بعد تفاقم موجات الهجرة غير النظامية من أراضيها، وعجزها عن التصدي لها بالأساليب التقليدية، لم تجد الجزائر سوى الاستنجاد بالشيوخ والفتاوى الدينية لوضع حد لهذه الظاهرة، مما أثار استنكار الجزائريين واستغرابهم إلى أن وصل بهم الأمر إلى حد السخرية من صنيعة الحكومة.
أيام قليلة بعد ذلك، كانت كفيلة ليتكرر المشهد مجددًا، فها هي السلطات تستنجد مرة أخرى بشيوخ الدين لمساعدتها على احتواء احتجاجات ما فتئت حدتها تزداد يومًا بعد يومٍ، في بلاد تعاني من أزمات طالت جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على حد سواء.
إمام جامع للوساطة
في الوقت الذي بدت في السلطات الجزائرية الحاكمة عاجزة عن إيجاد حلول للحراك الاجتماعي الذي تعيشه البلاد منذ عدة أسابيع، استقبلت وزيرة التعليم الجزائرية نورية بن غبريط، أمس الثلاثاء، إمام جامع ومحامٍ للنظر في السبل الكفيلة بوقف الاحتجاجات المتواصلة منذ أشهر في المدارس الجزائرية.
وكانت وزيرة التعليم نورية بن غبريط قد استقبلت في مقر وزارتها كلاً من إمام المسجد الكبير بالجزائر العاصمة الشيخ علي عية والمحامي نجيب بيطام اللذين سبق أن أعلنا مبادرة للقيام بوساطة بين النقابات التعليمية والقطاعات الوزارية المعنية في الحركات الاحتجاجية، ووافقت من جهتها على هذه المبادرة، مؤكدة أن أبواب الوزارة مفتوحة على الدوام أمام الحوار وأمام أي وساطة من شأنها إعادة الهدوء إلى قطاع التعليم.
وقبل ذلك، أصدر المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر، فتوى جديدة تحرم الهجرة غير النظامية، أيدتها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، وذلك على خلفية تنامي ظاهرة هجرة الجزائريين بطريقة غير قانونية إلى دول أوروبا خلال الأيام الماضية، الأمر الذي أثار قلق السلطات.
تزامن استنجاد الوزيرة الجزائرية بإمام المسجد الكبير بالعاصمة، مع تكليف الحكومة وزير العمل مراد زمالي، بدء مشاورات مع النقابات المستقلة في قطاع التعليم
ومن المنتظر أن يقوم الشيخ صحبة المحامي بنقل وجهة نظر الوزيرة بن غبريط إلى نقابة المجلس الوطني المستقل لمستخدمي التعليم، على أن يحضر في الاجتماع الذي سيعقد بين الوزيرة وممثلي النقابة التي أعلنت الإضراب في المدارس.
يذكر أن إضراب المجلس المستقل لمستخدمي التدريس ثلاثي الأطوار للتربية دخل شهره الرابع في محافظتين على الأقل هما البليدة وبجاية، فيما انضمت باقي المحافظات إلى الإضراب في 30 من يناير/كانون الثاني الماضي، الأمر الذي دفع بوزارة التربية إلى فصل مئات من الأساتذة عن العمل، واستبدالهم بمفتشين للتربية، بعد أن أعلنت وزارة العمل أن المعاينة التي نفذها مفتشوها أظهرت “عدم احترام التوقيفات عن العمل الإجراءات القانونية التي تنظم حق الإضراب”.
وتزامن استنجاد الوزيرة الجزائرية بإمام المسجد الكبير بالعاصمة، مع تكليف الحكومة وزير العمل مراد زمالي، بدء مشاورات مع النقابات المستقلة في قطاع التعليم، في مهمة تهدف الى “إنقاذ” زميلته وزيرة التعليم نورية بن غبريط.
ودعا زمالي الأساتذة المضربين إلى العودة للعمل، مشيرًا إلى أن “أي حوار لن يحصل مع النقابة إلا بعد وقف الإضراب”، فرد قياديون في النقابة بأن “اللقاء مع الوزير تشاوري فقط، والإضراب مستمر”.
إمام المسجد الكبير بالجزائر العاصمة الشيخ علي عية
تطالب النقابة المستقلة وزيرة التربية بالاحترام الكامل للاتفاق الموقع بين الوزارة والنقابة، القاضي بإلغاء إجراءات الخصم العشوائي لأيام الإضراب للأساتذة في ولايتي البليدة وبجاية، والتفاوض وفق ما ينص عليه القانون، فضلاً عن تسوية بعض الحالات الخاصة بين الأساتذة، وتحيين منحة العمل في مناطق الجنوب والصحراء واحتسابها وفق شبكة الأجور الحاليّة، وإيجاد صيغ لحل ملفي السكن والترقيات.
استنفاد كل الحلول لمواجهة الاحتجاجات المتواصلة
استنجاد الوزيرة الجزائرية بأحد رجال الدين لمساعدتها على وقف احتجاجات المدرسين يؤكد استنفاد السلطات الجزائرية لكل الحلول لمواجهة الاحتجاجات المتواصلة، فبعد الحل الأمني والحل القضائي والمراهنة على الوقت ها هي الآن تلجأ إلى الحل الديني عله يجدي نفعًا.
وتبدو السلطات الجزائرية محاصرة من كل جانب بالحركات الاحتجاجية، في مشهد يوحي بأن البلاد تغلي فوق نار إضرابات تمس قطاعات مهنية واجتماعية واسعة، يشتكي أصحابها من تدني مستوى المعيشة وتدهور الأوضاع المهنية وظروف العمل، نتيجة سياسة التقشف المتبعة في البلاد منذ صيف سنة 2014.
مع اقتراب موعد نهاية الولاية الرابعة للرئيس بوتفليقة المحددة ربيع السنة المقبلة، احتد الصراع والجدال بين أذرع الحكم المختلفة
تخبط السلطات الجزائرية في التعامل مع الحراك الاجتماعي في البلاد بمختلف مستوياته، يكشف حسب عديد من المتابعين للشأن العام في الجزائر، ضعف مؤسسات الدولة المختلفة وعجزها عن التعامل مع الاحتجاجات في البلاد، وعدم قدرتها على التحاور مع المحتجين مهما كانت مطالبهم وعجزها عن حل المشاكل العالقة، نتيجة الصراع الدائر بين أجنحة الحكم لخلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
فمع اقتراب موعد نهاية الولاية الرابعة للرئيس بوتفليقة المحددة ربيع السنة المقبلة، احتد الصراع والجدال بين أذرع الحكم المختلفة، الذي وصل حد تبادل الاتهامات بين قيادات الأحزاب الموالية (جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي).
سخرية الجزائريين
تدخل الشيخ علي عية واقتراحه الوساطة بين وزارة التربية والمحتجين في قطاع التعليم أثار سخرية الجزائريين في مواقع التواصل الاجتماعي، وتهكمهم خاصة أنه يأتي بعد أيام قليلة من صدور فتوى تحرم الهجرة غير النظامية.
في هذا الشأن كتب جزائري يدعى عبد الغاني دغمان على صفحته في الفيسبوك: علي عية يقوم بوساطة بين الكناباست (نقابة التعليم) ووزارة التربية لفك فتيل الأزمة، واش (ماهو) دخل “إمام” في نزاع نقابي اجتماعي؟ ولا سي نورمال (أو أنه أصبح عادي) تقاسم الأدوار بالإيعاز في إحدى القوى الإقليمية؟
من جانبها نشرت صفحة يطلق عليها اسم شارع الصحافة الجزائرية، تدوينة جاء فيها: بن غبريط تستعين بالأئمة لوقف إضراب الأساتذة، مطالب الأساتذة اجتماعية، ما دخل علي عيه في هاته المسائل؟ هكذا تستعمل السلطة رجال الدين حينما لا تكون لديها حلول، نفس هذا الإمام كان يدعو للمشاركة في الانتخابات المزورة كما يعلم الجميع في وقت مضى.
بدوره كتب الجزائري فكيه بن عبد الله تدوينة على حسابه الخاص على تويتر، ساخرًا من استنجاد الوزيرة بالإمام، جاء فيها: هل الأساتذة المضربون أكلوا رمضان حتى تشتكيهم الوزيرة عند الشيخ علي عية؟
هل الأساتذة المضربين أكلوا رمضان حتى تشتكيهم الوزيرة عند الشيخ علي عية ؟؟؟؟؟
— fekih benabdellah (@fekihbenabdella) February 13, 2018
في وقت سابق، قرر المجلس الوطني المستقل لمستخدمي قطاع التربية والتعليم في الجزائر مواصلة إضرابه غير المحدود، متجاهلاً قرار المحكمة الإدارية القاضي بعدم شرعيته نتيجة تجاهل وزارة التربية الوطنية لمطالبهم “المشروعة” حسب قولهم.