إدارتها. وفي نهاية المطاف، لم يعترف أي من الأشخاص الذين حاورتهم المجلة الأمريكية بمسؤوليته في الاستيلاء على أموال القذافي المجمدة.
خلال السنوات الأخيرة، شملت العقوبات الأممية كل أموال نظام القذافي، بما في ذلك الأموال التابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار والمقدرة بنحو 67 مليار دولار، علما وأن أغلب هذه الأموال اسُتثمرت في مؤسسات بنكية بأوروبا وأمريكا الشمالية. في الأثناء، تتكفل الحكومات الأوروبية بالسهر على تنفيذ هذه العقوبات المفروضة على ثروة الرئيس الليبي الراحل. وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2011، اتفقت دول الاتحاد الأوروبي على أن العقوبات تشمل أصول القذافي المجمدة دون سواها، في حين اسُتثنيت الفوائد المترتبة عن هذه الأصول، بعد شهر أيلول/ سبتمبر من سنة 2011، من سلم العقوبات.
في عهد القذافي، استثمرت المؤسسة الليبية للاستثمار أصولها لاقتناء أسهم تابعة لمؤسسات كبرى بالمملكة المتحدة وإيطاليا؛ على غرار شركة “فيات” للسيارات ونادي يوفنتوس، فضلا عن البنك الملكي الأسكتلندي وشركة بيرسون، التي اشترت صحيفة “فايننشال تايمز” في السابق.
أسهم بشركات نفط وأسلحة
أودعت المؤسسة الليبية للاستثمار أموالها في أربعة حسابات مصرفية لدى مؤسسة “يورو كلير” المالية ببروكسل. وتبين الوثائق الصادرة عن مؤسسة “يوروكلير” سنة 2013، التي تحصلت عليها مجلة “بوليتيكو”، أموال المؤسسة الليبية للاستثمار تتضمن أسهما لدى شركات إيطالية كبرى على غرار شركة “إيني” النفطية وبنك “يونيكريديتو”، بالإضافة إلى شركة فينميكانيكا (اليوم ليوناردو)، مع العلم وأن كل هذه الشركات الآنف ذكرها مختصة في مجالات صناعة الأسلحة والطيران والفضاء.
في خضم الصراع القانوني حول مسألة ترأس المؤسسة الليبية للاستثمار، كانت أموال القذافي المجمدة تتدفق إلى حساباتها
حيال هذا الشأن، أفاد مسؤولون لدى المؤسسة الليبية للاستثمار أن الأصول التابعة لها تتدفق إلى مختلف دول العالم. ولعل هذا ما أكده محسن دريجة، الذي تولى منصب المدير العام لهذه المؤسسة الاستثمارية من سنة 2012 إلى سنة 2013. خلال الفترة الممتدة بين نيسان/ أبريل 2012 ونيسان/ أبريل 2013، نُقلت 643 مليون دولار من أصول القذافي المجمدة إلى الحسابات التابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار. وعلى الرغم من أن هذه الفترة تتزامن مع إشرافه على تسيير هذه المؤسسة، إلا أن دريجة لا يعلم مصدر الأموال المودعة بحسابها.
خلال الفترة الممتدة بين منتصف سنة 2013 وحزيران/ يونيو من سنة 2017، تولى عبد المجيد بريش مهمة الإشراف على المؤسسة الليبية للاستثمار. وعلى الرغم من أن حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس عينت، في شهر حزيران/ يونيو سنة 2017، شخصا آخر يتولى مهمة تسيير هذه المؤسسة، إلا أن بريش أصر على أحقيته برئاستها. أما فيما يتعلق بمسألة تدفق الأموال، فقد أكد على شفافية المعاملات المالية للمؤسسة.
في خضم الصراع القانوني حول مسألة ترأس المؤسسة الليبية للاستثمار، كانت أموال القذافي المجمدة تتدفق إلى حساباتها. حيال هذا الشأن، أرسل موظف لدى مؤسسة “يورو كلير” رسالة إلكترونية لوزارة المالية البلجيكية مفادها أن أموالا مودعة لدى هذه المؤسسة المالية تحولت إلى حسابات تابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار لدى مؤسسة “إتش إس بي سي القابضة” بلوكسمبورغ والمؤسسة العربية المصرفية بالبحرين، مع العلم أن البنك المركزي الليبي يعد أحد المساهمين الرئيسيين في أسهم هذه المؤسسة المصرفية.
بناء على ذلك، أبلغت مؤسسة “يوروكلير” السلطات البلجيكية أن فوائد بقيمة 28 مليون يورو حُولت إلى حساب المؤسسة الليبية للاستثمار لدى مؤسسة “إتش إس بي سي”، وذلك خلال الفترة الممتدة بين أيلول/ سبتمبر من سنة 2011 وتشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2013. وفي السادس من كانون الأول/ ديسمبر سنة 2013، أرسلت مؤسسة “يورو كلير” رسالة إلكترونية إلى السلطات البلجيكية تعلمها فيها أن عملية تحويل الأموال ستحدث في المستقبل بشكل شهري.
أفاد الرئيس السابق للمؤسسة الليبية للاستثمار، محسن دريجة، أن الشعب الليبي لم يستفد من ثرواته المالية مطلقا
خلال حوار له مع مجلة “بوليتيكو”، أفاد المتحدث باسم شركة “يوروكلير” أن هذه المؤسسة ملتزمة بتطبيق القوانين. في المقابل، رفضت كل من مؤسستي “إتش إس بي سي” و”المؤسسة العربية المصرفية” التعليق على قضية الأموال المجمدة. وفي شهر أيلول/ سبتمبر من سنة 2017، طلب نائب بالبرلمان البلجيكي من وزير المالية، يوهان فان أوفرتفيلدت، تقديم توضيحات حيال هذه المسألة، لكن هذا الوزير رفض تقديم معطيات دقيقة حول هذه القضية.
في المقابل، اكتفى أوفرتفيلدت بالاعتراف بأن سداد الفوائد تم بعد استشارة الخبراء لدى المجلس الأوروبي، فيما رفض وزير المالية البلجيكي الإفصاح عن هوية المستفيد من هذه الفوائد. ومن جهتها، أوردت وزارة المالية البلجيكية أن “تقديم معطيات إضافية بشأن الأموال المجمدة أمر ممنوع بموجب قانون الاتحاد الأوروبي”.
في سياق متصل، صرح الرئيس السابق للمؤسسة الليبية للاستثمار، عبد المجيد بريش، أن “المؤسسة العربية المصرفية مطالبة بالاستجابة لمطالب المؤسسة الليبية للاستثمار فيما يتعلق بالمعاملات المالية”. وتابع بريش “باعتباري رئيسا للمؤسسة الليبية للاستثمار، أعتقد أن المؤسسة العربية المصرفية كانت سترفض مطلبنا بتحويل الأموال المودعة لديها إلى بنك آخر في حال لم يكن الأمر قانونيا، لكن هذه المؤسسة استجابت لجميع مطالبنا بتحويل الأموال”.
فيما يتعلق بهذه المعطيات، حاولت مجلة “بوليتيكو” الاتصال بمسؤولين لدى المؤسسة الليبية للاستثمار بطرابلس أو مالطا عن طريق الهاتف أو البريد الإلكتروني، لكن إحدى الموظفات بالمؤسسة الليبية للاستثمار في مالطا رفضت الإدلاء بتوضيحات بشأن سداد الفوائد مشيرة إلى أن “مكتب المؤسسة في مالطا لا يعدو إلا أن يكون جهة استشارية”، في حين رفض المسؤولون لدى حكومة طبرق الإدلاء بتصريحات بهذا الشأن.
من جهته، أفاد الرئيس السابق للمؤسسة الليبية للاستثمار، محسن دريجة، أن الشعب الليبي لم يستفد من ثرواته المالية مطلقا. في هذا الصدد، أورد دريجة أن “المؤسسة الليبية للاستثمار أنفقت أرباح الأموال المجمدة في إجراءات التقاضي والحال أننا كنا قادرين على استثمار هذه الأموال في النهوض بقطاعي الصحة والتعليم”.
المصدر: فيلت