لا شك أن لدى الوطن العربي ثروة ضخمة من النفط تشكل المصدر الرئيس للدخل لدى الدول العربية ، حيث يحتل النفط العربي مركزًا مرموقًا عالميا ، ويمثل أهمية إستراتيجية واقتصادية – وحتى سياسية – للدول العربية المصدرة له كدول الخليج العربي وبعض دول شمال إفريقيا.
كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن الفساد في مجال الطاقة في وسائل الإعلام التونسية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي ، حيث دلل ناشطون على ذلك بوجود تونس بين دولتين منتجتين للنفط (ليبيا والجزائر) وهو ما يثير أسئلة ملحة حول حقيقة فقدان تونس لهذه المادة الهامة.
يعتبر موضوع الثروة النفطية في تونس موضوع شائك، يصعب الخوض فيه، نظرا للتكتم على المعلومات والوثائق، عدم تعاون السلطات، وغياب الرغبة السياسية لرفع الالتباس والغموض الذي يحيط بالقطاع. صمت رهيب يوحي بوجود ” تواطؤ مع مافيا البترودولار ” – يقول ناشطون – .. رشاوى ورخص مشبوهة وهبات وترقيات للفاسدين ولصوص يلهثون وراء مزيد تعبئة رصيدهم في ظل تعاقب الحكومات وعدم فتحها لملفات الفساد في قطاع النفط
فما حقيقة ثورات الطاقة في تونس ؟
قبل ثورة الـ 14 من يناير 2011 التي أطحت بنظام بن علي، كان الحديث في موضوع الثروة البترولية في تونس محظورا ، حيث سعى النظام إلى التسويق عبر المناهج التعليمة ومن خلال تقاريره أن موارد البلاد ضئيلة ، لا ترتقي لتغطية احتياجات البلاد ، في حين وجود أكثر من 150 شركة تنقيب عن البترول منتصبة في تونس منذ سبعينات القرن الماضي وهو ما يطرح أسئلة ملحة عن جدوى انتصاب هذه الشركات في بلد “لا فائض نفطي فيه” هل جاءت لتكبد الخسائر أم للسفر و السياحة و الاستجمام في تونس؟
وعلى سبيل الذكر لا الحصر يفوق حجم الاحتياطي المحتمل من النفط بمنطقة” بوحجلة” بمحافظة القيروان شمالي تونس المليار برميل وهو ما يقدر بسعر السوق الحالي بأكثر من 100 مليار دولار . أي 5 أضعاف دين تونس الخارجي ، و 3 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي ، وهو ما يعادل أكثر من 27سنة من الاستهلاك بمعدل 100 ألف برميل في اليوم أي أكثر من 3 مليار دولار من العائدات سنويا ولنفس عدد السنوات (27 سنة).
تقارير دولية أخرى منها تقرير للمؤسسة الأمريكية للمسح الجيولوجي والمختصة في علوم الأرض يشير إلى أن تونس “تسبح فوق حوض ضخم من النفط”… يقول التقرير أن 97 مليار برميل من البترول و 38.5 تريليون متر مكتب من الغاز الطبيعي السائل موزعة بين تونس وليبيا .. كما أن بحوث موازية لمؤسسة أكسفورد للدارسات الاقتصادية أكدت أن مقدرات تونس من النفط والغاز الطبيعي” غير المعروفة” و”غير المستغلة” تسمح لتونس بان تكون ضمن الدول المنتجة للنفط.
في كل دول العالم النفطية توجد شركات أجنبية سواء للتنقيب أو للاستخراج أو للتكرير، الاتفاقيات تقوم على أساس أن تقوم الشركات الأجنبية باستخراج النفط وتسليمه للسلطات المختصة في الدولة مقابل مبلغ مادي جراء الاستخراج والدولة تبيع نفطها لمن تريد وبأي ثمن تريد.
أما في تونس: شركة “بريتش غاص” مثلا تستخرج 60% من إنتاج الدولة من النفط وتقوم حسب الاتفاقيات المبرمة مع الحكومات السابقة بالتصرف فيما تستخرجه من أرضنا مقابل دفع مبلغ مالي منصوص عليه في الاتفاقية لصالح الدولة وهذه الاتفاقيات طويلة الأمد يعني على 40 أو 50 سنة يكون فيها المبلغ المالي ثابت في حين أن قيمة النفط في تزايد يوما بعد يوم.
بل والأكثر من ذلك.. أكد رضا مأمون (الخبير في المجال) عبر إحدى القنوات التونسية الخاصة ” أن جميع المسئولين في الدولة ليس بمقدورهم تقديم رقم حقيقي حول إنتاج تونس النفطي” وأن” أرقام وزارة الصناعة لا تمت للواقع بصلة ولا يمكن حصر هذا الإنتاج بسبب عمليات النهب والسرقة المنظمة التي تقوم بها الشركات العالمية العاملة في القطاع” على حد تعبير الرجل.
ألف سؤال واستفهام يطرح حول حقيقة ثروات تونس النفطية و عن سر هذا التكتم الشديد على هذا الملف المهم الذي تؤكد كل الدلائل عن وجود فساد فيه .. وبين لعبة السياسيين وحساباتهم، يضيع حق التونسيين و أملهم في حياة كريمة كباقي الشعوب المتحضرة.