اتحاد الطلبة في سوريا.. ذراع أمنية داخل الجامعات وأداة نظام الأسد الناعمة

“محققون في أجهزة المخابرات”، بهذه الكلمات وصف “رَوض”، الطالب في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة دمشق أعضاء “الاتحاد الوطني لطلبة سورية”، الذين حولوا مكاتبهم في بدايات الثورة السورية إلى أماكن اعتقال للطلاب قبل تسليمهم إلى الأفرع الأمنية.

يكشف روض لـ”نون بوست” عن تعرضه للاعتقال من أعضاء الاتحاد في مارس/آذار 2013، عندما دخلوا إلى مكتبة الجامعة وطلبوا تفتيش جواله بتهمة توزيع منشورات مناهضة للنظام، قبل الطلب منه التوجه إلى مكتب الاتحاد للتحقيق.

بقي روض في المكتب حتى انتهاء الدوام الجامعي، حيث تقصد أعضاء الاتحاد ذلك تجنبًا لإثارة انتباه الطلاب في أثناء نقله إلى أحد الأقبية بالمدينة الجامعية، قائلًا: “هناك تشعر أن أعضاء الاتحاد عبارة عن محققين في أجهزة المخابرات.. عمليات الاستجواب والتعذيب ذاتها، وأخيرًا في ليل ذلك اليوم جرى تسليمي إلى دورية تابعة لفرع الأمن السياسي”.

قصة روض تشابه مئات قصص الطلاب الذين تعرضوا لانتهاكات من أعضاء اتحاد الطلبة، وهو ما كشفه تحقيق نشره “المجلس السوري – البريطاني” تحت عنوان “ميليشيا في الحرم الجامعي“، أكد أن الاتحاد يعد ذراعًا للأجهزة الأمنية السورية داخل حرم الجامعة، فكان أعضاؤه يقومون بدوريات أمنية في قاعات المحاضرات ومجمعات السكن الجامعي، وتوقيف الطلاب وتعذيبهم داخل مرافق الجامعة، وتسليمهم بعد ذلك للأفرع الأمنية.

تاريخ أسود

يعود تأسيس “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” إلى أبريل/نيسان 1963، ويعرف عن نفسه بأنه “منظمة شعبية طلابية تضم طلبة سورية في الجامعات والمعاهد، وما في حكمها وتدافع عن مصالحهم وحقوقهم”.

وعمل الاتحاد منذ تأسيسه على دعاية بأن الحراك الطلابي في سوريا بدأ مع استيلاء آل الأسد على السلطة في سوريا، حسب رئيس اتحاد طلبة سوريا (المعارض)، محمد السكري، الذي قال لـ”نون بوست” إن الاتحاد يصدّر في وثائقه أن أول مؤتمر طلابي عقد في سوريا كان في مدينة اللاذقية عام 1950 برئاسة حافظ الأسد عندما كان طالبًا.

وأضاف السكري أن فترة سبعينيات القرن الماضي كانت مفصلية بالنسبة للاتحاد، بسبب صدور قانون الجامعات السورية، واعتبار الدستور للاتحاد أنه “الكيان المشرف على العملية التعليمية”، وهذا يعني تحول دور الاتحاد من تمثيل الطلاب السوريين ونقل مطالبهم للحكومة، إلى ذراع أمنية ضد الحراك الطلابي.

كما كان الاتحاد حاضرًا في أحداث حماة خلال ثمانينيات القرن الماضي، حيث أسهم في اعتقال العشرات من طلاب الجامعة السوريين في جامعتي دمشق وحلب، بتهمة الانتساب لـ”الإخوان المسلمين” في سوريا، حسب ما قاله أحد الخريجين من جامعة حلب لـ”نون بوست”، الذي أكد قيام أعضاء الاتحاد الذين ينتسبون لحزب البعث بالوشاية على عدد غير محدود من طلبة الجامعة إلى أفرع الأمن، ما تسبب في اعتقالهم ووفاة غالبيتهم في المعتقلات.

وبناءً على ذلك استطاع حافظ الأسد احتكار العمل الطلابي، حسب السكري، الذي أوضح أنه بعد توريث بشار الأسد، أصدر القانون رقم (3) في العام 2006 وهو القانون الذي منع تأسيس أي كيانات طلابية خارج منظومة الاتحاد.

ويؤكد السكري أن الاتحاد ساعد نظام حافظ وبشار الأسد، على تأطير الحراك الطلابي في سوريا، ضمن منظومة تقوم على تطييف المجتمع وتدجينه، لتسهيل توجيهه.

ورغم وجود هيئات إدارية منتخبة (شكليًا) للاتحاد وممثل للطلبة في مجلس كل كلية ومشاركته في مجلس الجامعة، فإنه لم يكن ممثلًا للطلبة عبر تاريخه، حسب دراسة صادرة عن “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير“.

وتشير الدراسة، التي حملت عنوان “الاتحاد الوطني لطلبة سورية.. سيرة من الانتهاكات”، إلى أن “هذه الهيئات فقدت اهتمام الطلاب بها واحترامهم لها، نتيجة تفريغها من محتواها، لا سيما أن القائمين عليها من غير المميزين أو عديمي الأفق، والهدف الحقيقي هو عسـكرة الحياة الجامعية عبر مواد التدريب العسكري والمعسكرات الصيفية وانتشار المفارز المسلحة في الكليات والطلبة المخبرين الذين كانوا يكتبون التقارير بزملائهم”.

كما مارس الاتحاد إلى جانب مهامه الإدارية والتعليمية والحزبية التي أسندت إليه، أدوارًا أمنية بالتنسيق مع أجهزة الأمن قبل سنوات الثورة، إضافة إلى انتهاكات أعضائه مثل العنف البدني والاعتداء على المتظاهرين والاعتقالات التعسفية بعد الثورة، حسب الدراسة.

وتعاقب على رئاسة الاتحاد شخصيات عرفت بقربها من نظام الأسد، كان أبرزهم عمار ساعاتي الذي تسلم إدارة الاتحاد لنحو 17 عامًا بين عامي 2003 حتى 2020 عندما عينت دارين سليمان بدلًا منه.

ساعاتي حاصل على دكتوراه في الهندسة الكهربائية من جامعة دمشق، وتسلم رئاسة مكتب إدارة حزب البعث بين عامي 1992و1995 قبل أن يصبح نائبًا لرئيس الاتحاد حتى عام 2000، وإلى جانب ترؤسه اتحاد الطلبة أصبح عضوًا في اللجنة المركزية بحزب البعث بين عامي 2005 و2013، إلى جانب عضويته في مجلس الشعب منذ 2003 وحتى 2015.

وعرف ساعاتي، المتزوج من الإعلامية السابقة لونا الشبل والمستشارة الحالية لرئيس النظام بشار الأسد، بـ”تشبيحه” ضد طلاب سوريا، وتنسب له فكرة تشكيل “كتائب البعث”، التي أسهمت بدعم قوات النظام السوري، ويعتبر أن دور الشباب السوري في إعادة إعمار البلاد هو من خلال الالتحاق بصفوف قوات النظام السوري.

وأدرجت الولايات المتحدة الأمريكية ساعاتي على قائمة العقوبات في 2020، وقالت إنه “أحد كبار مسؤولي حزب البعث الذين قادوا منظمة سهلت دخول طلاب الجامعات إلى الميليشيات التي يدعمها الأسد، إنهم من بين العديد من الشخصيات الفاسدة التي اختارها الأسد كمستشارين له”.

الفرع الأمني الجامعي

بعد اندلاع الثورة السورية توسع دور اتحاد الطلبة في مراقبة وتعقب طلاب الجامعات وأساتذتها، حسب تحقيق “المجلس السوري – البريطاني”، حيث شارك أعضاؤه في قمع التظاهرات واعتقال الطلاب، وصولًا إلى تشكيل الاتحاد ميليشيات تحمل اسم “كتائب البعث” في الجامعات السورية كانت بدايتها من جامعة حلب 2012.

واعتبر روض أن المنتسبين إلى الاتحاد هم من حزب البعث، أو من أبناء ضباط الأمن والمخابرات، وهذا ما يفسر سلوك أعضائه، بحيث كل من ينتسب لهذا الاتحاد هو مأمون الجانب من النظام، أو من المنتفعين منه، في حين يرى المجلس السوري البريطاني أن أعضاء الاتحاد من الموالين المخلصين للنظام، والذين مُنحوا صلاحيات واسعة.

ويكشف التحقيق، نقلًا عن شهود، كيف تحول اتحاد الطلبة إلى فرع أمني لضبط الأمن في حرم الجامعات، حيث كان أعضاء الاتحاد يقومون بـ”محاصرة المظاهرة وضربهم بالهروات وشتم المتظاهرين بألفاظ نابية، ثم احتجاز غالبيتهم وتسليمهم للأمن”، كما حصل خلال الهجوم على مظاهرة طلابية سلمية خرجت من كلية العلوم في أبريل/نيسان 2011.

كما مارس أعضاء الاتحاد التعذيب بحق الطلاب المتظاهرين، حسب شهادة طالب الماجستير في كلية طب الأسنان أيهم غزال، الذي أكد تعرضه للضرب بقضيب حديدي واقتلاع أظافره وسكب الماء المغلي عليه من بعض الأعضاء في داخل حرم الجامعة.

كما يروي التحقيق شهادة مروعة أخرى عن تهديد أعضاء الاتحاد لأحد المتظاهرين بجلب والدته واغتصابها أمامه، إلى جانب تعرض الطالبات أيضًا للعديد من الانتهاكات من أعضاء الاتحاد الذين تعاونوا مع عدد من النساء لتفتيش الطالبات بطريقة مهينة ومذلة تنتهك الخصوصية.

وخلص التحقيق إلى أن أعضاء الاتحاد تورطوا في قمع المظاهرات بالتنسيق مع الأفرع الأمنية، واعتقال زملائهم وتعذيبهم داخل الحرم الجامعي، حسب رئيسة فريق التحقيق في المجلس السوري البريطاني ياسمين النحلاوي، لـ”نون بوست”.

وقالت النحلاوي إن أعضاء الاتحاد مارسوا الاستجواب المتشابه بين اتحاد الطلبة داخل الحرم الجامعي والاستجواب داخل الأفرع الأمنية، من حيث الأسئلة والأدلة أو المعلومات التي يطلبون معرفتها، مضيفة أن المجلس زود الآلية الدولية المحايدة والمستقلة لسوريا التابعة للأمم المتحدة، بنتائج التحقيق.

أداة لتعويم النظام

في 2024 أصدر بشار الأسد القانون رقم 1، والذي نص على تنظيم عمل “الاتحاد الوطني لطلبة سورية” كمنظمة شعبية طلابية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، حيث أراد النظام تنظيم عمل الاتحاد وحصره بالشق الجامعي، بعد انتهاء المهام التي كان موكلًا بها.

وسابقًا كان النظام الداخلي للاتحاد ينص على أن مصادر تمويله هي بشكل أساسي من رسوم الانتساب، والنسب المقتطعة لصالح الاتحاد من رسوم التسجيل في الجامعات والمعاهد الحكومية والخاصة، سواء عبر التعليم العادي أم الموازي، وأيضًا من بدلات استثمار وإيجار المرافق التابعة للاتحاد، لكن بعد صدور المرسوم الأخير تحول تمويل الاتحاد إلى الميزانية العامة للدولة.

وحسب ما نشره مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” فإن الاتحاد لا يعد مجرد أداة لضبط الجامعات وطلابها والمنشآت التابعة لها فقط، بل هو جزء أساسي في إعادة تعويم النظام وتنظيف صورته، عبر طلاب يدرسون في الجامعات ويشاركون في المؤتمرات والفعاليات الدولية، السياسية منها والاجتماعية، وفي الوقت نفسه يتجسسون على زملائهم في تلك البلاد (خارج سوريا)، ويسوقون رواية النظام حول الأحداث الجارية في البلاد.

وأكد المركز أن دور الاتحاد لم يقتصر على مساندة نظام الأسد ما بعد الثورة ضمن الجامعات والمؤسسات التابعة لها فقط، بل أُضيفت له أدوار خارج الجامعة تشمل البعد الاجتماعي أيضًا، فقد حرص النظام على تشكيل عدد من المؤسسات والجمعيات التابعة له، التي تُعنى إما بإغاثة الجرحى في صفوفه، وإما التسويق له ضمن المجتمع، وإما حتى مد المؤسسات التي أنشأها رموز النظام بالكوادر البشرية.

ومثال على ذلك الاتفاقية التي وقعها الاتحاد الوطني لطلبة سورية مع مشروع وثيقة وطن التي تعود ملكيته لبثينة شعبان، المستشارة الإعلامية لبشار الأسد، والذي يعنى بتوثيق الأحداث في سوريا بناءً على رؤية النظام.

مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، قال لـ”نون بوست” إن الشبكة استطاعت توثيق الكثير من الانتهاكات التي ارتكبها الاتحاد، أبرزها الاعتقال والتعذيب، بهدف ردع الطلاب ومنعهم من الانضمام للحراك المناهض للنظام.

وأضاف أن “الاتحاد ليس سوى ذراع من أذرع النظام السوري الأمنية، وهدفه عسكرة العملية التعليمية السورية بشكل كامل، خدمة للحكم والبعث”، في إشارة إلى إشراف الاتحاد على “المعسكرات الجامعية”.

ختامًا، لم يخرج الاتحاد عن الدور المنوط به من النظام السوري، فمنذ اندلاع الثورة انخرط الاتحاد في المنظومة القمعية، ومارس انتهاكات كثيرة بحق كل الطلاب السوريين الذين ناصروا الثورة، وجند كذلك عددًا كبيرًا من الطلاب الموالين لمصلحة أجهزة النظام الأمنية.