ترجمة وتحرير: نون بوست
تتجه الحرب التي بدأت بالاحتجاجات السلمية ضد الرئيس بشار الأسد بسرعة نحو مرحلة جديدة تتدافع فيها القوى العالمية من أجل السيطرة على ما تبقى من البلاد التي أنهكتها الحرب، ما يجعلها عرضة لخطر التحول إلى صراع واسع النطاق. وتحت السماء المزدحمة بطائرات تخضع لسيطرة ست بلدان، تقاتل مجموعات متنوعة من الفصائل المدعومة من قبل القوى المتنافسة بعضها البعض عبر القيام بتشكيلات مذهلة من التحالفات، لذلك يكون الحلفاء المتمركزون على إحدى جبهات القتال خصوما لمجموعات أخرى على جبهة أخرى.
على أرض ميدان الحرب السورية، ما فتئت القوات التابعة للولايات المتحدة، وروسيا، وتركيا، الدخول في تصادم بشكل متزايد. فخلال الأسبوع الماضي فقط، خسرت روسيا، وتركيا، وإيران، و”إسرائيل” طائرات نتيجة نيران معادية. فضلا عن ذلك، تسعى الولايات المتحدة منذ عدة أيام لعرقلة تقدّم الميليشيات القبلية السورية المدعومة من إيران في الصحراء الشرقية، ما يجعل القوات الأمريكية تتورط أكثر في الصراع السوري.
في هذا السياق، أوضح مدير مركز الشرق للشؤون الإستراتيجية، سامي نادر، أن “المخاطر تزداد، حيث يوجد حرب باردة جديدة سائدة في سوريا، وأي تصعيد يمكن أن يمهد الطريق لحرب إقليمية أو دولية في ظل أن القوى الكبرى موجودة مباشرة على أرض الميدان وليس من خلال وكلاء، كما كان عليه الحال في الماضي”.
في الواقع، تأتي المواجهات الأخيرة بعد سنوات من القتال، الذي أصبحت فيه الأطراف التي توقفت منذ فترة طويلة عن خوض حرب أهلية، تحظى بدعم القوى الخارجية لتتمكن من البقاء على قيد الحياة في سوريا. ما ساهم في تدفق الأسلحة والجنود، فضلا عن أجندات سياسية جديدة.
على الرغم من أن الأسد قد انتصر على التمرد الذي كان يعارض بقاءه في السلطة، وتمكن من دفع تنظيم الدولة إلى آخر منطقة من الأراضي، التي تقع على طول الحدود العراقية السورية، إلا أن اللاعبين المتنافسين على أرض الميدان السوري يقاتلون في الوقت الراهن من أجل تشكيل النتيجة النهائية للحرب.
إلى جانب ذلك، تسيطر الحكومة السورية على النصيب الأكبر من الأراضي، فضلا عن خضوع أكثر من نصف البلاد على الصعيد النظري لسيطرة الموالين للأسد، الذين تدعمهم كل من روسيا وإيران. أما الولايات المتحدة فتسيطر على ثاني أكبر نصيب من المناطق في سوريا، الذي يبلغ قرابة 27 في المائة من البلاد، والذي يتمثل في المناطق التي استرجعت من تنظيم الدولة على يد القوات التي يقودها الأكراد في شمال شرق البلاد، بمساعدة الأسلحة الأمريكية والقوات الجوية ومستشاري العمليات الخاصة.
حيال هذا الشأن، صرحت الولايات المتحدة بأنها ستبقى في سوريا إلى أن يتم التوصل إلى تسوية سلمية، تاركة مسألة طول المدة مفتوحة. أما تركيا فتسيطر على مجموعة من الأراضي في الشمال التي تقع إلى جانب الأراضي التي يهيمن عليها المتمردون السوريون. وقد شنت تركيا في الشهر الماضي عملية توغل في مدينة عفرين المجاورة للأراضي الخاضعة لسيطرة الأكراد.
في الحقيقة، يتجسد مدى تعقيد هذه الحرب وتشابكها في مدينة عفرين، حيث تقاتل تركيا الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة، الذين يتلقون دعما ضمنيا من الحكومة السورية. ولكن في الوقت نفسه، تدعم الحكومة الميليشيات القبلية التي تهاجم الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة ومستشاريهم الأمريكيين في شرق سوريا. في المقابل، تلعب روسيا دور محققة التوازن العام للقوى، حيث أصبحت القوة العسكرية المهيمنة في سوريا عندما تدخلت سنة 2015 لدعم الأسد. وفي الوقت الراهن، تلعب روسيا بشكل سيء دور المقاتل ووسيط السلام في الوقت ذاته.
إسقاط طائرة حربية إسرائيلية، والتي تعد الحادثة الأولى من نوعها منذ الثمانينيات، فقد ساهمت في تصعيد التوتر بين “إسرائيل” وإيران
مع ذلك، يبدو أن النفوذ المتنامي لإيران في سوريا هو الذي يشكل أكبر خطر ينذر بحدوث نزاع على نطاق واسع. فقد وفرت إيران القوة البشرية والمال اللذان مكنّا الحكومة السورية من استعادة معظم المساحات الشاسعة من الأراضي التي افتكت منها في السنوات الأولى من الحرب، في خضم عملية توسيع الوجود الإيراني في سوريا.
نتيجة لذلك، كانت “إسرائيل” تراقب عن كثب النفوذ المتزايد لإيران وميليشياتها المتحالفة بقلق متزايد. وعبر حدودها، تواجه “إسرائيل” في الوقت الحالي قوات الكوماندوز الإيرانية والقوات المتحالفة مع إيران، بما فيها حزب الله الشيعي اللبناني وبعض الميليشيات الشيعية العراقية القوية التي تحدت القوات الأمريكية في العراق قبل عقد من الزمن.
وتجدر الإشارة إلى أن المعركة التي دارت أحداثها في نهاية الأسبوع الماضي التي أدت إلى إسقاط طائرة حربية إسرائيلية، والتي تعد الحادثة الأولى من نوعها منذ الثمانينيات، بعد أن ضربتها صواريخ مضادة منبثقة من الطائرات السورية التي قامت بتوفيرها روسيا لها، قد ساهمت في تصعيد التوتر بين “إسرائيل” وإيران. وفي الوقت الراهن، يواجهان الطرفان بعضهما البعض للمرة الأولى بصفة مباشرة على الساحة السورية.
لقد كان الاشتباك الجوي نتيجة دخول طائرة دون طيار إيرانية إلى المجال الجوي الإسرائيلي. وحيال هذا الشأن، أفاد مدير عام المخابرات الإسرائيلية، تشاغى تزورييل، أن “بلاده تعتزم منع إيران من الحفاظ على مستوى نفوذها الحالي في سوريا بعد انتهاء الحرب. وأضاف المصدر ذاته أن “الجميع يفكرون بالفعل في المستقبل. فالروس والإيرانيون يتوقعون الحصول على نصيبهم العادل، بعد أن أنقذوا النظام. لذلك من المهم جدا أن نؤثر في هذه المرحلة من الوقت على عملية تشكيل سوريا الجارية”.
في شأن ذي صلة، أضاف المصدر ذاته أنه “عن طريق تحليق الطائرات دون طيار في المجال الجوي الإسرائيلي، عبرت إيران أحد الخطوط الحمراء، حيث لم يكن ذلك الهجوم مجرد هجوم عادي بل هو اختبار للقيود والقواعد. وبالنسبة للإيرانيين، ليس هناك ما هو أفضل من اختبار الحدود وتجاوزها ولهذا السبب لا يجب علينا السماح لهم بتخطيها”.
تركت الاضطرابات العنيفة الأخيرة تركيا و”إسرائيل” والولايات المتحدة يتطلعون إلى روسيا من أجل تخفيف حدة التوتر بين الأطراف المتنازعة
على خلفية ذلك، حولت إدارة ترامب اهتمامها في سوريا من التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة في المنطقة إلى الوجود المتنامي لإيران. وبموجب سياسة وزارة الخارجية السورية، التي تمّ الإعلان عنها خلال الشهر الماضي، سيبقى قرابة ألفا جندي في شمال شرق سوريا إلى أن يتراجع “النفوذ الايراني في سوريا ويتم تأمين جيرانها من كل التهديدات المنبثقة عنه “، فضلا عن تحقيق أهداف أخرى.
من جهتها، تعهدت إيران بعدم السماح للولايات المتحدة بالبقاء في سوريا مما يؤكد أن شبح الحرب الأمريكية-الإيرانية والإسرائيلية-الإيرانية يلوح في الأفق. وخلال تصريحات نشرتها وكالة مهر للأنباء الإيرانية، أفاد مستشار الشؤون الخارجية للمرشد الأعلى الإيراني، علي أكبر ولايتي، بأن “الولايات المتحدة لن تنجح في تقسيم سوريا”. وأضاف المصدر ذاته أنه عليهم “إما أن يغادرون منطقة الفرات الشرقية في سوريا أو سنطردهم من هناك”.
والجدير بالذكر أن علي أكبر ولايتي قد أدلى بهذه التصريحات يوم الأربعاء، أي قبل يوم من قيام ميليشيات تدعمها إيران، مؤلفة من رجال القبائل المحليين، بشن هجوم واسع النطاق على قاعدة عسكرية تابعة للتحالف الذي يقوده الأكراد، حيث تتواجد القوات الأمريكية. وقد استوجب ذلك الهجوم استنجاد الجيش الأمريكي بطائرات هليكوبتر حربية وطائرات مقاتلة وطائرات هجومية للتصدي للهجوم.
من ناحية أخرى، تركت الاضطرابات العنيفة الأخيرة تركيا و”إسرائيل” والولايات المتحدة يتطلعون إلى روسيا من أجل تخفيف حدة التوتر بين الأطراف المتنازعة. وفي هذا الإطار، أفاد تشاغى تزورييل بأن “الإيرانيين هم الطرف المهيمن في سوريا؛ فقد أثبتوا في الكثير من المناسبات أنهم صناع القرار. وأعتقد أن روسيا تريد تثبيت إنجازاتها في سوريا. فقد حققت إنجازات جيدة، وأما الآن فهي تطمح لتحقيق الاستقرار والسلام الروسي( باكس روسيانا).
منذ بداية السنة الجارية، كثفت الحكومة السورية من حجم هجماتها على اثنين من أكبر المناطق التي يسيطر عليها المتمردون ما ساهم في ارتفاع عدد القتلى مرة أخرى
في المقابل، يتساءل العديد من المحللين عما إذا كان لدى روسيا ما يكفي من النفوذ على جميع اللاعبين لمنع التصعيد من الخروج عن نطاق السيطرة. ووفقا لما ذكره بعض المسؤولون الإسرائيليون، فقد صرحت روسيا أنها لم تكن على علم بأن المليشيات تخطط لمهاجمة القاعدة التي تدعمها الولايات المتحدة. وربما لم تكن روسيا على علم بعملية إطلاق الطائرة دون طيار الإيرانية، من شاحنة متنقلة.
في هذا الصدد، أورد الاستشاري الذي يلعب دور الوسيط بين الفصائل السورية، سلمان الشيخ، أن “الروس يملكون نفوذا أكبر مما ندركه، ولكنهم لا يستخدمونه مثلما نود. “وقد يتسبب ذلك في تحول الصراع بين السوريين إلى صراع بين دولتين”. وبسبب احتدام التنافس بين القوى الدولية، غالبا ما يتم نسيان أولئك المدنيين الذين مازالوا يتعرضون للضربات الجوية والقصف، وفي بعض المناطق الأخرى إلى الجوع.
منذ بداية السنة الجارية، كثفت الحكومة السورية من حجم هجماتها على اثنين من أكبر المناطق التي يسيطر عليها المتمردون ما ساهم في ارتفاع عدد القتلى مرة أخرى. ووفقا لمركز توثيق الانتهاكات في سوريا، قُتل 687 مدنيا خلال شهر كانون الثاني/ يناير، فضلا عن مقتل المئات الآخرين خلال هذا الشهر. ومن هذا المنطلق أكد الشيخ أن “الحرب السورية ليست على وشك النهاية ولن تنتهي أبدا”.
المصدر: واشنطن بوست