وسط توقعات من مقربين من البيت الأبيض بأنها ستكون زيارة صعبة، يواصل وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، جولته المكوكية، إلى منطقة الشرق الأوسط، التي استهلها بزيارة كل من القاهرة والكويت، تليهما كل من عمان وبيروت، ثم تختتم بأنقرة.
الزيارة تأتي في وقت حساس للغاية من الجانب الأمريكي بعد التداعيات الناجمة عن قرار دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة لـ”إسرائيل” وهو ما دفع الكثيرين بأنها لن تكون نزهة كما كانت في السابق، مما يضعها تحت مجهر الميكروسكوب لمعظم العواصم العربية والإقليمية، سواء التي يحط بها تيلرسون أو المرتبطة بها.
حزمة من الملفات يحملها وزير الخارجية الأمريكي في حقيبته، تعكس الهدف من الزيارة وفق رؤية البيت الأبيض، وأخرى ستفرض عليه – بلا شك – خلال لقاءاته الثنائية وعبر المؤتمرات الصحفية التي ستجرى مع نظرائه في العواصم العربية، على رأسها ملف “صفقة القرن”.
جعبة واشنطن الخاوية
خمس محطات سيتوقف فيهم قطار وزير الخارجية الأمريكي خلال جولته الشرق أوسطية، من المتوقع ألا يضيف جديدًا يحرك المياه الراكدة في معظم الملفات العالقة في تلك المحطات، خاصة بعد التوتر الذي شاب العلاقات بين واشنطن وحلفائها في المنطقة في أعقاب قرار نقل السفارة.
ففي القاهرة، اكتفى تيلرسون بعبارات فضفاضة عن الانتخابات الرئاسية المزمع إقامتها مارس/آذار المقبل، تفيد بأن واشنطن “تقف” مع الانتخابات، و”أمريكا وكل الدول الأخرى تدعم العملية الانتخابية الشفافة وتشجع المشاركة في الانتخابات”.
وزير الخارجية الأمريكية تغافل أو تناسى الحديث عن ضمانات نزاهة العملية الانتخابية في أعقاب الإطاحة بكل المرشحين المحتملين أمام الرئيس المنتهية ولايته عبد الفتاح السيسي، فكان الزج باثنين منهم في السجون، أحدهم رئيس أركان حرب الجيش المصري سابقًا، وإجبار أربعة آخرين على الانسحاب بعد التهديد، هو مصير كل من يفكر في المشاركة في هذا الاستحقاق.
كما لم يتطرق إلى مسلسل انتهاكات حقوق الإنسان في ظل حملة التنكيل بالمعارضين واعتماد البطش سياسة ومنهجًا لكل من يغرد خارج السرب، في الوقت الذي أبدى فيه تأييده المطلق للعمليات العسكرية التي يشنها الجيش المصري ضد الجماعات المسلحة في سيناء.
وفي الكويت، المحطة الثانية لتيلرسون، فقد اكتفى بحضور مؤتمر إعادة إعمار العراق، ومؤتمر وزراء خارجية التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وفي كليهما تمحور الحديث عن الدفاع عن سياسية واشنطن حيال كلا الملفين، سواء فيما يتعلق بتقديم المساعدات للعراق عبر القطاع الخاص الأمريكي وليس الدولة، أو التأكيد أن هزيمة تنظيم الدولة في معاقله الرئيسية لا يعني القضاء عليه بالكامل، مما يعني التلميح إلى إبقاء القوات الأمريكية داخل العراق.
وفي الملف السوري، عزف وزير الخارجية الأمريكية على دعم بلاده للقضية، مشيرًا إلى سيطرة التحالف الذي تقوده أمريكا على 30% من الأراضي السورية، وأن واشنطن سوف تتبرع بمبلغ 200 مليون دولار لدعم جهود الاستقرار في المناطق المحررة من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
خمس محطات سيتوقف فيهم قطار وزير الخارجية الأمريكي خلال جولته الشرق أوسطية، من المتوقع ألا يضيف جديدًا يحرك المياه الراكدة في معظم الملفات بها
بينما محطة عمان ربما تكون الأكثر حرجًا بالنسبة للوزير الأمريكي، خاصة بعد توتر العلاقات بين البلدين، في أعقاب قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، كذلك تعليق 65 مليون دولار من المساعدات الأمريكية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما دفع البعض إلى الحديث عن ترجيح فشلها وتكرار سيناريو نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس الذي زار عمان، مؤخرًا، دون أي تقدم يذكر.
أما رابع المحطات، وهي بيروت، فربما تكون الأسرع في جولة تيلرسون، رغم أنه لم يزرها أي وزير خارجية أمريكي منذ 4 سنوات تقريبًا، فإن ملف “حزب الله” وتمدد نفوذه داخل الأراضي اللبنانية وما يمارسه من دور في سوريا أو تهديد لتل أبيب، فإنه – من المرجح – سيكون أحد أبرز الملفات التي ستمثل عقدة كبرى في حزمة اللقاءات المزمع عقدها مع مسؤولين لبنانيين.
المحطة الخامسة والأخيرة، أنقرة، فمن المتوقع أن تكون الأهم على الصعيد الإستراتيجي، نظرًا للعلاقات التي تربط بين البلدين من جانب، والتوتر الذي خيم على أرجائها في السنوات الأخيرة، جراء تباين وجهات النظر حيال بعض الملفات خاصة الملف السوري وتسليح الأكراد، من جانب آخر، وهو ما سيجعل المباحثات التي ستجمع بين مسؤولي الطرفين أكثر سخونة من نظيرتها السابقة، وإن كان سقف الآمال المعقودة على الخروج بنتائج إيجابية ملموسة أقل بكثير مما يأمله البعض.
أنصار هذا الفريق يرون أن هذه الجولة المكوكية تندرج في إطار “جس النبض” لإمكانية عرض خطة التسوية “صفقة القرن”، ومدى إمكانية قبولها
ترميم أم تمرير؟
ربما لم يكن ملف “صفقة القرن” ضمن الملفات المرفقة بداخل حقيبة تيلرسون غير أنه أحد المحاور الرئيسية المتوقع التعرض لها في أكثر من محطة خلال جولته الخماسية، وهو ما حدث ابتداءً في القاهرة، خلال مؤتمر صحفي أجراه ونظيره المصري سامح شكري.
ففي رده على سؤال عن مدى إصرار الولايات المتحدة على طرح صفقة القرن في عملية السلام رغم الرفض العربي والإسلامي لقرار نقل السفارة إلى القدس وملامح هذه الصفقة، قال تيلرسون: “من المهم الإشارة إلى أن الرئيس ترامب ذكر مع قراره بنقل السفارة إلى القدس بأنه لا يشير إلى أي تغير في الوضع النهائي للقدس وأنه يجب تحديد تلك الأوضاع النهائية من خلال المفاوضات بين الأطراف”، مضيفًا “أن الولايات المتحدة ما زالت ملتزمة بدعم عملية السلام وما زالت مقتنعة بأن لديها دورًا مهمًا تلعبه لتقريب المواقف بين الأطراف والرئيس ترامب ملتزم بذلك”.
فريق ذهب إلى أن الهدف الرئيسي للزيارة وإن لم يكن مدرجًا بشكل رسمي لتلك الزيارة يتمثل في تمرير “صفقة القرن” وهو ما ألمح إليه مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” في القاهرة “ديكلان وولش” في تقرير له لتقييم المحطة الأولى من جولة تيلرسون.
وولش وجد في الزيارة وكأن وزير الخارجية الأمريكي يحاول إصلاح العلاقة، وعبر عن دعم حماسي وقوي للحملة التي يقوم بها السيسي في سيناء بهدف تفريغها تمامًا من تنظيم الدولة، وتجنب حتى النقد اللطيف للانتخابات الرئاسية الشهر القادم، رغم علامات الاستفهام التي تحيط بها من كل جانب.
أنصار هذا الفريق يرون أن هذه الجولة المكوكية تندرج في إطار “جس النبض” لإمكانية عرض خطة التسوية “صفقة القرن”، ومدى إمكانية قبولها، ولكن لا يمكن التعويل على وزير الخارجية الأمريكية في تطوير ملف المفاوضات، لأنه بعيد عن هذا الملف الذي سُحب منه وأُسند إلى البيت الأبيض بقيادة صهر الرئيس الأمريكي.
لم يتطرق إلى مسلسل انتهاكات حقوق الإنسان في ظل حملة التنكيل بالمعارضين واعتماد البطش سياسة ومنهجًا لكل من يغرد خارج السرب، في الوقت الذي أبدى فيه تأييده المطلق للعمليات العسكرية التي يشنها الجيش المصري ضد الجماعات المسلحة في سيناء
فريق يرى أن الهدف الأول للزيارة تمرير “صفقة القرن”
بينما يذهب آخرون إلى أن فريق من المسؤولين الأمريكيين يرون أن “صفقة القرن” ليست قضية سهلة، ويمكن أن تفشل على الصعيد الإقليمي في ظل حالة التصدع التي تشهدها المنطقة على ضوء الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، وما تبعه من إعلان الفلسطينيين رفضهم للرعاية الأمريكية.
هذا الرأي ربما يعززه نفي الإدارة الأمريكية لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، عن مناقشة فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، (رغم أنها قد تكون صحيحة)، إلا أن هذا القرار ربما يندرج تحت إطار “محاولة إعادة ترميم” ما أفسدته تحركات الرئيس الأمريكي، ولعل هذا هو الهدف الرئيسي لتلك الجولة التي تأتي في وقت تتصاعد فيه حدة التوتر في المواجهات مع روسيا في أعقاب إسقاط طائرة إسرائيلية داخل الأجواء الفلسطينية بصاروخ تباينت الرؤى حيال هوية الدولة المصنعة له ما بين موسكو وطهران، قابلها تدمير دبابة روسية، وهو ما قد يدفع واشنطن إلى إعادة نظر في منسوب ترمومتر العلاقات مع حلفائها في المنطقة.