شغل موضوع الأحلام البشر لقرونٍ طويلة، فقد نظرت إليها الحضارات المبكرة مثل الإغريق والرومان على أنّها وسيلة تصل بين العالم الأرضيّ للبشر والعالم الغيبي للآلهة، إلى جانب ارتباطها بالرموز والأساطير. أما في نهايات القرن التاسع عشر فقد بدأ الطرح العلميّ يأخذ منحىً جديدًا واسع الانتشار، لا سيّما مع أطروحات كلٍّ من عالميْ النفس سيغموند فرويد وكارل يونغ اللذيْن وضعا النظريات الحديثة الأكثر شهرةً في تفسير الأحلام.
ركّزت أطروحة فرويد على أنّ الأحلام تشكّل فسحة كبيرة لدوافع الفرد المكبوتة في لاوعيه نظرًا لانعدام الرقابة الاجتماعية عليها، وبالتالي يكون جوهر الحلم هو تلبية الرغبات اللاعقلانية تلبية خيالية، ، فيستطيع الفرد في حلمه التركيز على أتفه الأمور بينما الدوافع الأساسية تكون فيه ثانوية ومهمشة. ومن جهته، فقد رأى يونغ أنّ الحلم يشكّل تعبيرًا عن حكمة اللاوعي، إذ أنّ الفكر اللاواعي قد يكون في بعض الأحيان قادرًا على الإعراب عن ذكاء وإرادة أرفع بكثير من طاقتنا الواعية والمعتمَدة في مواجهة الأمور.
تفترض نظرية “التفعيل التوليفي” أنّ الأحلام لا تعني في الواقع أي شيء سوى أنها تغييرات تحدث في نشاط الخلايا العصبية للدماغ أثناء النوم.
ومع التطورات التكنولوجية في العلم الحديث، خاصة في علم الأعصاب والدماغ، أصبح بالإمكان أكثر وضع نظريات علميّة في تفسير الأحلام، مبنية على عمل الدماغ وأعصابه أثناء النوم وعلى التغيرات التي تحدث فيه في تلك المرحلة من حياة الإنسان.
تفترض نظرية التفعيل التوليفي “The activation-synthesis hypothesis“، والتي وُضعت على يد العالمان في جامعة هارفارد ج. ألان هوبسون وروبرت مكارلي لأول مرة عام 1977، أنّ الأحلام لا تعني في الواقع أي شيء سوى أنها تغييرات تحدث في نشاط الخلايا العصبية للدماغ أثناء النوم، أي أنها نتاج للعمليات الفسيولوجية للدماغ.
ففي حين كان يُعتقد أنّ النوم وما يرافقه من أحلام عبارة عن عملية غير فعّالة يكون فيها الدماغ غير نشطٍ، اكتشفت الدراسات والأبحاث في نهاية القرن الماضي أنّه يكون خلال النوم أنشط فسيولوجيًّا وحيويًّا مما يكون عليه أثناء الصحو أو اليقظة، وأنّ نشاطًا عصبيًّا كبيرًا يأخذ مكانه أثناء النوم، تستند مهمته الأساسية على مساعدة الفرد في تنظيف الدماغ من المعلومات غير اللازمة وتوحيد ذكرياته من اليوم السابق، إذ تتعرّض خلايا الدماغ أثناء النوم لعمية من الانكماش والتقليص المستمرة والتي تتيح المجال لزيادة فعالية الذاكرة وقدرات التعلم، ففي حين تنكمش الخلايا الضعيفة، تتساقط معها أي ذكريات ضعيفة لا لزوم لها جمعها الدماغ أثناء يقظته، ما يتيح المجال للذكريات القوية والراسخة بالسيطرة وبالبقاء لفترة أطول.
تشير فرضية “محاكاة التهديد” إلى أنّ الحلم بالأساس آلية دفاعٍ بيولوجية قديمة وفّرت قدرةً لمحاكاة التهديدات والصراعات التي قد يتعرّض لها الإنسان مرارًا وتكرارًا.
وفقًا لهوبسون والباحثين الآخرين، يتم تنشيط جذع الدماغ خلال دورة “حركة العينين السريعة” أثناء النوم، بما في ذلك المناطق المسؤولة عن الذكريات والعواطف والأحاسيس والتفكير وغيرها من العمليات العقلية العديدة. وفي محاولته لخلق معنىً من تلك العمليات العشوائية، ينسج الدماغ قصصًا على شكل حلم يتذكره الفرد بعد استيقاظه.
تؤكد فرضيّات علم النفس التطورّي هذا التفسير. فتشير فرضية “محاكاة التهديد” إلى أنّ الحلم هو بالأساس آلية دفاعٍ بيولوجية قديمة وفّرت قدرةً لمحاكاة التهديدات والصراعات التي قد يتعرّض لها الإنسان الأول مرارًا وتكرارًا، ما يعزّز من آلياته العصبية والمعرفية المطلوبة لتصوّر تلك التهديدات والتعامل معها بكفاءة وفعالية.
وباختصار، فإن نظرية التفعيل التوليفي ترتكز على ثلاث فرضيات رئيسيات يجب توافرها لحدوث الحلم؛ مستويات عالية من النشاط في خلايا الدماغ، والذي بدوره يجب أن يحدث خلال مرحلة حركة العينين السريعة من النوم، ثم محاولة الدماغ لصنع معنىً من الإشارات العشوائية الناتجة عن تفعيل خلاياه.
فلماذا يحاول الدماغ أن يخلق معنىً من تلك الإشارات العشوائية التي تحدث أثناء النوم؟ وفقًا لهوبسون وزملائه فإنّ دماغ الإنسان ينحاز بشكلٍ أساسيّ ولا إراديّ للبحث عن المعنى الذي يتميّز به عن باقي المخلوقات، ويسعى دومًا لخلق ذلك المعنى بما يتوافر لديه من بيانات أو معلومات قليلة يقوم بتحليلها ومعالجتها.
أثارت هذه الفرضية جدلًا كبيرًا، لا سيّما بين المحللين الفرويديين والمعالجين النفسيين الذين صبّوا جهودهم في محاولة فهم المعنى الكامن وراء الأحلام، فافتراض أنّها لا شيء سوى نتاج حيويّ وبيولوجيّ لعمل الدماغ أثناء النوم لم يكن مقنعًا للكثيرين منهم.
تخضع الأحلام لعواطف ومشاعر الشخص الحالِم، فحالته النفسية أو العاطفية تنعكس على أحلامه ومدى تعقيدها أو غرابتها.
وعلى الرغم من الفرضيات اللاحقة التي حاولت تفسير الأحلام والإجابة على سؤال “لماذا نحلم؟”، إلا أنّ الإجابة لا تزال مجهولة حتى الآن، وما زال العلماء فعليًا غير قادرين على فهم الغرض أو الهدف الأساسي للنوم أو الحلم.
مع ذلك، فالنظريات المعاصرة التي تبحث في تفسير الأحلام أو محاولة فهمها تميل لفرضية أنّ العملية ليست عشوائية، وإنّما تخضع لعواطف ومشاعر الشخص الحالِم، فحالته النفسية أو العاطفية تنعكس على أحلامه ومدى تعقيدها أو غرابتها، لذلك غالبًا ما تتمّ دراسة أحلام أولئك الذين تعرّضوا للصدمات النفسية أو التجارب الصعبة خلال سير عملية علاجهم النفسيّ، فأحلامهم تصبح أكثر تواترًا وأكثر كثافةً بعد الصدمة.
كما أنّ ثمّة افتراضٌ بأنّ افتقار الأحلام أو قلة حدوثها يؤثر على قدرتنا على فهم العواطف المعقّدة في الحياة اليومية والتي تُعتبر سمةً أساسية من سمات التفاعل الاجتماعي البشري. وبالتالي، يبدو أن الأحلام تساعدنا على معالجة عواطفنا من خلال ترميز وبناء ذكرياتٍ خاصة بها، فما نراه في أحلامنا قد لا يكون حقيقةً أو يمتُّ للواقع بصلة، غير أنّ العواطف المرتبطة به لا بدّ وأنْ تكون حقيقيةً، وقصص الحلم تعمل بشكلٍ أساسيّ على تجريد تلك العواطف المرتبطة بتجربة معينة من خلال خلق ذاكرةٍ لها.
تساعد الأحلام على تنظيم ذلك الجسر الهش الذي يربط خبراتنا وتجاربنا اليومية من جهة مع عواطفنا وذكرياتنا من جهة أخرى.
وهذا يقودنا لاستنتاج العلاقة بين الحرمان من النوم من جهة وبين تصاعد أو تطوّر الاضطرابات العقلية والمشاكل النفسية مثل القلق والتوتر وعدم الاستقرار النفسيّ من جهة أخرى. فعدم القدرة على معالجة مشاعرنا، وخاصة السلبية منها، يعني دوام نشاطها واستمرار تأثيرها. وباختصار، يمكننا القول بأنّ الأحلام تساعد على تنظيم ذلك الجسر الهش الذي يربط خبراتنا وتجاربنا اليومية من جهة مع عواطفنا وذكرياتنا من جهة أخرى.
وبالتالي فإننا نعتبر أنّ ثمّةَ وظيفة ممكنة، إن لم تكن مؤكدة، للأحلام، تعمل من خلالها على نسج أدواتٍ جديدة في ذاكرة الإنسان بطريقةٍ تقلل من حدة إثارته العاطفية وتساعده في التكيف على التعامل مع مزيدٍ من الصدمات أو الأحداث الحياتية المجهدة، ما يدعم نظرية علم النفس التطوري التي ذكرناها سابقًا في المقال.